حكومات دون “سن الرشد”..بقلم:ناظم عيد

 

 

حسبنا أن يكون إعلان حكوماتنا السابقة عن إصرارها على التوجّه شرقاً في تعاطينا التجاري مع أسواق هذا العالم، أكثر من مجرد تفكير بصوتٍ عالٍ، أو ردة فعل آنية “غاضبة” على قرارات المقاطعة التي فرضها الاتحاد الأوروبي، كما “الجامعة العربية”، علينا كفصلٍ من فصول الحرب المنظّمة التي تستهدفنا.

فإن توخينا الموضوعية في النظر إلى ما حولنا، سنجد أن اتخاذ القرار بتغيير اتجاهات البوصلة التجارية، كان من بين جملة “فضائل” هذه الأزمة، لأنه توجّه ينطوي على حزمة عريضة من الفرص التي حجبناها عن أنفسنا بترك خيارات انتقاء شركائنا الاقتصاديين لمن مد يده نحونا، فجاءت الحصيلة عبارة عن شبكة من العلاقات التجارية غير المتكافئة، كنّا الطرف الخاسر فيها وفق حسابات المصالح وإسقاطاتها، وثمة أرقام محفوظة في أرشيف وزارة الاقتصاد تؤكد أن ميزاننا التجاري كان راجحاً لمصلحة الأطراف الشريكة بشكلٍ لا يحتمل السكوت عنه، لكننا سكتنا وتركنا المشكلة تكبر وتتوالى حتى أرهقتنا اقتصادياً.

فمن يصدّق أن دولة آسيوية تبوأت مرتبة متقدّمة جداً على قائمة الدول المصدّرة إلى سورية، كانت صادراتنا إليها “صفر” أو أرقاماً لا تذكر في سجلات العلاقات التجارية بين الدول، رغم أنها تستورد الكثير من منتجات بعض دول هذا الإقليم الجغرافي الذي تتموضع فيه بلدنا، أيْ إنتاج مماثل لإنتاجنا، وبقيت حكوماتنا متغافلة عن هكذا معيار بالغ الأهمية في عالم الاقتصاد والتجارة حتى الآن، واستطردت إداراتنا الاقتصادية في “التعسّف” بما في حوزتنا من فرص وميزات في البعدين النسبي والمطلق، بتركها حبيسة “لوثة” التردّد وضعف المبادرة والرغبة المدهشة بالاسترخاء!.

أعلنا التوجّه نحو شركاء جدد في الشطر الشرقي من هذا العالم.. وبعد مضي حوالي خمس سنوات على الإعلان، بات من الضروري أن نسأل عن الحصيلة، وعن الإحداثيات الجديدة لتوزع تجارتنا الخارجية؟.

وهو تساؤل ليس بالساذج – كما قد يزعم المسكونون بالذهنيات الذرائعية ومرددوا اسطوانات الحرب وإملاءاتها، لأن معظم شركائنا المفترضين في الشرق أصدقاء وليسوا منصاعين لقوانين الحصار الأمريكي والغربي والعربي، ويطمحون لأفضل العلاقات الاقتصادية معنا كما السياسية، ومن المثير لـ”الكآبة” أن تكون خطواتنا التطبيقية في هذا التوجه الطموح باهتة.

لقد اقتصرت اتجاهات بوصلتنا التجارية الجديدة في خطها الذاهب على الأصدقاء الروس والإيرانيين لأنهم هم من أسس –لوجستياً- لما يسهّل تدفقاتنا السلعية نحوهم، وليس تجارنا الذين يتصارعون مع بعضهم ومع الحكومة لاقتسام “كعكة الاستيراد الدسمة”، أما الاتجاه الراجع فما زال حافلاً بمنتجات من حاولوا إزالة بلدنا عن الخارطة، والشواهد ماثلة في أسواقنا على شكل سلع تركية وأوروبية وأخرى مجهولة المنشأ يظن الخبراء أنها من مصادر “محرّمة” في أعرافنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟!.

الآن يبدو من الملحّ الإعلان عن خطوات مدروسة وإعلان الحكومة عن تفاصيل خطّة “الإبحار شرقاً” التي باتت قراراً لا خياراً، وننتظر أن يرشح إلينا شيءٌ ما عن  السلطة التنفيذية، بخصوص مهام جديدة توكل إلى سفاراتنا وملحقياتنا التجارية في البلدان الصديقة –مهما كانت بعيدة– لتنظيم المبادلات السلعية معها، حتى لو اقتضى الأمر تسهيل تدفق صادراتهم إلينا وإحلالها في أسواقنا بدلاً من سلع “المنشأ البغيض”، ريثما يتعافى اقتصادنا ويصبح لدينا ما نصدره إلى الأصدقاء..

المطلوب من الآن تسجيل مواقف ثقة مع هؤلاء والتحضير لخارطة جديدة في علاقاتنا التجارية مع الخارج، تقوم على اعتبارات التكافؤ والتوازن في كفة المصالح، فالنفعية خصلة مشروعة بل مطلوب توخيها بعناية في الأعراف الاقتصادية عموماً.

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]