السوق المفتوح والدوائر المغلقة..بقلم : ناظم عيد

لعلّنا أخطأنا في التماهي مع متطلبات مواجهة الأزمة على مستوى السوق وأسعار سلع سلّة المستهلك اللصيقة بيومياته، وربما علينا ألا نستثني المستهلك ذاته من المعادلة، فثمة متغيّرات حادة طرأت لم يكن مرناً كفاية في التعاطي معها، وكانت سبب وقوعه في دوامة تنازع قاسٍ مع وقائع لم ترحمه من صفعاتها المؤلمة.
والواقع أن الأزمة الراهنة التي لفحت الجميع، لم تكن سبب إشكالية أسعار السلع والخدمات، بل أسهمت بتضخيم مشكلة قديمة نوعاً ما تتعلق بأدبيات إدارة السوق، وما ينطوي تحت هذا العنوان سواء من التشريعات النافذة أو من ضوابط عمل الجهاز التنفيذي، لذا كان لافتاً أن أحداً لم يقارب أس المشكلة بل اتجهت أنظار المعالجة باتجاه المساحات التي أُلقيت فيها النتائج.. وهذا يعني الغرق في متوالية إطفاء حرائق لن تتوقف، وبالتالي الدوران في حلقة مُفرغة تماماً، وهذا ما حصل ونعاين نتائجه يومياً في الأسواق وفيما يرشح بشأنها من الأروقة الحكومية.
وقد نكون قُساة نوعاً ما لو وضعنا كل من يطالب الحكومة بضبط الأسعار أمام حقيقة أن الحكومة ممثلة بوزارة التجارة الداخلية لا تملك صلاحيات سؤال تاجر جملة أو مفرّق عن سبب رفع سعر سلعة ما، فعند حدود الإعلان عن السعر تنتهي صلاحيات السلطة التنفيذية، ويجب أن ينتهي معها إلحاح من يلح في طلب التدخل الرسمي لكبح جماح الأسعار، ونتحدّث هنا عن تفاصيل احتوى عليها قانون حماية المستهلك الذي تمّ تعميم تعليماته التنفيذية منذ يومين وخلا من أي إشارة تتعلق بضوابط سعرية، وكذلك كان القانون الذي سبقه والذي سبقه أيضاً أي منذ بدء نفاذ سياسات تحرير الأسعار.
إلا أن القسوة كانت مطلوبة في إعلان الحقائق بوضوح عبر رسائل حكومية صريحة تأخذ طابع التوعية، وهذه ليست استثناءات في تعاطي الحكومات مع أعمالها بل بديهيات لا تقبل النقاش، لكن شيئاً من هذا القبيل لم يحصل، بل ما حصل كان النقيض تماماً برسائل طمأنة غير مباشرة أنتجت إيحاءات بمواصلة الاسترخاء لدور الدولة في السوق، كما كان عليه الحال في زمن التسعير المركزي والتدخل الإداري والرقابة التموينية والعقوبات الزاجرة التي كانت من اختصاص القضاء العسكري، وسلسلة طويلة ومحكمة من الضوابط لم يبق منها شيء إلا ذكريات يأبى المستهلك والحكومة معاً الاعتراف بأنها باتت من الماضي البائد.
الآن وإن كان ولابد من الاستمرار بنهج الأسعار المحررة – ويبدو أننا سنستمر لأن الرجوع عنه ارتكاسة غير لائقة- فلتفِ الحكومة بما يلزم لتبصير المستهلك بالأمر الواقع، وهذا ليس “كفراً” تنفيذياً ولا عيباً إدارياً، وليتحمّل الأخير مسؤولياته تجاه نفسه في خياراته بارتياد ما يناسبه من متاجر وأسواق، وإلا ستبقى المواجهة غير المتكافئة مستمرة، بين تاجر يعرف ما يرتكز عليه من معززات قانونية مكتوبة، ومستهلك متمسّك بأدبيات زمن الحماية والمنع والحصر والتسعير وغير ذلك من ملامح السوق والاقتصاد المخطط بأدق تفاصيله..!!

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]