خسرنا عندما أبهرتنا المظاهر ونسينا التفاصيل..المفاوض التجاري السوري بين قوسين ؟؟!!

خاص – الخبير السوري:

رغم الحرب و أوزارها، لم تستطع أجندات الاستهداف وضع سورية في ” عنق زجاجة” كما كانت تتجه التصريحات الساخنة وضروب الوعيد المتزاحمة في السنوات الأولى للحرب.

فخلال سنوات الأزمة تمت بلورة توجّهات إستراتيجية ” التوجّه شرقاً” و بالفعل شهدت علاقاتنا مع الخارج جملة اتفاقيات جديدة تؤسس لشراكات اقتصادية، يُفترض أنها متينة، كما أن الأفق الجديد يعد بالمزيد من الاتفاقات والشراكات مع الآخر، كأساس لانطلاقتنا الجديدة في سياق الخطة المعنونة  بـ” سورية ما بعد الحرب”.

هنا نبدو أمام حيثيّة  بالغة الأهميّة، يكترث لها الآخرون كثيراً، تتعلّق بكفاءة المفاوض التجاري السوري، فمثل هذه الكفاءة هي تراث ولها تقاليد و أسس، لابدّ أن نسأل ونتساءل عنها، أي ” نشيّك” عليها لأن تجاربنا السابقة قبل الحرب غير مطمئنة على الإطلاق.

  • التجربة مع تركيا درس باهظ التكلفة

فثمة أخطاء اعترف بها تنفيذيونا صراحة على مستوى التفاصيل التي تنطوي عليها اتفاقات تجارية كبرى مع أطراف مختلفة، وكانت نتائج الخلل الحاصل عبارة عن أرقام على شكل خسائر مباشرة، وأخرى على شكل فوات أرباح وفرص..والمحصلة كنا أمام متوالية خسائر ما دامت مفاعيل هذه الاتفاقيات قائمة.. وكان من ” فضائل هذه الأزمة” أنها ألغيت و أبطلت مفاعيلها.

لعله من المفيد أن نسوق معلومة لمن لم يطلع على سفر ضوابط علاقاتنا الاقتصادية مع الخارج، إذ ينظم العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين سورية وبلدان العالم المختلفة ما يزيد عن 90 اتفاقية متعددة الأطراف منها منطقة التجارة الحرة العربية والتي دخلت حيّز التنفيذ مع بداية العام 2005 وكانت سورية، “أول المنفذين والملتزمين بها وأول الخاسرين أيضاً من تطبيقها لأن معظم البلدان العربية لم تلتزم بكثير من البنود والشروط الواردة فيها ما انعكس سلباً على مستوى الأداء والنتائج .

وهناك اتفاقيات التجارة الحرة بين سورية وبعض البلدان العربية لتسريع عمليات التبادل التجاري فيما بينها, والتي لم تأخذ شكلها الطبيعي لخدمة ومصلحة أطراف الاتفاقية وذلك لاختلاف الأنظمة والتوجهات السياسية التي تحكمها والتي غالباً ما تكون متنافرة وهذا بدوره ترك آثاره السلبية على الأداء المرجو من تطبيق الاتفاقيات الثنائية.

إضافة إلى ذلك كان هناك اتفاقيات تتعلّق بالتشجيع والحماية المتبادلة للاستثمار بين سورية والدول العربية والأجنبية, ولكن الطابع الغالب في هذا المجال التوقيع لمصلحة البلدان العربية حيث وقعت سورية العديد من الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون في المجالات المذكورة, ولكن من دون تفعيل لتحقيق الاستفادة المطلوبة لعدم وجود استراتيجية واضحة وآلية تنفيذ تضمن استثمارها منذ سنوات مضت.

البعض حمّل المفاوض مسؤولية ما لحق من ضرر بالاقتصاد وآخرون رأوا أن التسرّع هو الذي أدخل التنفيذ في متاهات لا مخرج منها وعدم التزام الأطراف الأخرى ببنود الاتفاقيات إضافة إلى عدم وضوحها في حين رأى البعض الآخر أن اللوم لا يقع على طرف واحد إنما على كلا الطرفين رغم أن الخسارة كانت لطرفنا ، لكن محللون يرون أن اللوم يقع على من يفاوض ويوقع الاتفاقية .

وتنطلق وجهة النظر هذه من أن الفريق الاقتصادي والفني الذي يعد للاتفاقيات يجب أن يطلع على قوانين الدول الأخرى ويدرسها حتى لا تؤدي عند التطبيق إلى الحد من الصادرات السورية ثم خسارتنا لهذه الأسواق…والجميع يعلم أننا نعدل قوانيننا لمصلحة الاتفاقيات على حين الآخرون يعدلون الاتفاقيات لمصلحة القوانين.

وفي عودة إلى الدفاتر القديمة يشير بعض الأكاديميين إلى أن الاتفاقية السورية التركية مثلاً كانت مخالفة ومن المخالفات أنها كانت تقدم دعماً للتصدير يتراوح بين 15 إلى 18 بالمئة كما تم استثناء تركيا من القانون 24 المتعلق بالصناعات الناشئة في سورية ومن خلال ذلك استطاعت السلع والبضائع التركية أن تدخل إلى السوق السورية من خلال دعم حكومي تركي مباشر لكل مُصدر تركي من خلال تقديم دعم له يصل أحياناً إلى 18 بالمئة، على حين الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع التركية القادمة إلى سورية وصل الحد الأعظمي لها إلى 12 بالمئة، وهو إجراء يخالف كل الأنظمة الاقتصادية والتجارية العالمية ، كما أن هذا الاستثناء شكّل ضربة موجعة للصناعة السورية الناشئة، نظراً لتطور الصناعة التركية، وعدم قدرة الصناعة المحلية على منافستها، إضافة إلى الالتفاف التركي على روح ونص الاتفاقية.

بين إهمال التوجه إلى دول كثيرة يمكن أن تكون سوقاً خصبة لترويج منتجاتنا وكان من الممكن أن تكون أفضل من الاتحاد الأوروبي كإفريقيا، وإعادة إحياء فكرة التوجه شرقاً ، تستحضر الذاكرة أخطاء القرارات الاقتصادية والاتفاقيات المبنية على العواطف ، ويبرز الخوف ممن يفاوض ويوقع على اعتبار أن المشكلة ليست في الاتفاقيات بحد ذاتها إنما في الجانب التنفيذي الذي لم يفرض في الاتفاقيات الموقعة قيوداً أو حدوداً سواء أكانت كمية أو قيمية حسب المختصين.

نعتدّ حالياً ببرامج التوجه شرقاً، مع رؤية بانورامية تؤكّد أنه علينا النظر لهذا الموضوع بمعناه الاقتصادي والسياسي الذي ينعكس إيجاباً على الاقتصاد السوري ليس الجغرافي البحت، ومع القناعته بعدم وجود قرار اقتصادي صحيح وقرار خاطئ مئة بالمئة، فإن القضية يجب أن تتراوح بين الصح والخطأ ولكن يجب أن تكون المصلحة السورية هي البوصلة الحقيقية بهذا التوجه عند كل خطوة أو نشاط نقوم به.‏

و ترى وجهة النظر الرسمية في موضوع التوجه شرقاً، لدى إقراره،  أن الأولوية في الظرف الراهن هي للقدرة على إيجاد سلع قادرة على المنافسة سواء أكانت زراعية مثل زيت الزيتون والأغنام أم صناعية نسيجية غذائية إضافة لأهمية تأمين انسياب المواد للسوق السورية من مصادر مضمونة وتعميق أسس المقايضة والتبادل بما يضمن تحريك قواعد الإنتاج.‏

ربما يصح بعد حين قول “رب ضارة نافعة” وأن تكون الظروف الحالية دافعاً ليس لإعادة إنتاج هياكل عمل جديدة إنما ذهنيات جديدة بأفق يحقق المصلحة الاقتصادية .

فأخطاء الماضي جاءت من اكتراثنا الشديد للجانب المعنوي و الأبعاد السياسية للعمل الاقتصادي، فيما كان الآخر دوماً يرجح كفّة البعد الاقتصادي..ربما من هنا كان التوقيع تحصيل حاصل، والتفاوض حالة بروتوكولية أكثر مما هي نفعية براغماتية مدروسة في ميزان المصالح..

هي دروس مدفوعة الثمن ..ربما من ” الكارثي” أن تكون قد مرّت دون أن نستفيد منها.

3 تعليقات
  1. بسمة ابراهيم يقول

    نعم… هي دروس مدفوعة الثمن ….. وعلينا أن نتعلم من أخطائنا… وأن نلتفت للجانب الاقتصادي أكثر من الجانب المعنوي… فليس العيب أن نخطىء وإنما العيب أن نستمر في الخطأ و بنفس الذهنية السابقة.
    كل التحية لقلمكم الرائع

  2. ادارة يقول

    نشكر متابعتك و إضافاتك ..لك كل الاحترام صاحبة الذهن المتقد دوماً

  3. بشار محي الدين المحمد يقول

    دائماً ننتقد الماضي وننسى الحاضر نحاول أن نخترع شيء لا مثيل له في كل بلدان العالم بينما القوالب جاهزة مصانعنا تهدف للغش والربح ومصانعنا صغيرة تستورد القطع مدهونة وجاهزة لماذا

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]