تحت الشبهات…بقلم:ناظم عيد

 

 

لا تقبل مكافحة الفساد الإجراءات المجتزأة، كما لا تقبل أدبيات الطب العمليات الجراحية الناقصة لأنها مرفوضة قطعياً، وإن حصلت نكون أمام خلل يصنفه القانون كخطأ طبي يستوجب المساءلة والحساب.

إلّا أن في يوميات مشهدنا التنفيذي ما يثير التساؤلات بذات قدر جرعة الارتياح التي تحملها أصداء المعالجات المُعنوَنة بتلك الجملة الشهيرة جداً “في إطار حملة مكافحة الفساد”..

فبكل بساطة يسأل أي متابع أو يهمهم بعبارات تستفسر عن مصير بقية “الفاسدين”.. وهي استفسارات تختلط – في سياق طيف من أطلقوها- بين متحفظ على حقيقة فساد بعض من طالتهم مكنة المكافحة، وبين مستعجل للاطمئنان على إقلاعها فعلاً.. وفي كلتا الحالتين وجهة نظر لا بد من سماعها تحت إملاءات الموضوعية والحكمة في التعاطي مع مثل هذا المشروع المصيري بالنسبة للبلاد عموماً ولمن تطويهم آلة الفرز والمحاسبة، ففي مجمل المسألة اختلاط لا يمكن تجاهله لاعتبارات اقتصادية واجتماعية معاً.

ولا نعتقد أننا نأتي بجديد لو ادعينا أن مكافحة الفساد مشروع متكامل باتت الأسس التنظيمية له جاهزة منذ سنوات أو شبه جاهزة، لكن التعاطي معه يبدو حتى الآن فردياً وكيفياً غير منتظم، بل عشوائي يعتمد على رؤية أحادية في إطلاق رحلة التحقيق بحالة فساد مفترضة تشكل رضّاً معنوياً لصاحبها فيما لو لم تثبت الإدانة، أو حتى لمن أدين واستأنف ثم حصل على البراءة.

ولعلّنا لا نجافي الموضوعية لو زدنا وأكدنا أن مشروع مكافحة الفساد غدا أحياناً عصا غليظة تُشهر في وجه غير المرغوب فيه من قبل رأس الهرم في المؤسسة أو الوزارة، لأسباب قد تكفي لاتهام من اتهم وليس من جرى اتهامه، وهذا أخطر ما في ظاهرة ارتجال المكافحة، لأنه يخلط الأوراق ويحوّل الانتباه باتجاهات ليست هي المقصودة في مساعي الإصلاح واستدراك مطارح الخلل، فإذا كانت العبرة في النتائج، لا بد من البحث عن عبر في المقدمات فقد تختلف التفاصيل كاملة وبالتالي المحصلات!.

الآن علينا أن نختار إما البدء بإطلاق مشروع مكافحة الفساد واجتثاث الفاسدين بشكل متناغم ومنظم ووضع معايير وتوصيف دقيق لمفهوم الفساد، بعد أن باتت دلالات المصطلح متغيّرة وفقاً لثقافة المجتمع وظروف الأزمة. أو إرجاء المسألة كاملةً حتى تهدأ العاصفة ونطوي ملفات الحرب الراهنة علينا، لنتفرّغ لمواجهة مع الفساد ربما لا تقل حساسية وخطورة عن المواجهة مع الإرهاب.

المهم أن نقرر ونعلن قرارنا ونبدأ دون تلكؤ إن عزمنا على البدء فوراً، وسيكون الإعلام ذراعاً قوية وطائلة في كشف حالات الارتكاب ومتابعة مجريات المحاسبة. أو نُرجئ الموضوع والإبقاء على العمل التقليدي للأجهزة الرقابية – الجهاز المركزي للرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش– مع الإشارة إلى أنه من الأفضل اتباع أسلوب الرقابة الوقائية، بمعنى تصويب الخلل وليس الانتظار حتى يقع الارتكاب والدخول في معمعة أخذ ورد مديدة.

لكن من الملح ريثما نعلن القرار أن يكف بعضنا عن الاستعراض في إلقاء التهم جزافاً، ويكف بعض المسؤولين التنفيذيين عن الاستعراض في “تحييد” الكوادر بتهمة الفساد الجاهزة والسهلة.. فإما أن نبدأ أو نُرجئ، ولا خياراً آخر، لأن الخيار الثالث محفوف باحتمالات “أخطاء جراحية” لا تحمد عقباها.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]