النصر الذي غيّر القواعد..

فاديا مطر- الخبير السوري

من الحريري إلى كونداليزا رايس إلى تل أبيب و فشل المؤامرة بكامل أركانها ، تتعدد الأشكال و الغايات و الطرق المتبعة لتحقيق ما عجزت عنه الحرب في ساحاتها ، فقد أدخل العام ٢٠٠٠ في جملة الإنجازات متغيرات هائلة حوّلت المقاومة اللبنانية من حركة مقاومة إلى محور مقاومة في سباق وجودي وضع بصماته بشكل واضح لتكون المقاومة لاعب إقليمي و دولي يُحسب حسابه في كل معادلات المنطقة ، حيث قالت المقاومة كلمتها الأكبر في أن إنسحاب العدو الصهيوني في العام ٢٠٠٠ هو الخطوة التي بلورت نصر تموز في ٢٠٠٦ لجهة إنه كان إنسحاباً إنهزامياً و قسرياً بإمتياز ، و إن كان لجهة عدم القدرة على تثبيت النقاط ، و هو قد أضاف قدرة المقاومة الى إمكانية صنع قواعد الردع و حجز المكانة التي تُغيير قواعد الإشتباك ، فجملة المؤامرات التي قادتها القيادات الأمريكية من حرب العراق إلى حرب تموز إلى حرب غزة فالحرب على سوريا لم تكن لتوسيع رقعة المواجهة في حصد نتاج الحرب الإستراتيجية ، بل هي لترميم مكامن و عناصر الخلل الذي وقعت فيه ساحات إشتباكها و ما خسرته في رهانات الحلفاء و القدرة على تحميل النتائج لفريق سياسي أو عسكري محدد ، لا بل كان تحول محور المقاومة في نصر ساحاته هو تحول كبير في قلب حروب خريطة المنطقة و ما عكسته من ركض أمريكي-صهيوني لإبقاء قواعد الإشتباك الحالية دون تطوير أو تعديل يُخسر العدو الصهيوني مزيداً من التراجع ، فحرب تموز ٢٠٠٦ رسمت موازين إستراتيجية كبيرة وجديدة أفشلت أدوات الحرب الأمريكية بالوكالة التي إرتهنت لها المجموعات الإرهابية و دول منبعها و تمويلها ، و التي مازالت تتخبط في صراع وجودي لإبقاءها على قيد الحياة بعد دخولها بازار البيع الدولي ، حيث تبدل واشنطن قشرتها بحرب إقتصادية بعد تجربة آرامكو و الحرب على اليمن و العراق و سوريا و ما خلفه الرد الصاعق على عملية إغتيال الشهيد سليماني و رفاقه في مطلع العام الحالي و تأثيره في الصورة المكانية و العسكرية للحضور الأمريكي في المنطقة و ما نتج عنه من فكرة أساسية يعمل عليها محور المقاومة بشكل حثيث و هي إخراج القوات الإمريكية من المنطقة في غاية قصوى تعني هنا أن هذا الخروج هو الحجر الأساس في تهدم قدرة الكيان الصهيوني على التواجد كقوة إقليمية حتى لو كانت تحالفاته العربية ذات قيمة إقتصادية و سياسية يرسم لها في شكل خريطة المنطقة ، و دخول ” عقوبات قيصر ” حدود لبنان و سوريا هو شكل من أشكال الخوف الإمريكي من إمكانية الخروج من المنطقة و ترك حزام الحيطة الأمني للكيان الصهيوني دون ضبط بعد تنامي القدرة العسكرية و التكنولوجية لمحور المقاومة و تصاعد القدرة السياسية لها في خوض لعبة السياسة الدولية و التحالفات الإستراتيجية التي تربطها بأقطاب دوليين فاعلين في تثبيت القدرة الإقتصادية و المالية و اللوجستية لها ، فالعودة الى إستلال سلاح المال و الضغط الإقتصادي هو دخول مباشر للميدان و تعويض عن فشل الوكلاء في تحقيق أدنى نتائج على خريطة المواجهة ، و هو عامل قد يدفع بالمقاومة إلى حدود الرد الأمني أو العسكري في مجمل معادلة رد الضغط ، و هذا ما أوصله خطاب سماحة السيد نصرالله في ٧ تموز الحالي برسالة مبطنة قرأت فحواها واشنطن قبل غيرها ، وما التحذير الذي بثته صحيفة نيويورك تايمز في حزيران المنصرم من أن ضربة آرامكو يمكن لها أن تتكرر في مناطق آخرى قد تكون ” ديمونة ” و غيرها من المناطق تحت مرماها مستقبلاً ، إلا تحذيراً جاداً للداخل الأمريكي العسكري و السياسي ، و إنذاراً خطيراً للقيادة الإسرائيلية من مغبة مقايضة أمن الحدود بالإقتصاد ، بالرغم من أن جملة الضغط الإقتصادي الامريكي على لبنان و سوريا و إيران و روسيا ليست في منحاها التصعيدي شيئاً يُوصل إلى حدود مواجهة عسكرية في لبنان أو الحدود السورية في الجولان المحتل ، بل هي ذات مغزى سياسي تحمل رايته بعض القوى السياسية الموالية لواشنطن و غيرها في الداخل اللبناني ، و تسعى فيه لتلبية تخبط إقتصادي تظن أن في تطوره خطوط قد تصل إلى أن يكون رافعة تضغط على تواجد المقاومة كبيئة شعبية و تحميلها تبعيات الضغط الإقتصادي ، لكن فشل هذا الحساب قد ترجمه سيد المقاومة بخيار ” الإكتفاء الذاتي ” أو المقاومة الزراعية والتي عملت الجمهورية الإيرانية عليها لتكون رادعاً هاماً لعقوبات أربعة عقود ، فغاية واشنطن المُثلى تتلخص في خروج من المنطقة و لكن بنطاق حيطة وحماية يضمن أمن الكيان الصهيوني و لا يضع حلفاؤها في خانة حصد الفشل في تنفيذ الرهانات التي راهنو عليها ، ليُصار إلى خروج ربما يحفظ شيئاً من ماء الوجه الأمريكي و يُلبي تطلعات تل أبيب في المستقبل الإقليمي .

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]