على ذمة “الشاهد”..بقلم: ناظم عيد

لا بد أن تنازعاً من نوعٍ ما، بات يعتري نهج تعاطينا الإعلامي مع يوميات “الحرب علينا”، ففي سياق التعامل التقليدي مع الحدث ثمة رسائل تفرضها خاصية الآنية المطلوبة بإلحاح في الأدبيات الإعلامية، لكن برجع صدى يتناقض كلياً مع تطبيقات أجندة “تعبوية” مفترضة خصوصاً في البعد الاقتصادي والاجتماعي.
فعلى ذات الشاشة الوطنية وفي ذات فترة البث، يُعاين المتابع صور دمار وخراب أحدثه فعل إرهابي شنيع، تليها مشاهد لسيرورة الحياة اليومية وملامح حالة السلام القائمة في دمشق أو حلب أو إحدى المدن الأخرى، بهدف رفع الحالة المعنوية وتحفيز المغادرين للعودة، واستقطاب الرساميل والمتمولين للانتصار لبلدهم المستهدفة اقتصادياً كما هي مستهدفة سياسياً وأمنياً.. وفي كلتا الحالتين نجد أنفسنا أمام حتمية في المقاربة لا يمكن لمقرر الرسالة الإعلامية تجاهلها.. وهذا هو التناقض المتأتي من حالة تنازع أنتجتها خصوصية الظرف العصيب.
لكن لم يعد من الممكن تجاهل حقيقية أننا أمسينا على عتبة جديدة لا تحتمل المقاربة الإعلامية لأزمتنا بذات الطريقة التي اتبعناها في البدايات، إذ لم يعد من الموضوعي حشد الطاقات الإعلامية للمواجهة في المسارات السياسية والعسكرية، وترك الخاصرة الاقتصادية مكشوفة، في خضم حرب شاملة ظهر فيها الجانب الاقتصادي بوضوح وبحزمة ثخينة من المخاطر والتحديات.
ويجب أن نكون قد اقتنعنا على المستوى الشعبي والرسمي بأن في الأفق شيئاً ما يجب أن نفعله إضافة للمواجهة العسكرية والسياسية، دون انتظار قناعات داعمي الإرهاب بالانكفاء طوعاً أو قسراً، لأن الزمن لا ينتظر، وها نحن نتحدث في مداولاتنا عن أننا بتنا على بوابات مرحلة إعادة تأهيل وإعمار ما خربه الإرهاب.
فلا بد لنا من بلورة نهج هادف إلى ترسيخ الخصوصية السورية بكل ما تحتضنه من ميزات نسبية وأخرى مطلقة في مختلف قطاعات وجوانب الحياة.. والترويج لنهضة اقتصادية واجتماعية جديدة لا تقوم إلا بتدفق الأموال الراجعة مقابل تدفق ذاهب لمخرجات الإنتاج، أي الترويج لسورية أخرى غير التي شوهها الإرهاب بحربه القذرة، وهذا يتطلب تكاملاً بين وسائل الإعلام ومنظومة الإنتاج الدرامي والسينمائي.
وعلى الأرجح ثمة أشياء كثيرة يجب أن تنشغل بها الدراما والسينما غير ملامح الأزمة والدمار والدماء ومشاهد الهجرة والتشرد وانقطاع الكهرباء والفقر والجوع، حيث ربح المنتج وخسرت البلاد خسارة كبرى بتشويه صورتها بشهادة أهلها من صناع المادة الدرامية والسينمائية .؟!!
ففي سورية نماذج عن الوئام والتصالح والتضحية والصور الجميلة ما يصلح ليكون مواد أكثر موضوعية وحتى أجدى درامياً من مجرد الترويج لوقائع البؤس والشؤم ومسوغات إحباط وتشاؤم، تترك آلاف التساؤلات عن أسباب تجاهلها.. ودوافع ممارسة النقيض، مع الاحتفاظ بحق المساءلة لمن يملكها؟؟.
تماماً كما كان في بلدنا قبل الحرب.. صور ناصعة كثيرة تجاهلها” الدرامي” وغرق في مناطق العشوائيات والفقر كبيئة لأعمال لاقت رواجاً منقطع النظير في الخارج وعائدات مجزية من ذات خزنات تمويل الإرهاب اليوم، فبتنا على قناعة بأنها لم تكن بدلات لجودة في العمل ومهارة في الأداء، بل لمقدمات ورسائل موت مسبقة تُحضر في أروقة مؤامرة خرجت إلى العلن، واستهداف سافر للوجه الحضاري لسورية.
لا بأس أن ينشغل الإعلامي والدرامي والسينمائي بتوثيق الوقائع، لكن في هذا الزحام من السواد ثمة الكثير من الملامح البيضاء، لا بد من الاشتغال عليها بعناية ونفض “غبار الحرب” عنها، كتوطئة لسورية ما بعد الأزمة.. ونعلم بأن المهمة هنا أصعب، لأن صناعة الحدث أصعب بكثير من مجرد نقله.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]