هيئة وطنية لإعادة الإعمار ومنظومة قوانين متصالحة مع استحقاقات الاستثمار الجديد..

* د. مستو: رؤية قانونية اقتصادية محفزة للاستثمار في سورية

 

الخبير السوري:

دفع الدكتور بديع مستو أستاذ القانون العام في جامعة دمشق، برؤية اقتصادية بأبعاد قانونية متقدّمة، لتحفيز الأداء العام بما يخدم استحقاقي الاستثمار و إعادة الإعمار، كاستحقاقين ملحّين لابدّ من التوطئة الصحيحة والسليمة للتعاطي معهما بشكل إستراتيجي ممنهج.

واقترح أستاذ القانون إنشاء هيئة وطنية أو جهة مسؤولة عن تنظيم و إدارة ملف إعادة الإعمار في سورية، لما لهذا الملف من بُعد إستراتيجي متكامل، وتفعيل المؤسسات والشركات الأهلية إلى جانب المؤسسات الحكومية في هذا المشروع الوطني الكبير.

و أضاف الدكتور مستو الذي يتولّى مهام نائب عميد كلية الحقوق في جامعة الشام الخاصّة، خلال ندوة بعنوان ” الأبعاد الاقتصادية للعقد الاجتماعي السوري و أطرها القانونية” التي أقيمت في المركز الثقفي العربي / أبو رمانة/، أنه من المهم أن تكون خطط الإعمار خاصّة بكل منطقة، وطرح أراضٍ مخططة ومخصصة للبناء مع احتياجات الأسرة الحالية والمستقبلية وبأسعار مناسبة ومزودة بالمرافق العامة الأساسية.

وفيما يخص الشق الثاني المتعلق بالاستثمار كاستحقاق اقتصادي يكتسب أهمية خاصّة في سياق السياسات المعدّة للتوجه نحو المستقبل الجديد للبلاد، طالب أستاذ القانون العام في جامعة دمشق، بتوخّي بلورة عوامل الاستقرار والوضوح في السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، إلى جانب إيجاد بنية تشريعية وقضائية تتميز بالبساطة والوضوح وعدم التناقض في القوانين، و اختصار مدد التقاضي وتخصيص محاكم خاصة بالاستثمار سريعة البت بالقضايا الاستثمارية، الأمر الذي من شأنه أن يعطي طمأنينة للمستثمر..

ولم ينس الدكتور مستو الإشارة إلى ضرورة إصدار التشريعات والقرارات اللازمة لمكافحة الفساد، و إيجاد قواعد المساءلة في إطار من الشفافية والوضوح.. إلى جانب تسهيل تأسيس وتسجيل المشاريع الاستثماري واختصار الإجراءات.

لافتاً إلى أهمية أن تكون هيئة الاستثمار هي المخوّلة بشكل مطلق قانوناً بإجراء كل المعاملات المتعلقة بالاستثمار، اعتباراً من التأسيس وحتى بدء التشغيل والمراحل اللاحقة.. و إشراك القطاع الخاص في إنشاء بعض البنى التحتية الأساسية، كما من المهم  توفير قاعدة بيانات  عن الاقتصاد يحتاجها المستثمر، بغضّ النظر عن جنسيته، على أن تتضمن المعلومات المفاهيم الأساسية لبعض القوانين التي تتصل بنشاط المستثمر.

وشدد الدكتور مستو على ضرورة الابتعاد عن القرارات المفاجئة التي تعيق أو توقف عمل المستثمر..متمنياً حذف أو تعديل الفقرة ” ب”  من القانون رقم 18 للعام 2021 والمتعلقة بـ ” عدم نزع ملكية المشروع إلا إلى المنفعة العامة وبتعويض يعادل القيمة الحقيقية للمشروع، وفقاً للسعر الرائج” معتبراً أن هذه الفقر قد تسبب عدم الطمأنينة لدى المستثمر.

واتسمت مشاركة الدكتور مستو في الندوة بالشمولية والتخصص، عبر ورقة عمل نوعية ركزت على الاستثمار و إعادة الإعمار،  برؤية اقتصادية مبنية على إطار قانوني عميق، اعتبر فيها أن الاستثمار رافعة أساسية وعمود فقري للاقتصاد، مشيراً إلى الإملاءات الجديدة لحدّة المنافسة العالمية على جذب الاستثمارات الخاصّة، والانتقال من تنافس الشركات للفوز بالاستثمارات لدى الدول، إلى تنافس الدول على الفوز باستثمارات الشركات، منبهاً إلى أهمية التشريعات في تهيئة المناخ الاقتصادي الملائم، بالتالي بقدر  ما تنجح الحكومات في إصدار التشريعات المناسبة والملائمة والشفافة  المتجاوبة مع المتغيرات الدولية، بقدر ما ينعكس ذلك على استجابة المزيد من المستثمرين وتدفق الرساميل الباحثة عن مطارح مناسبة للتوظيف الاستثماري..

وتطرق أستاذ القانون العام إلى جملة محددات جذب الاستثمار، كالعوامل السياسية والأمنية وظروف الاستقرار، لافتاً إلى الضياعات الكبيرة في الفرص الاستثمارية في سورية، على خلفية الحرب الإرهابية التي شُنّت على البلاد، وقوانين المقاطعة والحصار الأميركية والغربية أحادية الجانب التي فُرضت على سورية.

كما تطرق إلى النظام الإداري وعلاقته بالاستثمار، والعامل القانوني والتنظيمي مستعرضاً ” السيرة القانونية” للاستثمار في سورية منذ العام 1952 وصولاً إلى العام 2021 والقانون رقم 18.

و أشار إلى أن البيروقراطية مشكلة في الدول التي تمر بمرحلة تحول سواء في الدول المتقدمة أو دول العالم الثالث، فالإجراءات الإدارية يمكنها أن تؤثر على تدفق الاستثمار، إذا كانت القواعد القانونية والنظام الإداري يفتقد للشفافية سواء على مستوى الحكومة المركزية أو بالنسبة للمحافظات أو الأقاليم، حيث يوجد الكثير من الحالات تكون فيها الأمور غير واضحة بالنسبة للمستثمر الأجنبي فالبلبلة الناتجة عن غموض القواعد واللوائح المنظمة للاستثمار يمكن أن تمثل عقبة أمام المستثمر.

ولكن بالنسبة للحكومة السورية حاولت جاهدة إزالة كافة أشكال التأخير الناتجة عن التعقيدات البيروقراطية ومع صدور القانون الجديد للاستثمار فمن المفترض انه تم القضاء على جميع المشاكل التي تواجه المستثمرين قبل صدور هذا القانون إضافة إلى الإصلاحات الإدارية الأخرى.

وتوقف الدكتور مستو عند العامل القانوني والتنظيمي، قاصداً بذلك سن القوانين المحفزة للاستثمار أي تلك القوانين التي يجب أن تتمتع بالاستقرار وعدم التضارب فيما بينها لكي تجذب الاستثمار، فضلاً عن ضرورة وجود القضاء العادل ونظام التحكيم الذي يتكفل بحسم المنازعات والذي يعتبر من العناصر الهامة في تهيئة المناخ الاستثماري كما أن للمؤسسات القائمة على تنفيذ القوانين دور كبير في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال التسهيلات وتيسير الإجراءات أو طرده من خلال التعقيدات والبيروقراطية وطول الإجراءات.

قدّم الدكتور مستو.. لمحة تفصيلية عن تاريخ القوانين الناظمة للاستثمار في سورية، منذ خمسينيات القرن الماضي،  لافتاً إلى أنه صدر منذ عام 1952 وحتى الآن العديد من المراسيم و القوانين التي تشجع على الاستثمار الصناعي و الزراعي و السياحي في سورية، ومن الصعوبة بمكان فصل قوانين تشجيع الاستثمار عن بعضها البعض لان كل قانون صدر جاء تتمة أو معالجة لمشاكل لم يستطيع القانون الذي سبقه معالجتها، إضافة إلى أن القوانين تتغير تبعا للتغييرات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي لا تقف عند حد معين.

منها:  المرسوم التشريعي رقم 103 لعام 1952

حيث نص هذا المرسوم على إعفاء المشاريع الصناعية من الضرائب ولم يشمل القطاع الزراعي والقطاعات الخدمية كالسياحة والنقل وغيرها.

ثم قانون تشجيع الاستثمار رقم /10/ لعام 1991

وصدر هذا القانون استجابة لحاجة الاقتصاد الوطني لمزيد من الاستثمارات ولأن الفعاليات لم يعد بإمكانها امتصاص المزيد المتدفق من العمالة المحلية الواحدة لسوق العمل والتي قدرت بحوالي 200.000 طالب للعمل سنوياً.

ثم المرسوم التشريعي رقم /7/ لعام 2000.

وقد جاء هذا المرسوم معدلاً ومكملاً للقانون رقم 10 لعام 1991 بحزمة من الإعفاءات والتسهيلات من أهمها السماح للمستثمرين العرب والأجانب تملك أو استئجار الأراضي المخصصة للمشاريع المرخصة وفقا للقانون رقم 10 وفي المناطق التي يحتاجها المشروع وذلك اسثناءً من أحكام سقف الملكية التي تنص عليها قوانين الإصلاح الزراعي (حيث كان القانون رقم 10 لا يسمح بتملك الأرض من قبل المستثمر الأجنبي دون مساهمة 25% للمساهمين المحليين)

إضافة إلى المرسوم التشريعي رقم /8/ لعام 2007… وقد صدر هذا المرسوم لتلافي بعض عيوب القانون رقم 10 لعام 1991 والمرسوم التشريعي رقم /7/ لعام 2000 حيث كان له العديد من المزايا:

أهمها مزايا إدارية تخص المستثمر غير السوري وبأحقيته بالحصول على تراخيص عمل وإقامة له ولعائلته طول مدة تنفيذ المشروع إضافة الى تراخيص عمل واقامه للعمال غير السوريين في المشروع إضافة الى مزايا تأمينية ومالية تضمن حقوق المستثمر

هذا إلى جانب المرسوم التشريعي رقم (9) لعام 2007

فبموجب هذا المرسوم تم إحداث هيئة الاستثمار السورية بهدف توحيد سياسات الاستثمار والجهة التي تشرف على الاستثمار في سورية وتعزيز مناخ الاستثمار، كما تضمن المرسوم إحداث النافذة الواحدة في الهيئة وفروعها لتقديم الخدمات للمستثمرين وتبسيط الإجراءات والحد من البيروقراطية.

وصولاً إلى قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021.

وقد منح قانون الاستثمار الجديد المشاريع التنموية إعفاءات ضريبية مع الأرباح بنسبة 75% لمدة عشر سنوات وقدم أيضاً إعفاءات ضريبية في عدة مشاريع بقطاع الصناعة مثل صناعة التقنيات والصناعة الطبية والدوائية والطاقات المتجددة وتدوير النفايات والمشاريع الحرفية بنسب تتراوح بين50 % و75% ومن ميزات الفانون الجديد أيضا انه اعفى مشاريع الإنتاج الزراعي والحيواني من الرسوم الجمركية على الواردات من أدوات وتجهيزات انتاج كما أعفاها من الضريبة على الأرباح.

وأهم ميزة لهذا القانون ماورد في المادة /26/ منه بان  المنطقة التنموية هي منطقة إدارية يتم اعتبارها منطقة استثمارية لأغراض تنموية أو لأغراض التطوير العقاري أو لأغراض إعادة الاعمار في حال كانت المنطقة متضررة من الحرب.

ولكن اود ان أقول ان القانون الجديد للاستثمار حركة إصلاحية ومهمة بتقديمه العديد من التسهيلات ولكن السؤال الذي يطرح نفسه

هل صدور هذا القانون يكفي للاستثمار أعتقد بأن هناك حزمة من القوانين الأخرى المحيطة بالمناخ الاستثماري يجب تعديلها لتواكب البنية المحيطة بالاستثمار أي بمعنى آخر عدم التضارب أو التناقض بين هذه القوانين او القرارات التنظيمية الاخرى  بالرغم من ذلك فإنه يوجد العديد من الانتقادات الموجه لقانون الاستثمار الجديد من عدم الاخذ بعين الاعتبار مقدار رأسمال المال المخصص للاستثمار بمعنى كل ما كان رأسمال المعد للاستثمار أكبركلما كانت المزايا أكبر.

أيضا كان من المفروض إعطاء ميزات أوسع وأكبر للاستثمار الداخلي في ظل الظروف الحالية .

اذن بعد استعراض القوانين المنظمة للاستثمار في سورية منذ عام 1952 وحتى الان أوكد بأن أي قانون يصدر يجب أن يحاط بنوايا صادقة للتطبيق فالقوانين وحدها ومهما كانت على درجة عالية من الدقة والعصرية ومواكبة للتطورات قد تفشل إذا لم تكن هناك إدارة فاعلة صادقة مؤهلة مدربة تطبق القوانين بحس المسؤولية الوطنية وهمها الأساسي بناء الوطن وبناء الدولة.

و أفرد الدكتور مستو حيزاً من ورقته لموضوع  إعادة الاعمار، معتبراً أن إعادة إعمار ما دمرته الحرب المجنونة الإرهابية على سورية بعد أن تكالبت عليها ضباع الأرض هي عملية معقدة ومكلفة جداً جداً.

ولكن ومع وجود الكثير من الدمار الذي يتعين إصلاحه في المناطق المحررة بسواعد الجيش العربي السوري، ستكون إعادة الاعمار هي القوة المنشطة للاقتصاد السوري فيما بعد الحرب الكونية الظالمة على سورية .

فالخسائر نتيجة الأعمال الإرهابية فادحة وقاسية جداَ حيث تعرضت البنى التحتية الأساسية (الكهرباء -الماء- الصرف الصحي- الصحة -الطرق-الجسور -المباني المدرسية والدوائر الرسمية في المدن والمحافظات التي تعرضت للأعمال الإرهابية الى دمار كبير و أضرار بالغة، مما لا شك فيه أن هذه الأضرار و الخسائر الكبيرة و الكارثية أدت إلى تدهور في مؤشرات التنمية (معدلات الفقر و البطالة) إضافة إلى مشاكل اقتصادية و اجتماعية أخرى.

والسؤال الذي يطرح نفسه من وجهة نظر أستاذ القانون هو: هل انتهت الحرب الكونية على سورية أعتقد أن أبطال الجيش العربي السوري وما قدموه من شهداء على مذبح الوطن قد حسموا المعركة العسكرية لصالح سورية الحق سورية التاريخ بقيادة الرئيس بشار الأسد

ولكن اعتقد أن الحصار الاقتصادي الظالم وقانون ما يسمى (قيصر) يقف عائقاً أمام إعادة الاعمار ما دمرته الحرب الظالمة والأعمال الإرهابية، فإذا ما العمل وهنا:

لابد من وضع منهجية معتمدة في إعداد خطة إعادة الاعمار من خلال حصر الأضرار والخسائر الى تقييم الاحتياجات، فيتم تقدير متطلبات أو احتياجات الموارد المادية اللازمة لأنشطة إعادة الاعمار على أساس قيمة الخسائر والأضرار بحسب القطاعات وعلى أساسها يتم تقدير متطلبات إعادة الاعمار.

فإذاً عملية إعادة الاعمار بدأت على ارض الواقع ولكن بخطوات خجولة من خلال ترميم بعض المرافق العامة في المناطق المتضررة ولكن ما تقوم به البلديات والمحافظات هل هو كاف اعتقد أن وضع آلية قانونية لإعادة الاعمار هو أفضل بكثير مما هو عليه الحال الآن، من خلال إنشاء هيئة لإعادة الاعمار متخصصة تشرف بشكل كامل على إعادة الاعمار وتضع الخطط والأوليات لذلك بحسب حاجة كل منطقة وبما يتناسب مع سكانها.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]