قرار رسمي يكشف متوالية فضائح في الوسط التجاري السوري..صرخة الهاربين وصكوك البراءة المشبوهة ؟؟!!

الخبير السوري:

قالها المثل الصيني يوماً..” إذا كنت بريئاً فلمَ كل هذا الصراخ”..

من هناك من الصين إلى ديارنا هنا في سورية، حيث نجد أنفسنا أمام التساؤل الملحّ وفق تطبيقات المثل.. فلقد كان أكثر من لافت تعالي الأصوات في الأوساط التجارية، اعتراضاً على الضوابط التي وضعتها وزارة التجارة الداخليّة لتجديد السجلّ التجاري، للمسجّلين في غرف التجارة السوري.

القرار ” القرصة” الذي صدر، اشترط ما هو أقلّ من طبيعي وبديهي في سياق تنظيم سوق أكثر مهنة تعتريها العشوائيّة في هذا البلد الخارج من حربٍ ضروس..فلتجديد السجل التجاري قسّم القرار المعنيين إلى أربع فئات ..الممتازة: تسجيل 6 عمّال، الأولى: 4 عمّال، الثانية: عاملين اثنين، والثالثة والرابعة: عامل واحد..

لكن “الأخطر ” وهو السرّ الذي لم تعلنه الأصوات الصارخة، فينحدر من حيثيّة براءة الذمّة الماليّة المطلوبة في سياق تجديد السجل..هنا يكمن السرّ وهنا تبدأ الحكاية..فلنبدأ..

سرّ الصراخ

الواقع أن القرار هو من أهم القرارات التي صدرت خلال العام المنصرم، وجاء في آخر يوم من أيامها..لأنه أدّى إلى حالة انكشاف غير مسبوقة، وجاء ليصوّب ويعالج ممارسات فساد مزمنة تدور في أروقة أسواقنا و    ” دكاكينها” التي تكاد تكون أكثر من البشر في سورية.

فما كان يجري أن أصحاب المحال التجارية، استطاعوا ” تبرئة أنفسهم” من دفع أية التزامات ضريبيّة للخزينة العامة ..فهم متهرّبون من دفع ضريبة الدخل المقطوع المعنيين بها..والحلّ كان يمر عبر موظّف المالية المندب إلى القطاع.. الذي ربما يأخذ المعلوم دون إيراد أي اسم له في الدوائر المالية.

إلّا أن القرار طلب براءة الذمة لتجديد السجل..وهنا كانت المعضلة ..براءة ذمة لصاحب سجلّ تجاري راغب بالتجديد..كانت المفاجأة أنه غير مكلّف..وسيغدو مكلّفاً الآن .

ذريعة وكذبة..

الاعتراض ” الواجهة” الذي ركّز عليه المعترضون كان فيما يخصّ الفئتين الثالثة والرابعة..وهو أن هؤلاء “البسطاء” ليس بمقدورهم تسجيل عامل..وتجاهلوا أن كلّ منهم بإمكانه تسجيل نفسه كعامل عند نفسه، وفق الأنظمة التي تتيح ذلك وتُحل المشكلة، لكن في الحقيقة المسألة ذات وجه آخر.

مربط الخيل

الآن دعونا نقف قليلاً عن حقيقة الموقف ..و الحيثيّة المتعلّقة بالتكليف الضريبي الذي تعتريه حالة تهرّب هائلة، وتتعلقّ هنا بضريبة الدخل المقطوع، التي لو تم تنظيمها لحققت عائدات كبيرة تعادل ثلث أو ربما نصف ما تجري جبايته حالياً من ضرائب إجمالية في السنة الواحدة.

إيراد للخزينة داعم وهو واجب، لكن في الحقيقة لايدفع المكلّف في هذا الشق من الضريبة في السنة أكثر من موظف حكومي واحد..وعلينا أن نقارن دخل الموظف بدخل صاحب محل تجاري، ليس في منطقة الصالحية والحمرا بدمشق، بل في أكثر الحارات شعبيّة في الضواحي التابعة لمحافظة ريف دمشق، وليس لمدينة دمشق..فكيف إذا كانت الحقيقة أن صاحب الفعالية التجارية لا يدفع أبداً..لذلك كان 80% من التحصيل الضريبي على شكل ضرائب مقتطعة من القطاع العام و حصّة ضريبة الرواتب فيها مجزية، حيث لا إمكانية للتهرّب؟؟!!

بمناسبة ” كل هذا الصراخ” يجب أن نسأل الصارخين: هاتوا دولة في هذا العالم تقبل تاجر لديه محلّ تجاري وسجّل نظامي ولا يدفع ضرائب وليس لديه عمّال.. إما أن يجيبوا أو يلوذوا بالصمت، لأننا مللنا الضجيج والصخب بعد ثماني سنوات حرب ؟؟!!

مفاجآت صاعقة

بعيداً عن حكايا السجلّ التجاري..ثمة ما هو أخطر بكثير، يتعلّق بـ “ارتكابات” حقيقية تجري في أروقة الغرف التجارية، وعلى المعنيين التدقيق فيها، فالأحاديث تدور عن ” بيع ” الغرف لبطاقات المرور والعبور إلى لبنان للمسافرين، بلبوس أصحاب سجلّات تجاريّة، وبالدرجة الأولى لسائقي السيارات العاملة على خط دمشق – بيروت، و الظاهرة تفاقمت في غرف تجارية بعينها، وبالتأكيد الخلل ليس محصوراً ببضعة محافظات قليلة.

إحدى الغرف التجاريّة دخلت الحرب بـ 25 ألف سجلّ،  لكن ورغم التسرّب و ” الحرق والغرق” الحاصل بعد ثماني سنوات حرب، كانت المفاجأة الصادمة بأن لديها 58 ألف سجل..أي زاد العدد 30 ألفاً..فمن هؤلاء وكيف وصلوا ولماذا وما الهدف والغاية ؟؟!!

وزير التجارة الداخليّة السابق تحدث عن 100 ألف سجلّ تجاري قبل الحرب على سورية، وفيما تذهب الفرضيّات إلى تقلّص الرقم بعد كل السنوات العصيبة إلى 20 أو 30 أو 40 ألف سجلّ في أفضل الاحتمالات، إلّا أن المفاجأة الكبرى لأن الرقم ارتفع إلى 460 ألف سجلّ، والمفاجأة الأكبر أن كل أصحاب هذه السجلات الـ 460 ألفاً لديهم 210 آلاف عامل !!

لماذا لم تزدد عدد المسجّلين في نقابة الأطباء..المهندسين..المقاولين..حتى غرف الصناعة، كلّه تراجع وهذا شيء طبيعي، لكن أن يرتفع العدد في غرف التجارة إلى 460 ألفاً فهذا يخلق نصف عدد هذه الآلاف من إشارات الاستفهام.

بلا ضجيج ولا اتهام أو دفوعات..إذا كان هؤلاء حقيقيين فليأتوا إلى المالية  والتأمينات الاجتماعية..الأبواب مشرعة أمامهم، ولن تكون التكاليف مرتفعة، قلنا مثل أي موظف حكومي بما يسدده للخزينة العامة من راتبه.

استحقاق آخر

 بعد هذا الإجراء الذي بادرت إليه وزارة التجارة الداخليّة، يأتي دور وزارة المالية، المعنيّة مباشرة بإجراء تصنيف للحد الأدنى لضريبة الدخل المقطوع، حسب كل منطقة، فالمحل في شارع الحمرا ليس كالآخر في جرمانا أو دويلعة..فالأول ثمنه 500 مليون ليرة، والثاني بـ 20 مليوناً، ولكل ضريبته المفترضة على قياسه.

2 تعليقات
  1. عبد اللطيف عباس شعبان يقول

    ظاهرة المزيد من الإقبال على التجارة تستوجب التمعن

  2. sawsan abdullah يقول

    هذه المقالة جعلتني أبتسم..قرارات صائبة..و اسلوب حضرتك متميز في الطرح…المشكلة ان الهمّ الأول لدى التجار هو البحث عن وسيلة للربح بتجرد عن الأخلاق و الديّة الواجب دفعها..
    نتمنى أن تزداد القرارات الصائبة في بلادنا و نتمنى الازدهار لسوريتنا الحبيبة..
    دمت بخير و دام نبض قلمك ينطق بالحق.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]