الملف الأخطر ينتظر الحسم بلا ذرائع ولا هروب.. قطاع «يتثاءب».. خبراء يتهمون «التخطيط» والوزارة المختصّة تحمّل المناخ والفلاح مسؤولية الإنعاش!
الخبير السوري:
“الأرض لمن يعمل فيها.. وكل حسب جهده”، عبارةٌ اختصرت الكثير من الأحاديث حول قدرة الفرد على النهوض بكل ما يملك من قوة وإرادة، كيف وإن كان فلاحاً أو مزارعاً؟!
ما يعيشه قطاع الزراعة اليوم أشبه بالدوران في حلقة مفرغة، ليس بإمكان أحد الهروب منها، سوى للتفكير بحلول تقي الفلاح تبعات هذا التراجع الذي بات ملحوظاً في قطاع الإنتاج الزراعي، بشقيه النباتي والحيواني، الذي يشكل أساس السلة الغذائية لبلد عُرف منذ الأزل بأنه زراعي بامتياز.
علي ديب: رغم الندرة وصلنا للاكتفاء الذاتي سابقاً واليوم هناك من يعرقل عودة الإنتاج الزراعي والحيواني
غياب التنسيق
المشكلة اليوم لم تعد في العودة للبحث في الأسباب فقط، بل الاعتراف بوجودها ضمن منهجية عرقلة واضحة من جهات عدة، لم يكن لعودة الإنتاج الزراعي مبعث اطمئنان لها، وهو الذي يكمل الدورة الاقتصادية التي ستعود بالنفع على البلد والفلاح في آنٍ معاً، وفق رؤية الدكتور في علم الاقتصاد سنان علي ديب، الذي أكد ضعف التنسيق وعدم التكامل والتقاطع ضمن خطة التصدير مع الخريطة الزراعية نفسها، ويشير هنا ديب إلى المحاولات المستمرة لرفع الأسعار والتكاليف، التي تحرم الفلاح التفكير بمعاودة الإنتاج في السنوات اللاحقة.
فالمواد موجودة ومتوفرة في المناطق الشرقية وعلى رأسها الذرة، التي شكلت أزمة حقيقية وسط غياب الآلية والفكر التي تحتاج أيضاً إلى متابعة وتنظيم ومكافأة أيضاً، بدلاً من إحداث اختناقات بالمواد، التي تحولت بدورها إلى أزمات لاحقاً، فيما كان بالإمكان تعويض بعض الإنتاج واختصار الكثير من البلبلة الحاصلة مؤخراً.
الاتجاه اليوم هو للتصدير ثم الاستيراد بأسعار مرتفعة، بالرغم من وجود فائض وظلم كبير للفلاح، الذي مازال يعاني صعوبة في تأمين الطاقة والسماد في ظل ارتفاع التكاليف وغياب دور الوزارة في وضع الخطط، الأمر الذي بات مكشوفاً للجميع برأي الدكتور سنان، يضاف لذلك عدم تزامن الخريطة بين الاستيراد والتصدير، لنجد أن كل تصدير يكون على حساب حجم المعروض في السوق، وكل استيراد لا يراعي إنتاج الفلاح، وينعكس على التكاليف وبالتالي الخسارة.
وهنا يقف علي ديب متسائلاً: ما دور المنظمات والوحدات الإرشادية والاتحادات بما فيها اتحاد الفلاحين؟!
لنجد في الوقت نفسه انعدام الحلول وانكفاء محاولات تشجيع الفلاح ودعمه، بموازاة التضخم ورفع الأسعار للمواد الأولية ومحاولات تثبيط الهمم بالتهويل والشائعات، فالخطط إن كانت واقعية يكون التنفيذ غير واقعي، يرافقه عدم المتابعة والاختناقات بتشجيع الاستيراد، ما يقضي على الفلاح ويزيد من نسب التصحر.
الاكتفاء الذاتي
لعل أبسط الحلول وأكثرها نجاعة هو قراءة الماضي والاستفادة من تجاربه الناجحة، وما سجلته فترة الثمانينيات من تجارب تصلح لتكون منهجاً زراعياً للعودة والنهوض بالقطاع الزراعي، في رأي الدكتور سنان علي ديب، فالوصول لمرحلة الاكتفاء وصعوبة الاحتفاظ بالفائض من القمح الذي بلغ 5 ملايين طن كإنتاج، بموازاة التسهيلات المقدمة للفلاح من قروض وأسمدة وري بالتنقيط، إضافة لشراء المنتج وتحقيق رفاهية الفلاح التي وصلت حد التطور في الريف والهجرة العكسية إليه كان واقعاً ملموساً آنذاك، وهي نتيجة الخبرات الموجودة التي صنعت من الندرة اكتفاءً، لنجد اليوم أن كل مقومات النهوض والعودة والانطلاق بالواقع الزراعي جاهزة، حيث إن التوازن بين الوطن والمواطن والتاجر أو المزارع أهم مقومات الانتعاش في رأيه.
وفي النظر لتكاليف القطاع الحيواني، سنجد أن تكاليف العلف وحده جعلت المربين يلجؤون لبيع القطعان من قبل المربين، وفق رؤية الخبير التنموي أكرم عفيف، وبالتالي انتهاء قطاع التربية الحيوانية.
عفيف: لا قلق من التصدير إلّا أن عدم معرفة الفلاح به يضعه أمام خسائر حتمية
ولكي نحافظ على الإنتاج، لابد من تجنيب الفلاح الخسارة، أما لتطويره فلا بد من جعله رابحاً، الأمر الذي سينعكس، في رأي عفيف، على تحويل أرضه من بوار إلى منتجة، لتبقى تكاليف الإنتاج الكبيرة وضعف التمويل ومن ثم الخسارة أمراً كارثياً.
والغريب اليوم هو لجوء الدولة لدعم المستوردين، في وقت تتجه الدول الأخرى لدعم المنتجين والمصدرين في رأي عفيف، الذي أكد في حديثه لـ”تشرين” أن الحل يكمن في جعل الفلاح رابحاً، وضمن خطة العمل، لأن إنقاذ القطاع يبدأ من الفلاح والمنتج والمزارع.
قطاع حيوي
انطلاقاً من أهمية العمل ضمن المجال الزراعي في دولة لها خصوصية ومزايا تجعلها متفوقة في هذا الاتجاه بالذات، والذي يفرض على الدولة نفسها إيلاء الاهتمام والدعم اللازمين للزراعة، التي تعد قاطرة الاقتصاد السوري والأساس لنهوضه، حسب توصيف الدكتور في كلية الاقتصاد جامعة دمشق زكوان قريط، الذي قدم رؤى واقتراحات لوضع القطاع ضمن سكة العمل الصحيح، وذلك عبر وضع رؤية استراتيجية شاملة للنهوض به، شرط أن تكون قابلة للتطبيق على أرض الواقع، والعمل على إجراء تقييم شامل على الصعيد الوطني لهذا القطاع لكل من نقاط القوة والضعف والعمل عليها، وتقديم الدعم الحكومي اللازم برفع حصته ضمن موازنة الدولة لعام 2024، وإعادة هيكلة هذا القطاع والتركيز على المنتجات الزراعية التي تتميز بها سورية (قمح، قطن، زيتون)، تضاف لذلك إدارة الملف برؤية شاملة وذلك بتشجيع الاستثمارات فيه وإعفائها من كل الضرائب لمدة 5 سنوات، وتشكيل هيئة عليا للتنمية الزراعية في كل مجالاتها (نباتية وحيوانية)، تعنى بتسهيل وتشجيع الزراعات والمنتجات المحلية للوصول للاكتفاء الذاتي.
تقييم ودراسة
ولأن ما يواجه القطاع الزراعي من تحديات تم ذكرها آنفاً لم تعد خافية على أحد، كان من الطبيعي العمل من وزارة الزراعة للتخفيف من تداعيات الحرب والتغير المناخي، عبر تنظيم ملتقى تطوير القطاع الزراعي الذي هدف، حسب تصريح مدير السياسات الزراعية في الوزارة رائد حمزة لدراسة الأوضاع الراهنة للقطاع وتحليل سلاسل الإنتاج والعمليات الزراعية، للوصول إلى اقتصاد زراعي تنموي تنافسي، يساهم في تحقيق القفزة التنموية المناسبة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، حيث تضمنت مخرجات الملتقى عدداً من البرامج التي وُضعت لها خطط تنفيذية ضمن قوائم من النشاطات وجدول زمني لتنفيذها، كما أصبحت استراتيجية لتطوير القطاع ما بين عامي 2022 و2030، ليصار إلى تنفيذها حسب الجدول الزمني أيضاً.
حمزة: الإنتاج رهن بالظروف المناخية الاستثنائية ونعمل لتجاوزها بالتنسيق مع الجهات المعنية
التعليقات مغلقة.