حرب صامتة ضد عدو افتراضي أم ” صديق لدود”..؟؟!!

ناظم عيد – خاص – الخبير السوري:

الأنباء الرّاشحة من قطاعات متفرّقة تشي بضربات متلاحقة في قوام منظومة الفساد..وهي بالفعل أنباء سارّة ذات صدى شعبياً واسع الطيف، وهذه مفارقة تستحق التأمل بشيء من الدهشة، إذ ما زال مجتمعنا شغوفاً بالتشفّي من كل فاسد، رغم أنه بات مفعماً بتجليات وسلوكيات ثقافة الفساد البغيضة، التي باتت أكبر مشكلة تعتري محاولات مكافحة الظاهرة  ؟؟!!

السيرة “دسمة” بكل حيثياتها عموماً..لكن ثمة حقائق لابدّ لنا أن نأخذها بالحسبان ونحن نستعد لإعلان العزم على تحرير بلدنا من الفساد، بعد أن أوشكنا على تحريرها تماماً من الإرهاب..و لعلنا مقتنعون بأن تشابها حتى التطابق يمكن رصده في النتائج بين الإرهاب والفساد.

ولا بدّ أننا مقتنعون بأن محاربة الفاسدين لا تعني مطلقاً مكافحة الفساد، وإن كانت جزءاً لازماً منها، فهي نتائج وليست أسباباً، ومعالجة النتائج غالباً تكون صعبة ووعرة المسالك، كما أنها قليلة الجدوى، لأن “مكنة التفريخ” مازالت تعمل، وهذا أخطر ما في مثل هذه المهمة الحسّاسة.

ولا بأس أن يجري إعلان العزم بين الحين والآخر، على جولة حامية مع الظاهرة وتجلياتها، بشخوصها وممارساتهم، ففي الإعلان ضمان لعدم التراجع والانكفاء، لأن التجارب الكثيرة السابقة في هذا الاتجاه كانت محبطة بالفعل، وربما من هنا جاءت طريقة التلقي “الرخوة” والصدى المشتت في أوساط النخب.

إلّا أن الحقيقة التي يسلّم بها منتقدو الإنجاز الفاتر في ضرب الظاهرة، هي أن المهمة لا تبدو سهلة على الإطلاق، لأنها لا تُنجز بمحاسبة من سنتوافق وفق معايير شفافة على أنهم فاسدون، بل ثمة شطر أهم يتعلّق أولاً بالذرائع، وثانياً بالبيئة التشريعيّة غير المُحكمة و غير الصادّة لممارسات الفاسدين، وثالثاً بثقافة الفساد التي تبدو هي الأخطر في سياق هذه السيرة، لأنها لا تقتصر على أبعاد مالية واقتصادية، بل تتعدّاها إلى صلب المضمار الاجتماعي المنتج – الشريك للظاهرة بـ “التكافل” مع الميدان التنفيذي.

في هذه المسارات المتشعبة والمعقدة تتجلّى الإحداثيات المفترضة لإنجاز مهمة مكافحة الفساد، وتجاهل أي منها سيؤدّي إلى حالة انعدام توازن واضحة، من شأنها أن تتوعّد مجمل المشروع بالفشل على المدى الطويل.

فعلى التوازي مع المحاسبة المزمعة التي قد تبدأ بمعالجات عمودية، لا بد من توطئة فعلية لما يمكن أن نسميه تطبيقات “مبدأ سدّ الذرائع” وعلينا ألّا نستهين بهذه الحيثيّة المتعلّقة بالموظف الصغير في قوام منظومة الفساد، إن صحّ التعبير، وهذا يقودنا إلى التشريعات والقانون الأساسي للعاملين في الدولة “القانون 50” الذي اتفقنا على أنه أنتج بيئة جديدة للفساد الإداري، عندما حدد سقوفاً “صماء” للرواتب ولم يميّز في العلاوات بين طبيعة عمل وأخرى.

وفي سياق التشريع والأولويات المستحقة لتنقية البيئة من الثغرات المؤدّية إلى مطارح الفساد، لا بد أن نصطدم بنظام العقود رقم 51 الذي “افتضح أمره” كمظلّة واقية ومحصّنة لممارسات الفاسدين في إطار عقود القطاع العام، ويدرك الجميع أن معظم حالات الفساد تمر من خلال هذا القانون الذي باتت نسخته المعدّلة جاهزة الآن؟!.

أما المسار الثالث والمتعلّق بثقافة الفساد، فهو الأكثر تعقيداً في الواقع، ويحتاج إلى استراتيجية مديدة الأجل تتولاها الحكومة بمؤسساتها، إضافة إلى كل القوى المجتمعية المؤثّرة في التنشئة التربوية وتوليف الرأي العام.. ويمكن كبداية أن نعتمد أسلوب المواطن المحلّف بمعايير دقيقة ومدروسة، وقد حقق من جربوا ذلك نجاحات كبيرة أخّرت بلدانهم على قوائم الدول الأكثر فساداً، ويتلخص مفهوم المواطن المحلّف باختيار أشخاص وتكليفهم بمهام “رقابة شعبية” في أحياء المدن وفي الأرياف البعيدة، لأن ممارسة الفساد الظاهر في الأوساط الشعبية، تتكفّل بتنشئة جيل فاسد ممن راقبوا وعاينوا مجريات جانحة، تحوّلت إلى سلوك تقليدي مقبول ومُظرّف اجتماعياً، وهذه لن يحلها إلا “المواطن المحلّف” كخيار ردعي ريثما يبدأ الخيار التوعوي بالفعالية والتأثير.

بكل الأحوال تبدو مكافحة الفساد مهمة مجتمعية وليست حكوميّة خالصة، فإن كانت الحكومة مكلّفة قيادة المشروع لا يعني أن المواطن في حلّ منها، لأنه صاحب النصيب الأكبر من الأذية والضرر المادي الذي يتسبب به الفساد كرقم إجمالي، ولو قسّمنا تكاليف الفساد على عدد المواطنين في بلدنا، سيكون الرقم صادماً، ويكفي لأن نعيش جميعاً في بحبوحة، في بلد متنوّع بموارده وغني بعائداته المفترضة من دون فساد.

في العام 2010 تم تداول تقرير قدّر تكلفة الفساد في سورية بحوالي 30% من الناتج الإجمالي المحلّي، وكان الأخير حوالي 3000 مليار ليرة..أي كان علينا أن نقسّم 1000 مليار على عدد السكّان البالغ 23 مليون نسمة حينها والناتج حوالي 430 ألف ليرة لكل مواطن.

المثال تقريبي وقد يكون غير دقيق ..لكنه مؤشّر صالح لمقاربة تكلفة الظاهرة مجتمعياً..ليبقى السؤال المهم الذي يجب أن نسأله لأنفسنا ..ما هي تجليات الفساد التي تسللت إلى سلوكيات الشارع في سياق ثقافة الفساد التي عشعشت في مجتمعنا ؟؟؟

يتبع

2 تعليقات
  1. بسمة ابراهيم يقول

    نعم السيرة دسمة كما قلت أ. ناظم
    فلقد تعدّدت أنواع الفساد التي تنتشر في مجتمعنا؛ فهناك الفساد الاجتماعي، والفساد الأخلاقي، والفساد المالي،
    وتُعدُّ الرشوة وسرقة المال من أكثر الأمثلة الحية على الفساد، ولها تأثير سلبيٌ وقوي على الدّولة، وقد تكون الرّشوة صغيرة صادرة من أصحاب ذوي الدّخل المُتدنّي والمُتوسّط الذين يُحاولون زيادة دخلهم، أو قد تكون كبيرة وضخمة بحيث تكون المبالغ ضخمة مُقابل تقديم الخِدمات غير المسموح بها وذات الضّرر الكبير على البلاد، 

    لذلك لا بد من وضع القوانين والأنظمةِ الصارمة التي تُحارب الفساد وتلاحق الفاسدين؛ للقضاء عليهم، وتطهير الدّولة منهم، وإيقاع أشد العقوبات بهم و تفعيل دور الإعلام بكافّة أشكاله بتوعية الناس حول أنواع الفساد، وطرق التعاون معاً للقضاء عليه.

  2. ادارة يقول

    المعالجة تبدأ من الأسرة والمنزل ثم التربية ..و الاجراءات البوليسية هي الحلقة الأخيرة رغم أهميتها..شكراً لمتابعتك أستاذة بسمة

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]