توزيع عادل للمسؤوليات والاتهامات للسلطة التنفيذية بميزان أكاديمي وخبرة خبراء..قرارات خاطئة زادت من وطأة الحرب الاقتصادية…

خاص – الخبير السوري:

بعد عدّة ضربات تلقاها الاقتصاد السوري في العام الماضي لا يستغرب أن يستقبل عام 2016 بوجه منكسر وبطقوس تجهمية تبدأ بليرة فقدت الجزء الأعظم من قيمتها أمام العملات الأجنبية – وهذا ما يعادل استقرار سبع سنوات- في عدة شهور وبسوق محتكرة وأسعار مرتفعة، وأخيراً بقرارات ضغط إنفاق متلاحقة وبمواطن قد يكون أكبر همومه تأمين عشرات الليترات من المازوت أو أسطوانة غاز، وقد يكون التساؤل الأهم: من كان وراء كل هذا هل هي العقوبات العربية أم العقوبات الأجنبية وهمية النتائج أم تعود مسؤولية تسريع الأزمة وابتكار نتائجها إلى الردهة الاقتصادية في الرواق التنفيذي؟.
يعتبر بعض أساتذة الاقتصاد في جامعة دمشق أن ما عانيناه في الاقتصاد السوري لا يرقى حتى الآن إلى أن يوصف بأزمة بل هو حدث اقتصادي واجتماعي سيئ غير مستقر وغير عاقل كان نتيجة الإدارة غير الكفؤة لهذا الحدث وهو يتفاعل كل يوم ليعطي نتائج غير محسوبة وغير مدروسة، ومفهوم الأزمة يتعدى ذلك ليكون أكثر شمولية وأكثر استدامة في الوقت ويؤدي إلى حدوث انقلاب في حياة الاقتصاد والمجتمع، لذا من المفيد التساؤل هنا: من روّج للأزمة وأشعر الشارع السوري بنتائجها؟؟.

في مضمار النقد والليرة

في تصريحات واثقة ومتتالية للمصرف المركزي يتم التأكيد أن وضع الليرة السورية جيد جداً وأن سعر صرفها مستقر بالقياس إلى ما تمر به البلاد حالياً.
فلو عدنا بسرد زمني إلى الوراء لن يكون بمقدورنا أن نتجاهل حين اتخذ المركزي قرار السماح بتمويل شركات الصرافة للعمليات غير التجارية لكل مواطن بعشرة آلاف دولار بالسعر الرسمي لوجدنا أن الذي حصل هو أن من قام بشراء هذه الأموال هم متعاملون مع شركات الصرافة ولم تستعمل الأموال لأغراض غير تجارية كالسفر والدراسة والطبابة بل بيعت في السوق السوداء لترفع سعر صرف الليرة السورية بشكل “قاصم”.
يقول خبير نقدي إن هكذا قرار كان قراراً نقدياً خاطئاً بامتياز وأدى إلى اضطراب في سوق النقد، وفيما يتعلق بالطلب على العملات الأجنبية كانت هذه الخطوة الأولى غير المدروسة في إجراءات المصرف المركزي التي وجهت الضربة إلى استقرار الليرة السورية.

أما القرار الثاني الذي وصفه الخبير بأنه قرار مستغرب وموضع تساؤل فهو لجوء البنك المركزي إلى التدخل في سوق القطع من خلال ما يسمى المزادات العلنية، واعتبره أسلوباً ليس متداولاً في الفكر النظري النقدي ولا في التجارب النقدية لدول تتدخل في السوق على الإطلاق، وحتى لم يسع به وهو عبارة عن تجربة تبيّن للحكومة السورية بعد المرة الرابعة من تجريبها أنها خاطئة والدليل تصريح اللجنة الاقتصادية واعترافها بالخطأ وأنها سوف تلجأ لأدوات أخرى للتدخل لم تعلن عنها، والسؤال الآن: ما الذي فعله ذلك التدخل؟.
ويقول الخبير: لم أفهم ولم أقرأ في حياتي أن قرار تخفيض قيمة العملة المحلية خلال بضعة أشهر بنسبة 15 % هو شكل من أشكال التدخل في سوق النقد أو أداة من أدوات البنك المركزي أو الحكومة – ويقصد خلال السنوات الأولى للحرب الإرهابية على سورية، هذا قرار سيادي وطني بامتياز لأن نتائجه سوف تنعكس على الاقتصاد الوطني، والسؤال ما الذي دفع البنك المركزي إلى ذلك الإجراء؟
هل ليصبح سعر الصرف الرسمي قريباً من السوق السوداء وبالتالي يمنع البيع وهذا لم يحصل رغم وجود قانون يمنع أن يتجاوز الفرق بين السعرين 5 بالألف، ورغم أن البنك المركزي قد أغلق الكثير من محال الصرافة التي لم تعمل بهذا القانون الذي يعد من اعتبارات سيادة الدولة القانونية لأن من الخطر أن يترك سعر الصرف يتحكم بالأسواق؟ أم إن السبب وراء ذلك هو تأمين القطع للمستوردات الخاصة أم تخفيف الطلب على الدولار الذي لم يحدث.

وأكد الخبير أن أي معالجة من هذا النوع يمكن أن يلجا إليها البنك المركزي أو الحكومة دون أن تدرس نتائجها، شكلت منعكسات سلبية والمزيد من الضغط على الليرة والمزيد من ارتفاع الأسعار واحتكار المواد وزيادة الضغط على المواطن.
وفي نهاية الأمر نجد أن المركزي مقتنع بما فعل وصرّح بأنه ماضٍ بذلك مهما تعددت الآراء، وقد يتمنى الاقتصاديون أن يتم التفكير مطولاً في التدخلات القادمة ودراسة نتائجها وألا تكون ارتجالية تختبئ بستارة الظروف.

سقوط أقنعة

يؤكد خبير اقتصادي آخر أن أحد أسباب الأزمة الحالية هو سبب داخلي متراكم بدا منذ عشر سنوات مع بداية سياسة الانفتاح الاقتصادي، وتحديداً منذ عام 2005 الذي سماه عام الانقلاب الاقتصادي حيث أعلن عن اقتصاد السوق الاجتماعي كنهج أو هوية اقتصادية، ولكن في حقيقة الأمر الذي اشتغل على أرض الواقع هو سياسات واقتصاد السوق الحر وظل مصطلح السوق الاجتماعي دون توصيف ودون آليات فقد كان فقط إرضاء لغرور حزبي وعمالي واجتماعي.
والذي مورس على أرض الواقع هو وصفة صندوق النقد الدولي
التي طبقت من 2005 إلى 2010 وتراكمت نتائجها خلال هذه الفترة على مستوى اختصار الزمن لحدوث الأزمة، في حين أن مصر والأردن احتاجت إلى 20- 40 سنة لظهور السياسات الاقتصادية الليبرالية من بطالة وفقر وارتفاع أسعار وتهميش وإهمال للزراعة والصناعة
وتركيز على قطاع الخدمات والسياحة والعقارات والتجارة، حيث أعلن مجدداً عن مصطلح وهمي للتطبيق على الحال السوري وهو المصطلح الذي أطلقه وزير الاقتصاد عام 2008 (التجارة قاطرة النمو) وهي نظرية اقتصادية سقطت من التداول المعرفي والنظري والفكري منذ الستينيات وطبقتها أمريكا اللاتينية ودفعت ثمنها مديونية بمليارات الدولارات، وطبقتها دول جنوب شرق آسيا وسببت أزمات اقتصادية، هذه السياسة تهمل الزراعة والصناعة والإنتاج المادي وتعتمد على التجارة والقطاعات الخدمية والسياحة والعقارات، وهذه تطبق برأي د. سليمان على بلد لديه قدرة صناعية هائلة وليس في سورية، وهي بنظره كانت أحد أسباب تفعيل الأزمة.

في قفص الاتهام

بعد ترك وزارة التجارة الداخلية السوق السورية تدار بمنطق الاحتكار وسيادة مبدأ الربحية المطلقة للتجار منذ إعلان ما يسمى تحرير التجارة الداخلية والخارجية، بدا دورها واضحاً في الأزمة الحالية حيث لم تستطع فعل شيء ولم تقترب حتى من السوق المضطربة القلقة، وهنا يقول خبير تسويقي “إدارة الأسعار” إن السبب الجوهري الآخر في تفاعلات الأزمة كان منطق تعامل إجراءات وزارة الاقتصاد مع التجار ومع مرحلة التداول والتوزيع للمواد الاستهلاكية في التجارة الداخلية، حيث لا توجد رقابة وهناك غياب تام لوزارة الاقتصاد ما شكل ضغطاً على المواطن الذي اكتشف أخيراً أنه سبب الأزمة.
ويقول: من المحزن أن يكون هم المواطن الأول في ظل هذه الظروف السياسية والضغوط الداخلية والخارجية هو الاحتياجات البديهية لكل إنسان من تدفئة وتغذية، بدلاً من أن يكون الهم هو الانتماء، فما جرى أن ضغطاً معيشياً آنياً مورس على المستهلك بنقص المواد واحتكارها وأخيراً اتهامه بأنه هو السبب.
والسؤال الأخير أين كانت من ذلك وزارة الاقتصاد؟.
أمام كل هذه النتائج المتشعبة والمتراكمة للأزمة سيكون من الصعب جداً خلال أسابيع أو أشهر قليلة العودة عن مفاعيلها السلبية التي قد تمتد إلى سنين كما صرح الباحثون الاقتصاديون، وقد يكون أهم الحلول في الوضع الحالي الذي وصلنا إليه، هو الحلول الجذرية والطويلة الأمد التي تنقض كل الأخطاء المتراكمة والحديثة.

حلول
وقد طرح الخبراء عدداً من الحلول التي تهدف إلى إصلاح الوضع الاقتصادي بشكل جذري، وقد يكون أهمها أن تتراجع الحكومة عمّا يسمى (التجارة قاطرة النمو واقتصاد السوق الاجتماعي) التي أوضحت أنها سياسات غير مناسبة للاقتصاد السوري حيث أسقطها الواقع العملي لأنها تمخضت عن نتائج اجتماعية واقتصادية سلبية، وقد يكون أنجع الطرق هو العودة إلى الاكتفاء الذاتي والعمل على إعادة الاهتمام للإنتاج المادي من زراعة وصناعة، وثانياً أن يتم توضيح السياسات الاقتصادية لإقامة عقد اجتماعي وشراكة لتفعيل دور القطاع الخاص ومسؤوليته الوطنية في كل هذه الأزمة ومساهمته بإيجابية في حلها، ورسم سياسات معلنة للحكومة للجانب المادي بالتعاون مع أناس فاعلين ومختصين يتشارك فيه خبراء ومختصون وليس فقط مجرد غرفة الصناعة والتجارة، وطبعاً إشراك القطاع الخاص ووضع الآليات لتطبيق هذه السياسة على المستوى الآني واليومي والقدرة على اكتشاف الأخطاء قبل حدوثها وليس انتظارها وحلها بطريقة مرتجلة وغير مدروسة.
وقد يكون أهم جانب برأيهم هو البحث عن مصادر التمويل للمشاريع التنموية أي المزيد من الإيرادات للحكومة لأن الدولة تعاني من عجز ضخم جداً في هذا العام ومهددة بأن تنخفض الإيرادات الضريبية إلى النصف، هذا الأمر الذي قد يوقعنا في المزيد من عجز الموازنة ومن عدم القدرة على التنمية والمزيد من الضغط على الأسواق من أجل التقشف،
الأمر الذي يشكل ضغطاً جديداً على الأسواق ما يستدعي البحث عن مصادر جديدة للتنمية.
وأخيراً يعتبر الخبراء أن حل هذه الأزمة وطني بامتياز أكثر من كونه قراراً لبنك مركزي أو وزارة، إنه بحجم الحدث السياسي وبالتالي بحجم الوطن.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]