“كورونا” حرب من الجيل الثامن تعرّي النظام المالي العالمي وتكشف مآرب الرأسمالية المتوحشة

الخبير السوري:

ثمة قضايا جوهرية ومصيرية عديدة اقتصادية ومالية وقانونية واجتماعية وأخلاقية، إلى جانب القضايا العلمية بجوانبها الصحية والعلاجية والإجرائية، أفرزتها الأزمة العالمية لوباء “كورونا”، التي صنفها بعض الخبراء والمختصين، حرباً من الجيل الثامن المظلة العليا لها هي الحرب الاقتصادية، أما المحتوى لها فهو فيروس “كورونا”، بينما الوسيلة التي تُدار هي ما يسمى الذكاء الصناعي المعتمد على العلوم الذكية..، الذي ترصد له بعض الدول الكبرى مبالغ هائلة، للسيطرة على العالم والتحكم في صيرورته الاقتصادية والمالية والعملية..
وعلى ما يبدو هناك صراع كبير أخذ يظهر جلياً، يتمثل بحرب مغايرة لكل ما سبق من حروب، تشنّها الرأسمالية الغربية التي وصلت إلى حد من التغطرس والعنجهية وحتى الاستعلاء العرقي..، ضد الشرق عامة والصين خاصة، لأنها الأنموذج المخالف والمختلف للرأسمالية المتوحشة، الذي أصبح يفرض نفسه بإثباته القدرة الفائقة على المنافسة، لا بل التفوق على ما هو قائم، ووفق مبادئ قيمية وأخلاقية وتشاركية بين الدول والبشر..، حيث أكدت أن الطبقات العاملة والمكافحة هي من ينهض بالمجتمع العالمي ويحميه، وليس رأس المال والأسواق المالية العالمية..، الأمر الذي سيعرّي الشكل الحالي للنظام العالمي، حيث أصاب هذا الفيروس، عجرفة دول متعلقة بالتفوّق العرقي والمالي.

الفارق الكبير
حسب خبراء فإن ما تم في الصين، لا يمكن لأي نظام اجتماعي غير الموجود فيها، أن يتمكن من إدارة كوارث فريدة غير مسبوقة على مستوى العالم كهذه، لأن النظام الرأسمالي قائم بشكل أساسي على تسعير الخدمات، وهي مسألة في الحقيقة غير موجودة في الصين إلاَّ في أسواق السلع والخدمات الأساسية، أما في التعامل مع أزمة وبائية كهذه فهناك موارد الدولة التي تتدخل عبرها بشكل واسع، وهناك جهاز دولة كفؤ جداً غير قائم على علاقات البيع والشراء يتدخل في هذه اللحظة..، إذ قدّمت الصين أنموذجاً عالمياً رائعاً ومدهشاً في مواجهة “كورونا”، من خلال تخديم نحو 1.3 مليار من مواطنيها، طبياً وصحياً وغذائياً وتنظيمياً.

تحوّل الثقل
إذا أخذنا النظام العالمي والتوازنات الاقتصادية العالمية على مستوى العالم والأقطاب العالمية، يؤكد الخبراء الاقتصاديون، أن مركز ثقل العالم الاقتصادي، بدأ يتحوّل نحو 20 سنة، من الغرب إلى الشرق ومن الشمال نحو الجنوب، وعليه لم يعُد النمو الاقتصادي والمحركات الاقتصادية حكراً على الغرب، إذ بدأت الصين تقدم أنموذجاً عالمياً، ولذلك لن تكون هناك مفاجأة بعد بضع سنوات، أن تحل دول صاعدة صغيرة مثل ماليزيا وفيتنام..، محل إيطاليا وبلجيكا.. مثلاً، في دول مجموعة العشرين، وعليه فالقوى المحركة أو العوامل الدافعة للنمو الاقتصادي والقوة الدافعة داخل أكبر الاقتصادات العالمية، لن تكون حكراً على الدول الغربية، بينما الصين قدّمت أنموذجاً متفوقاً، لكن أمريكا لا تريد أن تضحي، فالأخيرة رصدت 50 مليار دولار فقط لمحاربة الفيروس، وألمانيا رصدت ولأول مرة 550 مليار دولار وهو أكبر رقم يرصد لقطاع الصحة والإجراءات الوقائية بعد الحرب العالمية الثانية، بينما الصين وضعت 2000 مليار دولار لمحاربة الفيروس، أي ضحت اقتصادياً مرحلياً في سبيل حصد نتائج اقتصادية إيجابية في المدى المنظور في 2020 و2021 لتقلع بشكل كبير جداً.

انفضاح الأسطورة
وعليه فإن العالم اليوم أمام تحوّلات في القراءات حول النظام الذي تنتهجه الدول بين نظام رأسمالي ونظام اشتراكي، في ضوء التركيز على الأنموذج الصيني، لناحية ما قدّمه من تجربة ودروس خلال مواجهته لـ”كورونا”، وفي هذا الشأن يقول المحللون الاقتصاديون: إن التداعيات والتناقضات الاقتصادية العملية التي نعيش خضمّها اليوم..، هي أن الغرب باع العالم على مدار 30 عاماً، منذ أيام تحالف “تاتشر – ريغن” أي أمريكا وبريطانيا، وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أسطورة: أن حرّروا اقتصاداتكم، ودعوا اقتصاداتكم مفتوحة على الأسواق، واندمجوا في الأسواق المالية العالمية، لكن ما شاهدناه منذ 3 أعوام، وخاصة بعد وصول “ترامب” إلى الرئاسة، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واتباع سياسة الحمائية، والحرب التجارية بين الرأسمالية الغربية والأنموذج الصيني..، كان فضيحة للنظام الرأسمالي وعلاقاته ومبادئه في الاقتصاد الحر والديمقراطية..إلخ.

سورية ولبنان مثلاً
فضيحة..، لم تعُد اليوم خافية على أحد، ولعلها في منطقتنا تمثلت بأوضح وجوهها القبيحة، فما حدث في لبنان مثال حي على الأثمان التي يدفعها نتيجة لارتباطه بالنظام المالي العالمي، وبالمقابل ما حدث في سورية نتيجة للعكس تماماً، حيث ضُربت لأنها لم تنتهج مثل هذا النظام المالي والاقتصادي الرأسمالي، وتنخرط فيه، لا بل وصلت إلى اكتفاء غذائي تطوّر إلى التصدير، ولكنها الآن تستورد…
هذا أمر مهم جداً في جوهر خيارات الدول، يكشف كيفية التدخل السافر في خيارات الدول حتى على صعيد الخيارات الاقتصادية والمالية والنقدية، وبالتالي حريتها في اختيار نظامها الاقتصادي والمالي وحتى النقدي، الذي تريد انتهاجه…

ما علينا..؟
مساراتها تختصر الكثير..، لكننا لا نتحدث هنا عن الجانب الاقتصادي فقط، إذ إن هناك جانباً أخلاقياً برز في طريقة التعاطي مع مفرزات وباء “كورونا”، وعلينا أن نعيها جيداً ونحسب لها حساباً، وهذا يعيدنا إلى البداية، فيما هو واجب اتخاذه من المجتمع السوري (المجتمع الاقتصادي والمالي الخاص إلى جانب الاتحادات والنقابات وكل الفعاليات المحلية..)، وما على الحكومة السورية مراعاته وتأمينه، وخاصة للطبقات المحدودة الدخل من مواطنين وعاملين وموظفين وغيرهم، حيث التأثير الأكبر فيها سيكون اقتصادياً ومالياً، بحكم ما قد تواجهه نتيجة لتداعيات الأزمة الوبائية…

المصدر : البعث

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]