من ينتج الرقم الإحصائي في سورية..وكيف تجرؤ “مكاتب الظل” على تراشق الأرقام علناً…هل من حسيب أو رقيب ؟؟؟

الخبير السوري:

رغم الحماس الكبير للعاملين في الشأن الإحصائي والاقتصادي لإنتاج رقم صحيح مطابق للمعايير الإحصائية المعتمدة عالمياً، إلّا أن الرقم الرسمي الحاسم لا يزال خجولاً ليصف البعض الحالة بـ(التخلي عن الرقم) الذي ترتبط مصداقيته بآليات استخراجه، وبالجهة التي تصدره في عالمنا الذي تحول عالماً افتراضياً، وباتت فيه الأرقام وتسريباتها تسري كالنار في الهشيم.

يدافع البعض عن وجهة نظره القائلة بضرورة إصدار رقم إحصائي لمواجهة الزوابع الرقمية والتضليل الحاصل والمنسق في أقبية سرية تعتمد قواعد ارتجالية غير صحيحة وتفتقد الدقة، في حين يرى البعض الآخر أن الرقم الإحصائي سلاح ذو حدين يحتاج الحذر في استخدامه.

يتحرك إنتاج الرقم الإحصائي وطنياً وفق مرجعيات عالمية وضمن السياسة التي رسمها المكتب المركزي للإحصاء الذي يستند بعمله إلى خبرة طويلة تعود إلى ٥٤ عاماً مضت، ليكون الكتاب الإحصائي الشامل باكورة أعمال المكتب الذي يسعى لوصوله إلى الجهات كافة.

وبينما يغيب القطاع الخاص عن دائرة العمل الإحصائي، يطالب المعنيون في هذا القطاع بضرورة مشاركة العبء مع المكتب المركزي للإحصاء الذي أكد بدوره أن الدعوة مفتوحة للتشاركية مع الجميع.

أسئلة كثيرة تدور عن (سياسة التكتم) -إن صح التعبير- المتعلقة بالرقم الإحصائي، والأجوبة المقدمة من صناع الأرقام والقرارات أنفسهم باحتضانها سنحيب عليها حوار موسع مع مدير عام المكتب المركزي للإحصاء الدكتور عدنان حميدان، ومع المدير السابق لمركز دمشق للأبحاث والدراسات المهندس هامس زريق.

أكثر المواضيع حساسية

يرى مدير عام “الإحصاء” الدكتور عدنان حميدان أن الأرقام من أكثر المواضيع حساسية خاصة عندما ترتبط بتفاصيل الحياة كافة (الاجتماعية والاقتصادية الديموغرافية) وغيرها، لافتاً إلى أنه وضمن التحول الذي يحصل في العالم وخاصة التحول الرقمي لا بدّ من بناء ثقافة رقمية حقيقية لاحتياج المجتمع إليها.

*حميدان: اقترح المكتب تشكيل لجنة وطنية وتم رفعها لرئاسة مجلس الوزراء وهي لجنة شاملة لسجل الاحوال المدنية مكونة من وزارات الداخلية والإدارة المحلية والكهرباء لإيجاد طريقة أو سيناريو يمكن من خلالها أن إجراء العملية التقديرية لعدد السكان

*حميدان: من يعمل بالمسوحات والتعداد والأرقام عشوائياً يُحاسب قانوناً ونحن سنقاضي كل شخص مخالف

ويلفت إلى أن الرقم بشكله المجرد لا يعني شيئاً على الإطلاق، لأن الرقم في طياته يحمل المعرفة والاقتصاد والمجتمع والسكان، والأمم تبني مستقبلها بناء على هذه الأرقام والمؤشرات.

مهام المكتب

لقد خُول المكتب المركزي للإحصاء بإنتاج البيانات الإحصائية، وإجراء وإعداد المسوحات التي يحتاجها صانع القرار والقائمون على التخطيط وتنفيذ البرامج سواء من الجانب الحكومي أم غير الحكومي، ومهمته تقديم أرقام محققة للمعايير الدولية، والتي يعمل عليها المكتب كما يؤكد حميدان.

وهناك بعض المشكلات التي كانت موجودة سابقاً، بعضها نتيجة انتكاسات الحرب الإر*ها*بية، وجزء آخر نتيجة النكوص الذي حصل في الأداء الإحصائي بشكل عام، أما حالياً فنسعى لتغطية الجوانب المرتبطة بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية، والتي يمكن أن تؤسس لها بشكل دقيق، بمعنى؛ إن الرقم الإحصائي ينتج من المكتب المركزي للإحصاء باعتباره الجهة القانونية والإدارية والمؤسساتية بهذا الإطار، وهي من أقدم الأجهزة الاحصائية في الوطن العربي، ومضى على تأسيسه 54 عاماً.. والحديث لحميدان.

ويضيف: إعداد الرقم وصناعته مهمة حسّاسة.. أي تستطيع أن تنتج رقماً معيناً، ويمكن أن تبنى عليه سياسات متطورة، ويمكن أن تعطي رقماً متخلفاً تكون له دلالة إحصائية عكس ذلك، باعتبار أن الأرقام قيم نسبية وعندما نغير بالنقاط الأساسية تختلف الأرقام.

*حميدان: كل ما أثير من زوابع رقمية مؤخراً كانت لها أغراض غير منطقية لا تصبُّ في مصلحة البلد ولا الاقتصاد الوطني

زوابع رقمية

يؤكد حميدان أن كل ما أثير من زوابع رقمية مؤخراً كان له أغراض غير منطقية، لا تصب في مصلحة البلد ولا الاقتصاد الوطني، حيث يتم تناول الأرقام بالطريقة السحابية وهذا يعد ضرباً لمنظومة الرقم الموجودة، ليبين حرص المكتب على دقة الأرقام، مؤكداً: “اليوم نسير مع الالتزام بكل المعايير الدولية المتبعة عالمياً في مجال إنتاج الرقم وفقاً لاعتراف المنظمات الدولية”.

عشوائية تناقل الرقم

بدوره.. يجيب المهندس هامس زريق المدير السابق لمركز دمشق للأبحاث والدراسات على سؤال المنصة حول من ينتج الرقم وعن العشوائية في تناقله والتي تكون استعراضاً أو ظهوراً أو استهدافاً لمؤسسة معينة وأيضاً إساءة للوطن، بالقول: إن الإعلام بحاجة للتواصل مع منتجي الرقم، هناك جوع في الإعلام وغيره للحصول على الرقم، وأي رقم يصدر عن أي باحث ينتشر كالنار في الهشيم بحكم المجتمع الافتراضي الذي نعيشه.

ويضيف: إن الرقم الإحصائي سلاح ذو حدين يستخدم لتشخيص الأزمات وحلها، وكذلك للتضليل من جهات مختلفة، أي يستخدم في التضليل عندما يطرح بشكل مجرد، مثلاً معدل النمو الاقتصادي ليس له معنى من دون أن يرتبط بمعدل النمو السكاني، فمعدل النمو السكاني يفرض زيادة بالنمو الاقتصادي، وزيادة الأجور ليس لها معنى بوجود زيادة بالأسعار.

ويشير إلى أن الرقم يحتاج إلى تحليل بنية ليتوضح كيف تم التوصل إليه ولا يوجد أسهل من التلاعب بالأرقام، كما يمكن أن تخرج الرقم الذي تريده وبمنهجيات صحيحة عبر مجموعة من البيانات.

زريق: عدد كبير من المكاتب الإحصائية في سورية غير منظمة وتعمل في الخفاء لصالح المنظمات الدولية وذلك لقاء أجر مادي وهي نقطة خطيرة جدا

*زريق: أنا ضد (السياسات السرية) في التعاطي مع الأرقام لأن الحديث عن رقم معين يسحب السلاح من الآخرين الذين يستخدمونه ضد البلد

ممانعة للسرية

بكثير من الصراحة يعلن زريق أنه ضد (السياسات السرية) في التعاطي مع الأرقام، فبرأيه الحديث عن رقم معين يسحب السلاح من الآخرين الذين يستخدمونه ضد البلد، والحديث لا يشمل المسائل العسكرية التي تقتضي المحافظة على أعلى درجات السرية، ويلفت إلى أنه عندما نقول رقماً يذهب إلى الذهن مباشرة الرقم الإحصائي، هناك أرقام تستند إلى قواعد بيانات، ليؤكد أن السياسات المحلية تجاه الأرقام ضعيفة، ويمكن تصنيف الحالة بعدم وجود أرقام.

ويقول: إن حصر إصدار هذا الرقم بالمكتب المركزي للاحصاء أمر ممكن أن نفهمه باعتباره يشمل القطاع الحكومي، لكن لماذا لا يترك القطاع الخاص يفكر ولديه الإمكانات للقيام بالعمليات الإحصائية ويستطيع المشاركة ضمن شروط معينة بحيث لا يبقى العبء على المكتب المركزي للإحصاء.

ويرد حميدان على هذا الموضوع بتأكيد أن هناك الكثير من الموضوعات التي يتم التشارك بها مع القطاع الخاص، وأن الدعوة دائماً مفتوحة لهم بغية توحيد الجهود وخاصة أن بلدنا يمر بظروف صعبة، متحدثاً عن عمل مشترك بما يتعلق على الأقل بإنتاج البيانات وخاصة ما يتعلق بشؤون الصادرات والواردات، متمنياً أن يكون هناك دور أكبر للقطاع الخاص، ليوضح أن المكتب المركزي مؤسسة وطنية لها باع طويل في إنتاج الرقم والإحصاءات.

قفزات نوعية

وعند سؤاله عن الأرقام الصادرة عن المنظمات الدولية وطريقة التعامل معها، أكد حميدان أنه تم تحقيق قفزات نوعية على مستوى التعاون بكل مصداقية واحترام مع المنظمات الدولية، مشيراً إلى أنه خلال الاجتماع الأخير لـ(الأسكوا) في بيروت كان صوت الجهاز الإحصائي السوري يشكل رقمَ واحد، وحصلت الأفكار المقدمة من الفريق السوري على إشادة وخاصة ما يتعلق بتطوير العمل الإحصائي والخروج عن الإطار التقليدي.

وبيّن حميدان أننا نتعامل مع المنظمات الدولية بالتعامل الأخلاقي الموروث، ويتطلب العمل معها الحذر مع الاستفادة منها ومن خبراتها وإمكاناتها المادية والتقنية والتجهيزات التي تعمل عليها، أما فيما يتعلق بالمواد الخام للبيانات raw data فيحظر منحها لأي جهة بموجب القانون، أي البيانات الخاصة بالأشخاص والأسر والمؤسسات تبقى طي الكتمان، وما يتم إعطاؤه جداول وغيرها، ليشير إلى وجود الكتاب الإحصائي المعد من المكتب المركزي الذي نسعى إلى توزيعه على الجهات المختلفة.

التعداد السكاني

“تشرين” سألت عما أثير مؤخراً حول التعداد السكاني ومدى دقة الأرقام المعلنة، ليجيب مدير المكتب المركزي للإحصاء: إن مشكلة كبيرة توجد في تعداد السكان، فقد كان آخر تعداد عام 2004، وكان من المفترض أن يكون هناك مسح سكاني في عام 2014 لأن هذا المسح يجرى كل عشر سنوات، لكن نتيجة الظروف التي كانت سائدة وقتها لم نستطع القيام به، لافتاً إلى أن الإحصاء القادم من المفترض أن يجرى في عام ٢٠٢٤، لكن السؤال: هل نستطيع إجراء تعداد سكاني أم لا؟ علماً أن إجراء مسح عام للسكان في سورية يتطلب وجود استقرار كامل للبلد، وفي الوقت الراهن توجد خمس محافظات غير مستقرة، وتالياً من الصعب إحصاؤها بدقة لذلك يمكن إحصاؤها تقديرياً، منوهاً بأن الاستعداد للمسح يحتاج سنة ونصف السنة على أقل تقدير، فهو بحاجة إلى إشراك عمالة من جميع الوزارات والمؤسسات لإنجازه، وهو عمل ضخم على مستوى سورية، وبتكلفة تقارب خمسين مليار ليرة كحد أدنى.

*زريق: الرقم الإحصائي سلاح ذو حدين يستخدم لتشخيص الأزمات وحلّها، وكذلك للتضليل من جهات مختلفة

وحسب حميدان فقد اقترح المكتب تشكيل لجنة وطنية وتم رفعها لرئاسة مجلس الوزراء، وهي لجنة شاملة لسجل الأحوال المدنية، مكونة من وزارات الداخلية والإدارة المحلية والكهرباء. بحيث يمكن إيجاد طريقة أو سيناريو يمكن من خلاله إجراء العملية التقديرية لعدد السكان، علماً أن متوسط عدد أفراد الأسرة هو خمسة، وهو الرقم المعتمد في الإحصاء السكاني.

أقبية إحصائية

وأثار المهندس زريق نقطة مهمة وهي وجود عدد كبير من المكاتب الإحصائية في سورية غير منظمة وتعمل في الخفاء لصالح المنظمات الدولية، وذلك لقاء أجر مادي وهي نقطة خطيرة جداً، مبيناً أن الموضوع يتم بإشراف أساتذة جامعات، كما أن هناك معاهد ومراكز تقوم بالإحصاءات وبحرية تامة.

ويشاركه الرأي مدير المكتب المركزي للإحصاء مؤكداً أن هذه الأقبية تعمل بالبيانات وتوردها لمنظمات دولية والتي بدورها تعتمد عليها في أبحاثها، ولكن للأسف بعض أساتذة الجامعات حاولوا تشويه الأرقام لسبب أو لآخر، إضافة إلى أنهم يستندون إلى المعلومات التي تفصح عنها هذه الأقبية أو الجهات غير الرسمية، لذلك انطلاقاً من هذه الفوضى أصدر رئيس الحكومة تعميماً فحواه أنه يمكننا مقاضاة هؤلاء ومحاكمتهم في حال صرّحوا بمعلومات وأرقام لتلك المنظمات أو حتى إذا كانوا بموضع شبهة.

نظام جديد

وذكر حميدان أن المكتب المركزي يستقي جميع البيانات من الوزارات والهيئات العامة، ولم يخفِ مدير عام المكتب أنه سيتم إشراك القطاع الخاص في نظام isic4 وتم رفع توصية بهذا الخصوص إلى اللجنة الاقتصادية والتي ستضعه بدورها على طاولة رئاسة مجلس الوزراء لاعتماده في القريب العاجل، لافتاً إلى أن هذا النظام نموذجي ومطبق منذ أربع سنوات في دول العالم، وفي حال اعتماده لدينا سينهي عشوائية الرقم الصادر من جهات متعددة، بمعنى؛ سيؤطر مؤشرات وبيانات جميع الأنشطة الاقتصادية.

*زريق: السياسات المحلية تجاه الأرقام ضعيفة ويمكن تصنيف الحالة بعدم وجود أرقام

وعن قدرة الوزارات والجهات المعنية بتحضير البيانات وفق نظام isic4 وتقديمها للمكتب المركزي للإحصاء، يؤكد الدكتور حميدان أنه استبق هذه الخطوة وقام المكتب بتحضير مشروع قرار إحداث دائرة إحصاء ومعلومات في كل جهة عامة، أي بما يشبه عملية فصل عمل المكتب عن بقية الجهات وإن كان ضمن هيكلتها الإدارية، لافتاً إلى أن هذه الخطوة لا تحتاج إلى وقت، إذ منذ كان الإحصاء يتبع إلى وزارة التخطيط إلى حين انفصالهما عن بعضهما بالمراكز، ولكن بقيت على حالها في الفروع، وهذا خطأ كبير، لذلك تم عرض المشروع على وزارة التنمية الإدارية وعدّه جزءاً من الإصلاح الإداري، وهو إصلاح الخطأ المزمن منذ أن استقل المكتب المركزي للإحصاء عن هيئة التخطيط والتعاون الدولي، فبقيت الوزارات قائمة على آلية العمل السابقة التي لا تقدم ولا تؤخر، ويكفي أن يعمل ثلاثة عناصر من المكتب ضمن الدائرة المزمع إحداثها في كل وزارة، على أن يتم تدريب العناصر على نفقة كل وزارة.

ولعل الوضع التكنولوجي الجيد الذي يتمتع به المكتب المركزي للإحصاء، جعله يفكر بربط تلك الدوائر في جميع الوزارات والمؤسسات والهيئات مع بعضها شبكياً، وبهذه الطريقة حسب الدكتور حميدان فإن كل دائرة تزود المكتب بالبيانات، وعندما تحتاجها أي جهة يمكن للمكتب أن يقوم بتزويدها بالبيانات التي تريدها بما يتعلق بالناتج والدخل وغيرها من المؤشرات والأرقام الإحصائية.

وحول طرح وجهة نظر تساعد على تحسين العلاقة ما بين مؤسسات الدولة والمكتب المركزي للإحصاء، يعرض المهندس هامس زريق تجربته بهذا الخصوص عندما تمت دعوته في عام 2007 من النائب الاقتصادي آنذاك من أجل إنشاء قاعدة بيانات للتنمية خاصة بهيئة تخطيط الدولة، وكان الهدف من المشروع توحيد البيانات التي تصب من الوزارات إلى هيئة التخطيط والتعاون الدولي، وهو مشروع شبيه بالمشروع الذي يعمل عليه المكتب المركزي للإحصاء، لافتاً إلى أن هيئة التخطيط ذاتها تعاني المشكلة نفسها بالنسبة للبيانات، فهي تحصل عليها من بقية الجهات العامة بطريقة عشوائية، وللأسف لم يُكتب للمشروع النجاح لأننا لم نكن قادرين على فعل أي شيء، ليس لأن السبب في الأدوات التي ستُستخدم، بل في تأمين البيانات الصحيحة التي ستدخل إلى المكاتب، وهنا تكمن المشكلة، ويلفت المهندس الزريق في هذا السياق إلى المشكلات التي ظهرت في البطاقات الذكية والتي يتم تلافيها حالياً بإجراء التدقيق والتصحيح للبيانات الخاصة بالمستخدمين، لذلك لابدّ أن تتوحد الجهود من داخل جميع الوزارات نفسها وتنصب في هيكلة بياناتها على أن يكون هناك مصدر وحيد للبيانات، لأننا نعلم أن الخطورة تكمن في وجود أكثر من مصدر للبيانات، فالمشكلة الأساسية حالياً تكمن من داخل كل وزارة، إذ عليها أن توحد كل منها بياناتها الخاصة وتقوم بتخزينها بشكل مركزي.

*حميدان: الأرقام يمكن أن تنتج رقماً معيناً تبنى عليه سياسات متطورة.. ويمكن أن تعطي رقماً متخلفاً تكون له دلالة إحصائية عكس ذلك

*زريق: هناك جوع للحصول على الرقم.. وأي رقم يصدر عن أي باحث ينتشر كالنار في الهشيم بحكم المجتمع الافتراضي الذي نعيشه

ويعود الدكتور حميدان ليؤكد أن توحيد البيانات هو مشروع وطني، ولكن لابدّ لنا في البداية أن نوحد تسمية الدوائر المختصة بالإحصاء، وهنا يذكر عندما وجه كتاباً بهذا الخصوص إلى جميع الوزارات والجهات، تفاجأ بوجود 19 تسمية مختلفة للدوائر المتخصصة بالإحصاء، ومن جهة أخرى يرى أن نجاح هذا المشروع يتوقف على وجود كوادر تؤمن بأهمية الرقم الإحصائي في اتخاذ أي قرار أياً كان نوعه، فتكوين قاعدة بيانات صحيحة يحتاج إلى إيمان بأهمية هذه القاعدة وفي الوقت نفسه يحتاج إلى علم ومعرفة، ناهيك بوجود العديد من المنغصات، أولها عدم وجود كادر مدرب، مع العلم أن المكتب مستعد لتدريب الكوادر.

مركز تدريب

وتحدث الدكتور حميدان عن وجود مركز تدريب لدى المكتب -الذي يعمل منذ تأسيسه- معطل منذ 17 عاماً، ولكننا استطعنا إعادته إلى حالته الفنية الجيدة، إضافة إلى ذلك قمنا بجمع البيانات الخاصة بسورية منذ عام 1963 وحتى عام 2022 ضمن كتاب لا يتجاوز 120 صفحة بعد أن كانت هذه السلاسل الزمنية ضمن مجلدات كبيرة وضخمة.

محاسبة مصدري الأرقام

وعن محاسبة كل من يقوم بتصدير رقم غير دقيق وغير صادر عن جهة رسمية ويحدث نوعاً من القلق في المجتمع، يؤكد الدكتور حميدان أن قانون المكتب المركزي للإحصاء كان واضحاً بهذا الخصوص، إذ ينص في إحدى مواده أن كل من يعمل بالمسوحات والتعداد والأرقام يُحاسب قانوناً، ولكننا في الوقت نفسه بحاجة إلى من يقودنا إلى أشخاص يعملون بهذا المجال، أما من قاموا بطرح بعض الأرقام عبر الإعلام فقد تعرضوا للمساءلة، ونحن مستعدون لمقاضاة أي شخص أدلى بأرقام غير صحيحة، وهنا أؤكد أنه لا يحق لأيٍّ كان أن يدلي بأرقام مهما كانت صفته، وأنا أقول لهؤلاء: «بإمكانكم أن تطرحوا أرقاماً خاصة بطولكم وعرضكم وطلابكم وغير ذلك، أما أن تتحدثوا عن النمو وخط الفقر والبطالة والطلاق والزواج فهذا ليس من شأنكم ولا اختصاصكم».

ومن جهة أخرى يؤكد الدكتور حميدان أنه لا بدّ من العمل على تعزيز ثقافة الأرقام، إذ ليس كل ما يُنشر صحيحاً، ووسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً سلبياً في نشر الكثير من الأرقام التي هدفت إلى التضليل في سياق الحرب على سورية، والدليل على ذلك يأتي من يقول لك إن هذه الشبكة وتلك الصفحة نشرت رقماً بخصوص كذا وكذا، «وأنا أسأل من هؤلاء..؟، ومن يقف وراء تلك الشبكات والصفحات..؟»، لذلك كل ما يُنشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لا يشكل من الحقيقة سوى 5% ليس في مجال الأرقام فقط بل في كل شيء، وهنا أؤكد أننا قادرون على محاسبة كل من ينشر معلومات وبيانات بقصد التضليل وفق قانون الجريمة الإلكترونية، حتى إن بعض الأحكام بهذا الخصوص تصل إلى سبع سنوات من السجن، لذلك لابدّ من الترويج أكثر لقانون الجريمة الإلكترونية والعقوبات الخاصة بكل جريمة.

وأسف مدير المكتب المركزي للإحصاء مما وصل إليه الحال بالنسبة للكثير من المسائل التي باتت متعلقة بشكل كبير عما يصدر عن الخارج، وتساءل: هل من المعقول أن يصبح لباسنا من الخارج وعقولنا من الخارج أيضاً، فعلى سبيل المثال عند حساب خط الفقر، هل نقوم بحسابه بناء على آلية حساب البنك الدولي وربط خط الفقر بالدولار، لماذا لم يُفكر أحد بحساب هذا الخط بالليرة السورية؟ وكذلك مسألة التنمية المستدامة التي شغلت العالم بأسره، ونحنا ذهبنا بهذا الاتجاه، ولكن وقعنا في أخطاء خلال المرحلة السابقة من حيث ندري أو لا ندري، لأن حساب كل ما هو اقتصادي إذا لم يتم ربطه بكل ما هو سكاني لا معنى لحسابه، وإذا لم نقم بربط الأجور بمستوى الأسعار فهو أيضاً يؤدي إلى نتيجة لا قيمة لها، وكذلك سعر صرف الدولار إذا لم أقم بربطه بالقوة الشرائية للعملة فهذا أيضاً لا معنى له.

التنمية الاجتماعية

خلال السنوات السابقة -حسب الدكتور حميدان- عملنا على التنمية الاقتصادية ومعدلاتها، ولكن هذه التنمية الاقتصادية خلقت لنا مشاكل في التنمية الاجتماعية التي لم يتطرق أحد إليها، فورشة العمل الوحيدة التي أقيمت في دمشق بخصوص التنمية الاجتماعية غطتها آنذاك الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، واليوم نتحدث عن التنمية المستدامة التي وضع لها 17 هدفاً تعمل عليها جميع دول العالم، وفي هيئة التخطيط تم تشكيل لجنة التنمية المستدامة وبعدها تم تشكيل لجان في جميع الوزارات، ولو جمعت جميع الأهداف من خط الفقر والتعليم والمساواة بين الجنسين وغيرها وصولاً إلى الهدف التاسع وهو النمو الاقتصادي لوجدت أن جميعها تندرج تحت إطار النمو الاقتصادي والاجتماعي، وهذه المؤشرات تهم العالم بأسره، ولكن ما يهمنا في هذه المؤشرات هو مقارنتها مع مؤشراتنا التي ينتجها في النهاية المكتب المركزي للإحصاء، وهذه المؤشرات بحاجة إلى تضافر جهود جميع الجهات مع المكتب المركزي، وهنا تكمن المشكلة الحالية مع جميع الجهات.

*حميدان: قريبا تطبيق نظام (ISIC4) الخاص بدقة الرقم الإحصائي وجودته

أما على مستوى المؤشرات التي حددتها منظمة الأسكوا، يؤكد الدكتور حميدان أنها 230 مؤشراً لتغطية الأهداف السبعة عشر الخاصة بالتنمية المستدامة، ولدى اطلاعنا على تلك المؤشرات وجدنا أننا قادرون على حساب 130 مؤشراً، بينما هم يطالبوننا بـ 143 مؤشراً، وعندما أردنا توزيع الـ 130 مؤشراً على الأهداف، هناك من سألنا ما هو الهدف وكيف هذا الهدف..؟ فأوضحنا أنه يجب العمل على الأهداف الثانوية ومن ثم الرئيسة وصولاً إلى الهدف الأساسي حتى نكوّن مؤشرات الهدف الرئيسي، أما حسابها بطريقة «الدوغما» فلن تعطي أي نتائج، وحينها عقدنا اجتماعين في هيئة تخطيط الدولة في ذلك الوقت ونحن نوضح كيفية حساب الهدف الرئيسي.

إشكالية بنيوية

الآن السؤال حول كيفية تطوير وتفعيل المكتب المركزي للإحصاء، ليبين مدير مركز دمشق للأبحاث سابقاً أن المشكلات التي يعانيها المكتب موجودة في التركيبة الحكومية في حد ذاتها، وآلية اتخاذ القرار، وهي مشكلة هيئة تخطيط الدولة نفسها التي من المفترض أن تكون مسؤولة عن خطط التنمية بالتعاون مع بقية الوزارات، لكن على أرض الواقع الوزارات أقوى منها في هذا المجال، وهي إشكالية في معظم الهيئات الموجودة ضمن البنية الإدارية للدولة كمؤسسات أقل من وزارات وليست لديها سلطة، وهذا أمر يجب دراسته، وكان الأحرى بمشروع الإصلاح الإداري أن يفكر في هذه المسألة، لذلك أؤيد ما طرحه مدير المكتب بضرورة وجود دوائر إحصاء في جهاتنا العامة مرتبطة بشكل مباشر بالمكتب المركزي (كسفراء له)، والمأخذ على مشروع الإصلاح الإداري عدم امتلاكه نظرة شمولية على التركيبة الحكومية من وزارات وهيئات ومؤسسات وشركات، وغيرها من التسميات المتداخلة فيما بينها بالصلاحيات.

من جهته أوضح الدكتور حميدان أنه يتم العمل على نوع من الاستقلالية للمكتب، وكذلك إمكانية السماح له بتنفيذ أعمال مأجورة بالتعاون مع القطاع الخاص من غرف صناعة وتجارة وغيرها، ووجدنا أن وزارة التنمية الإدارية قد اقتنعت بموضوع تتبيع دوائر الإحصاء في الجهات العامة للمكتب، بهدف بناء قواعد بيانات صحيحة، وبعدها يمكننا العمل على تغيير القانون الأساسي (الصك التشريعي) للمكتب باتجاه أن نكون جهازاً كما هو معمول به في الكثير من الدول العربية الأخرى، فمثلاً مصر لديها الجهاز المركزي للإحصاء والتعبئة.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]