عقوبة الملتزم !!

معد عيسى

في ظل الدعوة لمكافحة الفساد ازدادت حالات الرشوة والاختلاس وغابت المعايير في التقييم والتعيين، في ظل الدعوة لقدوم الاستثمارات من الخارج

عزفَت الاستثمارات السورية في الخارج عن العودة وبدأت بتصفية وبيع منشآتها في سورية، في ظل الحديث عن عودة المنشآت والمعامل للعمل ما زالت الأسعار محافظة على مستواها رغم انخفاض سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية، في ظل الحديث عن الإصلاح الإداري ما زالت العراقيل والمقاييس الخاصة لمصالح البعض تُغلِف بعض القوانين، وبالماضي كان المُخالف يدفع الرشاوى مقابل بعض التجاوزات، فيما اليوم يدفع المُلتزم ليستطيع أن يُمشي معاملته، في ظل الحديث عن التغييرات الكبيرة ما زال البعض يراكم عدد سنوات توليه للإدارة، والقائمة تطول لذكر حالات الخلل التي أوصلتنا إلى المركز ما قبل الأخير في قائمة منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية في تقريرها الأخير، والتي تعتمد على مؤشرات علمية تقوم على أساس مسوحات وتقييمات يتم جمعها من مجموعة من المؤسسات، وتتقصى بشكل أساسي موضوعات استغلال الوظيفة العامة من أجل تحقيق مصلحة خاصة، مثل قبول الموظفين للرشوة واختلاس الأموال العامة بالإضافة إلى الجهود المبذولة من الدولة لمكافحة الفساد.‏

ما سبق ذكرُه يُعد سبباً أساسياً ومباشراً في طرد الاستثمارات وهروب رؤوس الأموال وإحجام المستثمرين عن المغامرة، ويُعد سبباً أساسياً في منع قدوم الاستثمارات الخارجية، وعليه يُمكن أن نسأل عن الغرامات والرسوم التي تلاحق آلاف المستثمرين رغم توقف منشآتهم عن العمل وتدمير بعضها بسبب الإرهاب، وعن فواتير الكهرباء الكبيرة التي يُطالب بها مالكو البيوت والمنشآت التي سكنها واستثمرها الإرهابيون لسنوات، كيف لنا أن نُشجع على الاستثمار والمنافسة والتصدير والإنتاج في ظل سياسة تسعير قائمة على التسعير على الدولار في حالة الارتفاع وعدم العودة عن تلك الأسعار مع تراجعه؟ فمثلاً التسعير تم على دولار بـ 520 ليرة سورية، واليوم الدولار بـ 435 ولم تتم إعادة التسعير، وكل الحسابات تتم على السعر المُرتفع، وعليه كيف ستنخفض الأسعار؟ وكيف تتم المطالبة بتشديد الرقابة على الأسواق؟ الغريب أن المعنيين بالقرار يُسارعون في التفاعل مع ارتفاع سعر صرف الدولار ويتجاهلون انخفاضه، ويذهبون إلى أبعد من ذلك فيطالبون بخفض الأسعار ويدعون للاستثمار.‏

حالة تفاعل القوانين والتشريعات مع مُتغيرات الوضع تأخذ اتجاهاً واحداً، يزيد من أعباء المواطن الذي أصبح المُورد الوحيد للخزينة، فالتاجر كما الصناعي يرفَع مع رفع الأسعار، ولا يتنازل عما حققه من زيادة، ويعتبر المساس بذلك خسارة، ويتهرب من الرسوم والضرائب القليلة مقارنة مع ما يدفعه الموظف العادي.‏

 

القوانين وتنفيذها يحتاج إلى مراجعة شاملة وإلى إعادة تجديد وإلى ضبط، فكثير من القوانين لم تعُد منسجمة مع مفرزات الأزمة، رغم تشريعها في الأزمة، والعمل الرقابي على هذه القوانين أصبح ضرباً من الظلم، وأصبح منفصلاً عن الواقع.‏

بالمحصلة المنظومة القائمة بحاجة إلى إعادة تجديد وضبط وفقاً لمصلحة الجميع، الوطن والمواطن، لا على مقاس فئة معينة استثمرت وشرعت بما يخدم مصالحها، والعودة إلى الموقع الدولي تحتاج إلى معايير دولية ابتعدنا عنها كثيراً رغم أننا شرعنا لها في الماضي.‏

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]