كأننا حضّرنا العربات ونسينا الأحصنة..هذا هو السلاح الأهم في أيدي السوريين..

ناظم عيد– الخبير السوري:

بعد الحرب لا كما قبلها..فالمؤشرات تشي بانفراج قريب، لذا لا بدّ من إعداد ما يلزم لانطلاقة جديدة على المستوى التنموي العام.

فكلّ المشهد القادم بكلّ تفاعلاته الإيجابيّة، يحتاج إلى حامل حقيقي ..لن يكون سوى ذلك المنتج القابل للاستهلاك لكن “لا بطريقة  الأكل “..وهنا المشكلة الكبرى التي يعانيها الإعلام في مجتمعات حسيّة إلى درجات كبيرة..

إلّا أنّ ثمة ذهنيّات جديدة التقطت أهمية الإعلام لفعاليته خلال الحرب..بالتالي كانت التجربة قد حسمت قناعات إيجابيّة باتجاه التسليم بحتميّة دور ” إنقاذي” للإعلام الوطني، بعد أن اتضح للجميع بأنه لا يمكن تجاهل مثل هذا الدور.

بعد هدوء العاصفة سنلج بوابة جديدة من بوابات التوجه والمصافحة مع المستقبل..وسيكون الاستثمار هو ” الفوكس” في مجمل رحلة بناء سورية بعد الانتصار..

لذا.. لابد للإعلام من أن يلعب دورا مهما من خلال الترويج لخلق بيئة مناسبة للاستثمار لجذب المستثمرين كإقامة المعارض التجارية والمؤتمرات وتنظيم المحاضرات والنشر في الصحف المحلية وإشراك القطاع الخاص باعتباره الركيزة المهمة في إنجاح الحركة الاستثمارية إلى جانب جذب المستثمرين الأجانب, لما للقطاع الخاص من اثر ايجابي في إنعاش الاقتصاد وإسهامه في الانفتاح على اقتصاديات الآخر، ونقل تجاربه والاستفادة من الخبرات الأجنبية, فالقطاع الأهلي الخاص هو الذي يلعب دوراً هاماً في تنويع مصادر الاستثمارات من دون الاعتماد على مصدر دون آخر، لأن الاستثمارات الحكومية يفترض أن تقتصر على بنى إستراتيجية محددة، ولا تغرق في قطاعات هامشية.

وتبدو هنا  ضرورة توافر شفافية وحرية الوصول للمعلومة وتدريب كوادر متخصصة في الإعلام الاقتصادي للنهوض بالاقتصاد السوري والتعاون بين القطاعين العام والخاص لتوفير المعلومة الصحيحة وإيجاد المزيد من التشريعات التي تدعم العملية الإعلامية في خدمة التنمية الاقتصادية..

ترويج

على العموم تلعب وسائل الإعلام المختلفة دوراً كبيراً ومتعاظما في الترويج للاستثمار في أية دولة من الدول، لكن هذا الترويج يستلزم إيجاد أشياء تروج له كبيان واقع وإمكانيات الدولة وقدراتها وثرواتها الطبيعية والبشرية ومكامن القوة والضعف التي تحتضنها وذلك من خلال:

  • رصد ملامح المتغيرات الاقتصادية واستعراض مقومات الاقتصاد .

* تسويق القوانين الاقتصادية والاستثمارية وتسليط الضوء على نقاط المرونة فيها والترويج لخصوصية التعاطي مع التوظيفات المالية لجهة الميزات التفضيلية لا سيما الإعفاءات والتسهيلات .

  • استعراض ومواكبة الحصيلة التي تنتجها الاستثمارات التي جرى توطينها ورعايتها .

أي الإعلام يقوم هنا بدور ترويجي يتجلى بإظهار الايجابيات بشكل مباشر، أما السلبيات فيكون التعاطي معها بالغ الحساسية وغالباً تتجلى المهمة هنا بمخاطبة صاحب القرار والمطالبة بتذليل الصعوبات لكن دون تصوير الأوضاع على أنها شبه “كارثية” فتكون الرسالة، ذات أثر مرتد يسيء لمناخ الاستثمار وليس العكس، ودعونا نعترف هنا أننا في الإعلام المحلّي قد وقعنا خلال سنوات الانفتاح بهكذا أخطاء ويتقاسم الإعلام المسؤولية هنا مع مصادر الشكاوى أو المعطيات السلبية وهم من أصحاب الاستثمارات والرساميل الذين حاول بعضهم الضغط على الحكومة لانتزاع تسهيلات ربما خاصة.

كما يكون هذا الترويج عبر إظهار أهمية الاستثمار في الزراعة والصناعات الوطنية مقارنة بالصناعات والأصناف الزراعية المستوردة فتزيد من استهلاكها محلياً أو تصديرها، وبالتالي تزيد من حجم الاستثمارات الوطنية والأجنبية في القطاعين الزراعي و الصناعي وهما قطاعي التنمية الحقيقية اللذان لم يأخذا نصيبهما الوافي من حجم الرساميل الموظفة في المطارح الاستثمارية.

ويذهب الإعلام عادة إلى البحث عن خصائص إيجابية صحية ومادية للمنتج الوطني وتسليط الضوء عليها، مقابل خصائص سلبية لمثيله المستور وسرد المعطيات العلمية السلبية المتعلقة به دون الخروج عن أدبيات المهنة ومواثيقها التي تتوخى الدقة والمصداقية في المقام الأول.

دور أكثر

أما الدور الأوضح للإعلام في الترويج للاستثمار فيظهر في القطاع السياحي، من خلال التركيز على الخصوصية الطبيعية والمقومات التاريخية التي تحظى بها سورية وهي كثيرة جداً، وهذا لا يقتصر على الرسالة الإعلامية المباشرة بل يمتد إلى السينما والدراما، وقد كانت سورية مصدراً نشطاً للإنتاج الدرامي إلى الدول العربية وغير العربية، لكن لم نلحظ أن هذا الجانب كان موجوداً في المنتج الدرامي بل على العكس كان اللافت والمريب تسليط الضوء على المظاهر السلبية تحت عنوان الواقعية، ولعل التركيز على العشوائيات والمخالفات السكنية كبيئة للأعمال الدرامية كان علامة فارقة للإنتاج الدرامي السوري على مر حوالي عشر سنوات وهي حقبة أسميناها حقبة انتعاش الدراما السورية.

في المقابل كانت الدراما التركية أكبر أداة ترويجية للسياحة في تركيا، من خلال التركيز على التصوير وتعمد لقطات طويلة لمواقع طبيعية خلابة لدينا ما لا يقل عنها شداً وجذباً..وقد تكون أشبه بالنكتة أن تنتشر لوحات الإعلان الطرقي والتلفزيوني في وسائل الإعلام السورية – قبا الحرب-التي تحمل صورة مختارة من الطبيعة التركية مذيلة بعبارة “تركيا جنة الله على الأرض” وكنا نتساءل حينها كم لدينا إعلان مماثل عن سورية في شوارع اسطنبول أو إحدى المدن التركية أو وسائل الإعلام هناك؟؟..لقد استثمروا إعلامهم وإعلامنا معاً في خدمة استثماراتهم.

وهنا يجب أن نقف عند موضوع الإعلان وهو الشق التوأم للإعلام بل الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها الإعلام في تمويله ويحمل مصلحة متكافئة للوسيلة وللمعلن على حد سواء، هذا الجانب مازال قاصراً لدينا بسبب تواضع ثقافة المعلن، وعدم اكتراثه بهذا الجانب رغم أنه لا يقل أهمية من حيث الكتلة الرأسمالية عن الكتلة المُرصدة للتوظيف الاستثماري.

شمولية

بكل الأحوال يجب أن يكون الترويج شاملاً كل القطاعات الاقتصادية فالصناعة والسياحة والزراعة والخدمات الأخرى قطاعات أساسية أخرى تجذب المزيد من الاستثمارات إن توفرت الحوافز وتوفرت الرؤية المناسبة لتوظيف الإعلام في الكشف عنها.

ونصل الآن إلى أهمية ترويج الاستثمار في الإعلام ذاته وتطويره من قبل الرساميل التي تشارك في العملية الاستثمارية، فلا بد من نشر وسائل الإعلام على نطاق واسع وعابر للحدود ولو اقتضى الأمر إلى استهداف بقع جغرافية بعينها تنطوي إما على رساميل باحثة عن مناطق للاستثمار، أو أسواق محتملة لتسويق مخرجات الاستثمار وتلقي التدفقات السلعية الناتجة عن العملية الاستثمارية…ونعلم أن دعم قنوات التصدير هو أهم أشكال تعزيز واقع الجدوى الاقتصادية ودعم البيئة الاستثمارية.

وعلينا أن نقف قليلاً عند دور الإعلام في لعب دور الوسيط لكن الوسيط الحذر بين المستثمر والبيئة الاستثمارية من جهة وصاحب القرار التنفيذي لتذليل معوقات الاستثمار والتنبيه إلى القضايا التي تسيء للمناخ الاستثماري وتكون عامل لفظ وطرد للرساميل المحلية أو القادمة.

لا بد بعد ما سبق من عدم تجاهل مسألة إلقاء نظرة على تجربة الإعلام السوري في تعاطيه مع الاستثمار..ولعلنا لا نملك الهروب من حقيقة أن النمو الأفقي في وسائل الإعلام الذي ترافق مع نمو وتوسع طيف قطاع الاستثمار خلال السنوات العشر ما قبل الحرب على سورية، لم يشفع لنا في المواكبة الحقيقية والفاعلة للتطورات النوعية التي حظي بها مناخ الاستثمار في سورية..وكي لا نتهم الإعلام يمكن أن نقول أنه لم يُستثمر استثماراً أمثلاً من قبل السلطة التنفيذية ورجل الأعمال على حد سواء، فالتقصير على الأرجح لم يكن مسؤولية خالصة يتحملها الإعلام، لأنه ذراع جاهزة للفعل الإيجابي لكن بحاجة إلى نهج متفق عليه بين الحكومة وممثلي القطاع التنموي الخاص وهم نواة الحالة الاستثمارية، ويتم إنفاذه إلى وسائل الإعلام كل وسيلة حسب خصوصيتها وميدان فعاليتها وجمهورها المفترض.

تناقض

وقد يكون من المفيد هنا الإشارة إلى حالة من التناقض المفرط في عمل وسائل الإعلام الحكومية والخاصة فالأولى ضخمت الإيجابيات ووصلت إلى رسالة غير مقنعة الفحوى، والخاص ركز على السلبيات ففقد شيئاً من موضوعيته، وفي كلا الحالتين ثمة إساءة مباشرة لمناخ الاستثمار.

الآن نختم بفقرة من وحي خصوصية المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد وتقتضي أن تُخصص الأموال لغرض الدعاية مثلما تخصص الأموال للإعلانات المدفوعة الثمن للحض ضد ظاهرة الإرهاب، ومسح الصورة السوداء التي تم ترويجها عن سورية عبر تدفق إعلامي مخيف عن الأوضاع في سورية, فعن طريق الإعلام نستطيع أن نقنع المستثمر الأجنبي باستتباب الوضع الأمني لاسيما في هذه المرحلة، وعلينا التقليل ما أمكن من محاولات نقل مشاهد التفجير وحالات القتل التي تتعمد بعض الفضائيات العربية نقلها والتي يكون نتيجتها عزوف المستثمرين من المجيء، أو السوري المغترب عن العودة.

إن للإعلام دوراً مهما فى معالجة الأزمات الاقتصادية وتوجيه الطاقات والإمكانيات المتاحة في سورية وتنمية الاقتصاد ومواجهة تحديات الاستثمار وتحسين أثره في جذب الاستثمارات الخارجية بما يحقق التنمية المنشودة .. كما أنه يعتبر المرآة التي تنقل ما يدور داخل المجتمع السوري من حراك ونمو ونشاط إلى الخارج ليتعرف العالم على احتياجات البلاد من مشاريع اقتصادية.

فالروابط بين الإعلام والاستثمار عموماً قوية وتفرضها معطيات العصر الحديث ومنجزاته..لدرجة يمكن القول: إن الاقتصاد والإعلام في شراكة مستمرة ومتعددة الأوجه، فالاقتصاد عموماً والاستثمار خصوصاً يمكنه أن يصنع إعلاماً ناجحاً وبالمقابل الإعلام يمكن أن يصنع اقتصاداً واستثماراً ناجحاً .. و الإعلام قادر ، إذا أحسن استخدامه ، على خلق البيئة الاستثمارية الجاذبة والوصول إلى تنمية حقيقية متكاملة اقتصادياً واجتماعياً.

4 تعليقات
  1. بشار المحمد يقول

    كيف سنروج اذا كان معظم الصناعيين والتجار بل وغرف التجارة يرعبهم الظهور على الإعلام!!!!!!!

  2. علي محمود جديد يقول

    سنكون في غربة حقيقية إن لم يأخذ إعلامنا موقعه المتقدّم .. فمن غير المعقول أن نبقى متفرجين للصفعات الإعلامية التي انهالت علينا في هذه الحرب الجائرة على سورية .. وما تزال .. كل التحية والاحترام لك أستاذ ناظم .. وليسلم هذا القلم الجميل المبدع .

  3. ادارة يقول

    بالعكس لقد احتلّوا الواجهات على ما يبدو…لكن الإعلام الرسمي يغرق في تقليد عدم الاقتراب منهم كي لا يتهم بالترويج..

  4. ادارة يقول

    سلمت يا أستاذ على ..نعم مشكلة كبرى أن نبقى منفعلين لا متفاعلين ..

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]