الاستثمارات الخليجية في سورية تحت رهان وعورة العودة ..وتجربة الإفراط في الريعية ليست مشجعة

الخبير السوري:

باستثناء فندق «الفورسيزونز»، الذي بُدئ بتنفيذه منتصف تسعينيات القرن الماضي، ولم يُفتتح إلّا في عام 2005، فإن مجمل الاستثمارات الخليجية في سوريا قبل عام 2001، بقيت محدودة لأسباب تتعلّق بطبيعة الوضع الاقتصادي الداخلي، سواءً لجهة الأنظمة المالية والمصرفية المعمول بها، أو لجهة تكوين بيئة الأعمال، التي بقيت غير جاذبة للاستثمار العربي والأجنبي، على رغم إصدار الحكومة في عام 1991 أوّل قانون خاص بتشجيع استثمارات القطاع الخاص. لكن مع توجّه البلاد، مطلع الألفية الجديدة، إلى تطبيق حزمة جديدة من الإصلاحات الاقتصادية، هي الثالثة منذ بداية عقد السبعينيات، توافد عشرات المستثمرين الخليجيين وشركاتهم إلى سوريا، لدراسة الفرص الاستثمارية المتاحة، بعضهم مدفوعاً بتوجّه سياسي واضح لدعم دمشق، كما هو الحال أوّلاً مع الاستثمارات الإماراتية، وآخر يحدوه الأمل بإحدى الوجهات الاستثمارية الواعدة في المنطقة، وهو ما يفسّر ربّما وصول عدد منهم إلى ضفاف بحيرة الأسد في مدينة الرقة، وتوقيعهم في عام 2001 عقداً مع وزارة السياحة لإقامة منشأة سياحية تكلفتها حوالي 60 مليون دولار، لم تبصر النور إلى الآن.

نوايا بـ30 مليار دولار

في مراجعة لأهمّ المشاريع الاستثمارية الخليجية التي أبصرت النور، أو كانت قيد التنفيذ قبل عام 2011، يتبيّن أن المشاريع ذات التكلفة الكبيرة، توزّعت على 3 قطاعات رئيسة هي: السياحة، العقارات، المصارف والخدمات المالية. وهذا ربّما عائد إلى سببيَن: الأوّل، أن هذه القطاعات ظلّت مغلقة لسنوات طويلة أمام الاستثمارات الخاصة الكبرى؛ والثاني، المردوديّة السريعة للاستثمار فيها، وتدنّي نسب مخاطرها مقارنة بقطاعات أخرى كالصناعة والطاقة وغيرهما. ومع غياب إحصاء دقيق لإجمالي الاستثمارات الخليجية تبعاً لجنسية المستثمرين وقطاعات الاستثمار، فإنه من الصعب الحُكم عليها لجهة نسبة مساهمتها من إجمالي تدفّقات الرأسمال الأجنبي المباشر على سوريا قبل عام 2011، ومن إجمالي الاستثمارات الموظّفة عموماً من قِبَل القطاع الخاص المحلّي والخارجي. وما هو متاح إلى الآن، لم يتعدَّ مسح الاستثمار الأجنبي الذي جرى في عام 2009، وشمل 178 منشأة استثمارية منفَّذة قبل عام 2008. وقد خلصت نتائجه إلى وجود استثمارات تعود إلى خمس دول خليجية من بين 33 دولة، تتقدّمها السعودية بحوالي 77.8 مليون دولار، ثمّ الكويت بحوالي 25.6 مليون دولار، فالإمارات العربية المتحدة ثالثاً بحوالي 21.3 مليون دولار، وأخيراً البحرين بحوالي 6.4 ملايين دولار. وعليه، فإن إجمالي ما تمّ رصده من استثمارات خليجية، يشكّل ما نسبته 10.6% من إجمالي رصيد الاستثمار الأجنبي المسجَّل، وفق نتائج المسح المذكور.

على أن ما يجدر توضيحه، هنا، هو أن البيانات المُشار إليها هي خلاصة مسح شمل فقط 178 منشأة استثمارية غير محلّية منفَّذة فعلياً، فيما الأنباء الشائعة عن الاستثمار الخليجي في سوريا تشمل ما هو منفّذ وما هو غير منفّذ، بتكلفة تفوق نظرياً 30 مليار دولار، الأمر الذي يفسّر الفارق ما بين الصورتَين. فمثلاً، كانت التوقّعات تتحدّث عن إمكانية استقطاب استثمارات قطرية بقيمة 12 مليار دولار، من بينها مشاريع كبرى لشركة «الديار» القطرية، كتطوير مدينة تدمر الأثرية بكلفة 5 مليارات دولار، وبناء الوسط التجاري لدمشق وغيرهما. وكذلك الأمر بالنسبة إلى مشروع «مدينة بنيان» في جبل الشيخ في ريف دمشق، والذي يعدّ من أكبر الاستثمارات الإماراتية في سوريا، إذ تصل تكلفته إلى حوالي 15 مليار دولار. كما أن مشروع رجل الأعمال الإماراتي، ماجد الفطيم، البالغة تكلفته مليار دولار، والذي هو عبارة عن استثمارات في مجالات السياحة الفندقية والبنية التحتية والخدمات المالية في منطقة يعفور في ريف دمشق، توقّف بعد أشهر قليلة من بدء العمل فيه عام 2010. والحال نفسه ينطبق على المشروع السياحي الضخم لشركة «الخرافي» في منطقة كيوان في دمشق.

  • الأولوية تبدو اليوم لمناقشة مصير المشاريع والعقود الاستثمارية الموقّعة قبل عام 2011

ثلاثة عوامل مؤثرة

قبل الحديث عن فرص دمشق في استقطاب استثمارات خليجية جديدة في ضوء تحسّن العلاقات السياسية، فإن الأولوية تبدو اليوم لمناقشة مصير أو فرص متابعة العقود الاستثمارية الموقّعة قبل عام 2011، وما يتطلّبه ذلك من إجراءات وخطوات خاصة، من بينها دراسة الفائدة التي يمكن أن تجنيها البلاد في هذه المرحلة من إكمال تنفيذ مشاريع عقارية وسياحية وتجارية، تستهدف شريحة اجتماعية معيّنة، فيما الحاجة ضاغطة لتوسيع دائرة الاستثمار في القطاعات الإنتاجية. وبحسب ما يعتقد الاستشاري الاقتصادي، سعد بساطة، فإنه «من الضروري حصر كلمة الاستثمارات الخليجية وعدم تركها “فضفاضة”. فالعلاقات السورية – الخليجية المعوّل عليها حالياً، يُقصد بها علاقات سوريا مع كلّ من السعودية، الإمارات، وسلطنة عمان. وعليه، فإن الشركات القطرية التي كانت قبل عام 2011 تتهيّأ للاستثمار في دمشق والساحل لن تعود في الوقت الحالي أو المنظور». ويضيف بساطة، في حديث إلى «الأخبار»، أن «أيّ مراقب للشأن الاقتصادي، لا يتوقّع أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، لكن التقارب السياسي البطيء والمتمثّل في إعادة العمل بالسفارات، سوف يتبعه انفتاح اقتصادي بطيء، وبشروط من كلا الطرفين».

عملياً، ثمّة 3 عوامل ستكون لها الكلمة الفصل في مصير الاستثمارات الخليجية ومستقبلها: أولاها العقوبات الأميركية الواسعة والمتنوّعة المفروضة على سوريا، والتي يدور جدل قانوني واسع حولها، وخصوصاً ربطاً بالمشاريع التي نُفّذت، أو كانت قيد التنفيذ قبل عام 2011. وعن هذا الجدل القانوني، يقول المحامي نعيم آقبيق، الباحث في القانون الدولي، لـ«الأخبار»، إن «المشاريع الاستثمارية العربية والأجنبية الموجودة في سوريا قبل عام 2011، نُفّذت أو رُخّصت بموجب عقود موقَّعة مع مؤسّسات حكومية سورية، وهذه العقود تحدّد بوضوح واجبات والتزامات وحقوق جميع الأطراف، وبالتالي هي واجبة التنفيذ. لكن كما في كلّ العقود، فإن هناك ما يسمّى بالظروف الطارئة التي يمكنها أن تخفّف من التزامات الشركات أو الجهات المتعاقدة، إنّما البتّ في هذه النقطة يحتاج إلى دراسة قانونية دقيقة لما تضمّنته عقود المشاريع المشار إليها». ويضيف آقبيق أن «جزءاً ليس بالقليل من الاستثمارات الخليجية دخل البلاد قبل عام 2011، رغم وجود عقوبات أميركية فُرضت بموجب قانون “محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان”، ولذلك فإنه يمكن الاستفادة من تجارب بعض الدول التي تمكّنت من التحايل على العقوبات الغربية، ولا سيما في جانب التحويلات المالية والمصرفية».

أمّا العامل الثاني، فيرتبط بماهية وحدود التوجّه الخليجي في الانفتاح الاقتصادي على سوريا. فإلى اليوم، لم يثمر الانفتاح السياسي أيّ خطوات اقتصادية فعالة، وهو ما تدلّ عليه العلاقة مع الإمارات، والتي مضى عليها ما يقرب من عام ونصف عام، من دون أن تستتبع إلى الآن سوى استثمار لإحدى الشركات في مجال الطاقات المتجدّدة. مع ذلك، ترجّح معظم التوقّعات فرضية التوجّه نحو تحسين المبادلات التجارية الثنائية، ريثما يتمّ إيجاد مخرج من العقوبات الغربية، في ضوء التحرّك العربي الأخير الساعي إلى الحصول على دعم أوروبي وأميركي لجهود حلّ الأزمة السورية وفق استراتيجية «خطوة مقابل خطوة».

وبالنسبة إلى العامل الثالث، فهو يتعلّق ببيئة الاستثمار السورية، والتي باتت بعد الحرب بيئة طاردة للاستثمارات، وذلك نتيجة تهالك البنى التحتية والإجراءات البيروقراطية والقرارات المقيّدة للاستيراد والتعامل بالقطع الأجنبي والفساد… إلخ. وعلى رغم إصدار الدولة في العام الماضي قانوناً جديداً للاستثمار الخاصّ، حمل في طيّاته تسهيلات ومزايا كثيرة، إلّا أنه، وفق بساطة، فإن «القوانين بالمجمل تبقى جذّابة على الورق، إنّما العبرة في التطبيق. وفي الحالة السورية، تصبح مهمّة العمل على تحسين مؤشّرات بيئة الأعمال مضاعفة؛ فإلى جانب أضرار الحرب الهائلة، فإن طرح مشروعات مريحة في وقت الضيق العالمي (مرحلة الكساد)، يرتّب مقاربة مختلفة». وفي هذا السياق، يقترح بساطة تشكيل «وحدة عليا مزوَّدة بصلاحيات استثنائية، تضمّ في عضويتها خبراء مشهوداً لهم بالنزاهة والخبرة، يعملون لحلّ المشكلات المعتادة أو الطارئة التي تعترض المستثمرين». لكنه ينصح في النهاية بـ«ألّا نبني آمالاً كبيرة على استثمارات الخليج، وخير مثال على ذلك، لبنان».

الأخبار اللبنانية

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]