وزارات الاستحقاقات الصعبة والمهام الخاصّة قد تكون حلّاً إستراتيجياً لأعمق مشكلاتنا الاقتصادية..

ناظم عيد – الخبير السوري:

لم يكن تداول التسريبات بشأن تعديل حكومي مرتقب، من الهواجس التقليدية للشارع، وعامة الناس يوماً، والحقيقة من المفترض ألّا يكون كذلك، لأنّ المسألة ليست ذات طابع شعبي بتاتاً، رغم أهمية الرأي العام في استشراف الاستحقاقات المجتمعية، لكن الحديث في التفاصيل وتحديد أسماء الوزراء المرشّحين للمغادرة أو تولّي المهام الجديدة، يجب ألا يكون من ضمن سرديات هواة الاستعراض بمعرفة خفايا أروقة القرار في الدولة، وهؤلاء كُثر ويتكاثرون بشكلٍ مريب فعلاً..وبالعموم لا يعدو كونه إما استعراض إمكانات الوصول إلى المنابع العميقة للمعلومة، أو ربما هي الرغبة المصلحيّة بالتشويش، وغالباً تكون صفحات الفيسبوك – هي و أصحابها – صاحب القرار في إصدار تشكيلات جديدة للفريق التنفيذي، ونعلم أن بعض من تمّ “توزيرهم مسؤوليات فيسبوكيّة” قد قضى ليلته حالماً ومستعجلاً ملامح الصباح واليوم الجديد..و آخرون تكلّفوا ثمن بدلة جديدة ” للظهور الرسمي والأسعار كاوية في هذه الأيام .

على العموم تحفّز  سيرة التعديل بمجملها – ولو مجرّد سيرة- طرح بعض الأفكار في ذات السياق لكن باتجاهٍ آخر، وتتعلّق بالهيكليات لا بالأشخاص لعلّها تكون جديرة بالرصد والدراسة والأخذ في الحسبان في أول تعديل أو تغيير قريب أو بعيد الأجل.

فعلى الأرجح سنجد من يوافقنا الرأي، بأن اختصاصات الحقائب الوزارية غير التقليدية، تنتج من استحقاقات مرحلية تتقدّم في ترتيبها على قائمة أولويات السلطة التنفيذية، وكان لنا في سورية تجارب متعددة لاستحداث وزارات “ظرفية” وألغيت مع زوال الحاجة والضرورة.

من هنا نعتقد أننا سنحتاج بعد سنة من الآن إلى وزارة للإعمار لكن هذا مرتبط بالظرف العام السائد، لكن ما نحن بأمس الحاجة إليه ولا يقبل التأجيل هو إحداث وزارة جديدة تعنى بالمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، ولن يكون ذلك ترفاً، بل ضرورة تؤكّدها حيثيات الظرف العصيب أولاً، ثم فحوى البيان الذي وضعته الحكومة الحالية كمقدّمة لانطلاقتها ثانياً، أما الاعتبار الثالث والأهم فهو أننا طالما كنّا نواجه مشكلة في هيكلية الجهات صاحبة الاختصاص بالوصاية ورعاية هذا النوع من المشروعات، حتى لو كانت حالة التنازع الخفي قد تلاشت في العلاقة بين هذه الجهات، ونرجو أن يكون ذلك قد تحقق فعلاً، بعد أن آلت الأمور إلى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، التي تتعاطى مع الملفات ذات الطابع الاقتصادي الممزوج بالبعد الاجتماعي بعناية.

لقد كانت النتائج هزيلة، طيلة سنوات التنازع بين الجهات الراعية للمشروعات الصغيرة ، إلّا أن توحيد جهة الإشراف وحصرها بوزارة الاقتصاد يطمئن على مستقبل هذه المكونات الاقتصادية بالغة الأهمية تنموياً على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

فوزارة الاقتصاد بلورت توجهاً إستراتيجياً داعماً لهذه المشروعات في سياق رؤيتها لتوطين مطارح إنتاج بدائل السلع المستوردة، وستكون النتائج طيبة، و ربما لن تتأخر في الظهور، لأن شرط الزمن لا يسامح عادة باستحقاقه لا سيما في رحلة تأسيس البنى الإنتاجية وثقافة الاستثمار لدى من هم ليسوا بمستثمرين بالفطرة.

لقد كان لافتاً أن يكون ما وطّنته وزارة الزراعة في مضمار دعم المشروعات الصغيرة، أفضل بكثر مما أفلحت به وزارة العمل، التي كانت تتبع لها الهيئة المختصة بتنمية هذه المشروعات، لأن حراك وزارة العمل في هذا الاتجاه كان إغاثياً .

قد يكون لكل جهة مبرراتها “المقنعة” لتسويغ أي إخفاق في إحداث نقلة ولو بسيطة في مهمة جزئية تشكّل نواة المهمة الكلية للحكومة، وفق بيانها، الذي نصّ “بإصرار” على إعادة تفعيل البنى الإنتاجية الحقيقية، وسنسلّم بموضوعية هذه المبرّرات، لكن نحن على يقين بأن ثمة حلاً استراتيجياً ما، من شأنه أن يقطع الطريق على كل إسقاط ممكن للذهنيات الذرائعية التي لم تخلُ منها بعض وزاراتنا في مختلف مفاصلها الإدارية، وتهدد بإبطال مفاعيل مساعي الحكومة والحؤول دون تظهيرها كنتاج واضح على الأرض، أي حل يُحرر حركة التوجّه الحكومي نحو إحداث إنجازات حقيقية في هذه الزاوية الحساسة والمؤثّرة، التي يُفترض أن تشغلها الخطط والبرامج الحكومية وتطبيقاتها الإنقاذية في هذه المرحلة الحرجة.

وزارة متخصصة بالمشروعات الصغيرة، أو دعم وتعزيز الهيكليّة المختصّة لدى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية.. هي حل جذري لركام من الارتكاس المزمن في إخراج هذه المشروعات من طور الأقوال إلى طور الأفعال، جهة واحدة تتولّى مهمة الإشراف على كل ما يخص مشروعات “المستثمرين الصغار”، تجمع في جنباتها فريقاً من الاقتصاديين، لإعداد دراسات الجدوى المناطقية وفق الميزات النسبية وخصوصية كل منطقة على امتداد مساحة البلاد، ثم تقديمها لمن لديهم المال ويفتقرون للتدبير الاستثماري- وبالمناسبة هؤلاء ليسوا قلّة في بلدنا- والإشراف على التنفيذ والإدارة، والأهم إيجاد صيغة تسويقية لمخرجات “مشاريع الصغار”، وبعدها تبحث في إيجاد التمويل لمشروعات من ليس لديهم المال، فهذه المهمة هي آخر ما يجب بحثه، وليس الخطوة الأولى للانطلاق، التي تعثر عندها كل من أوكلت إليهم المهمة، واجتهدوا لإيجاد شماعة جاهزة لتعليق إخفاقاتهم، بدلاً من الاجتهاد لخلق مصادر التمويل؟!!.

إنها إملاءات مفهوم ” الحقيبة المرنة” المعززة بالصلاحيّات، التي تبدو ملحّة في ظرف كالظرف المتحوّل والصعب الذي تمر به البلاد منذ ثماني سنوات..فالثوابت تكون في مضمار المبادئ الوطنيّة وليس أدوات صيانة هذه المبادئ، والحقيبة الوزارية هي أداة وليست مبدأ ..ونذكر أن في سبعينيات القرن الماضي كان في قوام الحقائب التنفيذية وزارة باسم وزارة سدّ الفرات ..أنجزت مهمتها ثم انكفأت.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]