تصريح عجيب وغريب للوزير الجديد..عساه صحيحاً..؟؟

  • لا جديدَ على ما يبدو عند الوزير البرازي .. تعويلٌ على الرقابة الشعبية .. وتنزيهٌ لمراقبي التموين ونفي فسادهم.. !

  • وزير التجارة الداخلية : بالتحليل والتدقيق تبيّن أن 90 % من مراقبي التموين شرفاء ولا يرتشون .. !!!!

  • البرازي : لا مكان ( للشقّيعة ) في أسواق الهال ولا حلقات وسيطة .. وعقوبات شديدة ستُفرض على المخالفين قريباً

الخبير السوري:

على الأرجح فإن الأسعار التي راحت تُحلّق بعيداً وتمارس الطيران بمرونة شديدة وكفاءة عالية، منذ أشهرٍ وسنوات، وتفاقمت مع تسلّم الوزير طلال البرازي زمام أمور وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، لظروف تزامنت مع مجيئه إلى الوزارة، ولكن المنطق يقول أن لا علاقة له بذلك حتى الآن .. فهي صدفة وإن كانت غير مطمئنة.

هذه الأسعار وطريقة التعاطي معها ستكشف لنا لاحقاً – وهذا اللاحقاً يجب أن يكون خلال أيام قليلة – عن مدى حنكة وفاعلية الوزير البرازي، فهل سيكون من خلال أدائه وأسلوب عمله قادراً على التأثير بالأسعار ..؟ أم أنه سيعتمد أسلوب سابقيه بحيث

لا يُقدّم ولا يؤخر في السوق شيئاً، أم غير ذلك..؟!

فالسوق بات منفلتاً من عقاله – على ما يبدو – رغماً عن هذه الوزارة التي – على ما يبدو أيضاً – لن تستطيع التأثير على الأسعار إن استمرت بأساليبها القديمة، فهي ستبقى أعجز من أن تُخفّض الأسعار وتُغيّر مجرى السوق.

ما يزال الوقت مبكراً لتقييم عمل الوزير البرازي – كي نكون منصفين – ولكن الحق عليه، فهو الذي دفعنا لمثل هذا الحديث المبكر، يعني ( تحركش بالحمّى إجيتو البرديّة ) فمنذ أيام وعند إطلاق ( مشروع الاستراتيجية الوطنية للتنمية الزراعية في سورية ) الذي جرى يوم الجمعة الماضي في سهل الغاب، أعطى الوزير البرازي بعض المؤشرات الإيجابية التي قد تؤثّر على السوق وتمنحه التوازن فعلاً، ولكنه جدلها بمؤشرات سلبية غير مطمئنة قد تطيح بكل مبادراته الرامية إلى خلق ذلك التوازن المنشود في السوق.

المؤشرات الإيجابية

لعل أهم القضايا الإيجابية التي تحدث عنها البرازي تتمثّل بعمل الوزارة حالياً بالتنسيق مع وزارة الإدارة المحلية على إنهاء الحلقات الوسيطة الموجودة في أسواق الهال، وهي حلقات – يقول البرازي – بأنها ليست فقط تلك التي تكون بين المنتج والمستهلك، مبيناً أن السلع تباع ثلاث مرات ضمن سوق الهال، وتبدأ هذه الحلقات بالبيع لبعضها منذ الساعة / 11 / ليلاً، حيث يأتي الفلاح ويبيع منتجاته من البندورة – مثلاً أو الفليفلة – بسعر / 200 / ليرة للكيلو غرام، ثم يأتي من يشتري هذه المنتجات نفسها وضمن سوق الهال بمبلغ / 225 / ليرة للكيلو، بعدها يأتي من يشتريها بقيمة / 275 / ليرة .. وهكذا .. فتدخل المنتجات إلى سوق الهال بمبلغ / 200 / ليرة وتخرج بميلغ / 300 / ليرة لتصل إلى المستهلك بمبلغ / 400 / ليرة . أي ضعف السعر.

البرازي شرح علاقة وزارة الإدارة المحلية بالموضوع مبيناً أن أسواق الهال تتبع لها من الجهة المكانية، ولكن مسؤوليتنا – يقول البرازي – هي عن حالة متابعة المادة أو السلعة، وحالة البيع والشراء، وسيكون هناك حل بحيث أن الحلقات الوسيطة سنقوم بتقليصها لتبقى حلقة واحدة بين تاجر الجملة وتاجر نصف الجملة، أي بصراحة لن يكون هناك مكان ( للشقّيعة ) الذين يشترون ويبيعون وهم يقفون على البسطات فترتفع الأسعار.

الشيء الإيجابي الآخر الذي تحدث عنه وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك تمثّل بتأكيده أنّ هناك عقوبات رادعة جداً، وقوية جداً جداً سوف تُفرض قريباً على المخالفين.

وعلى كل حال فإن اختصار الحلقات الوسيطة، وفرض العقوبات القوية الرادعة، ما تزال مشاريع قرارات ولم تُتّخذ بعد .. فالحال على ما هو عليه إلى أن تتجسّد هذه الأمنيات الطيبة على شكل قرارات تنفيذية مطبقة على الأرض.

المؤشرات السلبية

من أكثر المؤشرات السلبية الخطيرة التي تبنّاها البرازي، تمثّلت بأن تكلّف ووضع نفسه كمحامي عن أكثر الشرائح فساداً وإفساداً وتلاعباً في السوق، ونقصد بذلك المراقبين التموينيين، وقد وسّع البرازي من مروحة المرافعة قائلا :

الآن ونحن جالسون يمكننا أن نتهم كل الجمارك .. وكل التموين .. وكل شرطة المرور أنهم يأخذون رشوة وفوراً .. أنا ما أريد قوله أنّ ( 90 % ) من هؤلاء الموظفين جيدين ولا يتقاضون الرشوة، وهذا الموضوع تبيّن لنا بالتحليل والتدقيق لمراقبي التموين ، ولكن صحيح أن جزء منهم يرتكب أخطاء وسيكون هناك شغل على هذا الموضوع.

المؤشر السلبي الآخر تمثّل بالعزف على وتر دور المواطنين الكبير في تقديم الشكاوى للإبلاغ عن المخالفات التموينية، مبيناً طموحاته بأن تتحول هذه الحالة إلى نوع من الرقابة الشعبية، لأن الطابع الشعبي هو الذي سيفيدنا – على حدّ تعبيره – ولتأكيد ذلك ذكر معلومات تفيد أنه منذ أيام نُظّمت ضبوط لمخالفات جسيمة جداً، منها / 32 / طناً منتهية المدة وأعيد تدويرها من رب البندورة، وكذلك المربيات ، وتهريب الطحين أيضاً.

سأقول لكم – قال البرازي – إنّ 80 % من الشكاوى التي أوصلتنا إلى هذه النتائج كانت من الرقابة الشعبية، وكل المعلومات التي جاءتنا حولها كانت بالتعاون مع المجتمع المحلي، وبالتالي هذ الدور سوف نعززه، ولاسيما فيما يختص بالمخالفات الجسيمة .

وماذا بعد ..؟

بعد ذلك فإن الأمور ليست على ما يرام، ولا على ما هي عليه .. بل أسوأ بكثير، ويبدو أن ارتفاع الأسعار بات كأحجار الدومينو ..ففي كل يوم جديد تتحطم فيه أسعار اليوم الذي قبله لنشهد عند كل صباح أسعاراً أشدّ ارتفاعاً، ومع هذا سنبقى على أمل إلغاء الحلقات الوسيطة التي تتخذ من المضاربة على الأسعار عملاً لها، وعلى أمل تشديد العقوبات، وسيكون الأمر أفضل وبفاعلية أكبر إن ترافقت تلك العقوبات بالترويج لها ولأصحابها وفضحهم كي يتربّوا ويتربى غيرهم، ولكن الأمر بصراحة لم يعد يحتمل التأخير، وحالة الأسواق باتت مخيفة وتُنذر بالكثير من المخاطر.

أما قضية تنزيه الجمارك وشرطة المرور ومراقبي التموين ففي الحقيقة هذه مصيبة، وليست أقل من حالة استغراقٍ في النوم نأمل للسيد البرازي أن لا يتأخّر بالاستيقاظ منها، وما يهمنا هنا هو تلك النظرة المخملية الجميلة التي ينظرها السيد البرازي لمراقبي التموين، وأنه قد تبيّن له بالتحليل والتدقيق أن ( 90 % ) منهم جيدون ولا يرتشون ..!! ( فعلاً ألله بالعين ما نشاف وبالعقل انعرف ) فليس من السهل لا على الوزير ولا على غيره أن يكتشف فساد المراقبين التموينيين الذين تمرّسوا بالفساد إلى الحدود التي صاروا فيها خبراء ومحنّكين به، فهم لن يأتوا ويشرحوا لأحدٍ كيف يفسدون، بل على العكس هم مُحاضرون في النزاهة والاستقامة حتى نكاد نحسبهم من مصمّمي الصراط المستقيم عنده تعالى، ولكن إن كنّا نريد – بالعقل – أن نقف على أفعالهم وتصرفاتهم، ودورهم في تخريب السوق فعلينا أن نسبر هذا الأمر من خلال روايات كل الذين يكونون على احتكاكٍ معهم، وهؤلاء أيضاً لن يرووا الحكايات بسهولة، فهم يخافون على مصالحهم، فإن أخذ المراقبون علماً بأن هذا أو ذاك قد أفشوا أسرارهم فالويل لهم، وعندها سيخلقون له المخالفة من تحت الأرض، ويبتكرونها له، ويعبثون به وبرزقه وربما بمستقبله.

السيد طلال البرازي يتعاطى اليوم مع شبكة فسادٍ مذهلة، وهو يعتقد – نتيجة التحليل والتدقيق – بأنها نزيهة .. هذا أمر خطير فعلاً، فهذا يعني أن أي صرحٍ يبنيه على هذا الأساس – مهما كان رائعاً بفخامته وجماله – فلا بدّ من أن ينهار بعد حين، لأنه على أساسٍ كرتونيّ هشٍّ ومنخور، ولا يحتمل البناء عليه أبداً.

مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في إحدى المحافظات، وفي جلسة وديّةٍ وغير صحفية، قال لي مرة – منذ سنوات – إنه عاجز تماماً عن ضبط فساد مراقبي التموين عنده، وروى لي هذه الحكاية يقول :

( في إحدى المرات جاءتنا إخبارية من الشام .. من الوزير شخصياً، وطلب مني تشكيل دورية برئاستي، وأن أذهب ليلاً مع الدورية إلى أحد الأفران، وحدّدها لنا، وقد كانت خارج المدينة، وأكّد عليّ الوزير بأن أكون حريصاً باختيار عناصر الدورية، وأن يبقى الأمر سريّاً للإطباق على صاحب ذلك الفرن الذي يقوم بساعة محددة من الليل بارتكاب مخالفة جسيمة محققة، وطلب مني مشاهدة المخالفة وتنظيم الضبط بحضوري، وإحالة صاحب الفرن إلى القضاء.

دخلنا إلى الفرن بالساعة المحددة ليلاً، وعبثاً حاولنا البحث والتنقيب عن أي مخالفة في الفرن فلم نعثر على شيء، وعلى العكس كان الفرن يعمل بأبهى صوره، كان دقيقاً ونظامياً مئة بالمئة .. !

عدتُ إلى المديرية، وقمتُ بصياغة كتابٍ للسيد الوزير أعلمته فيه بتنفيذ المهمة، من حيث تشكيل الدورية برئاستي، والذهاب إلى المكان المحدد، ولكن يبدو أن الإخباريّة كاذبة كما قلت له، وشرحت له الكم الكبير من الالتزام الذي شاهدناه فعلاً بذلك الفرن.

ولكن المفاجأة أنني بعد فترة من الزمان علمتُ أن الإخبارية كانت صحيحة فعلاً، وكان الوزير على حق إذ كانت هناك مخالفات جسيمة، ولكننا ونحن ذاهبون لضبط المخالفة قام أحد عناصر الدورية التي معي بالسيارة بالتعليم على الموبايل لصاحب الفرن، الذي سرعان ما فهم على مراقب التموين وقام بإخفاء المخالفة وترتيب العمل على أكمل وجه ..! فكيف لي أن أضبطَ مثل هؤلاء المراقبين التموينيين الفاسدين ..؟! قال مدير التموين )

انتهت الحكاية .. وهذه واحدة من آلاف آلاف الحكايات التي تثبت وتؤكد وتدمغ مراقبي التموين بدمغة الفساد المستشري في عروقهم، فإن كان تحليل وتدقيق الوزير البرازي قد أفضى إلى مثل هذه النتيجة من البراءة والنزاهة، فمن المؤكد أن المواد التحليلية التي استُخدمت في المختبر هي مواد بلا فاعليّة وفاقدة للصلاحية، تحتاج إلى إعادة نظر، لضمان صدور النتائج السليمة.

أما بالنسبة للتعويل على الرقابة الشعبية، وتحويلنا كمواطنين إلى مخبرين، فهذه شمّاعة قديمة لوزراء ومدراء سابقين أثبتت الوقائع عدم جدواها، وإن نجحت أحياناً فهي فاشلة في أغلب الأحيان، ولا أعتقد أن المخالفات تحتاج إلى دلالات وإخباريات، فهي أكثر من الهمّ على القلب لمن يريد أن يعمل بشرفٍ ونزاهة واستقامة.

السيد وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك طلال البرازي : نتمنى لك كل الخير والتوفيق، ونأمل أن تحقق نجاحاً ملموساً، غير أنّ هذا لن يحصل على ما نعتقد إن لم تُوضع الأمور في مواضعها، وما تمخّض من نتائج عن ذلك التحليل والتدقيق ليس أكثر من شُبهة لا يمكن البناء عليها .. على الأرجح.

علي محمود جديد – سيرياستيبس

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]