رهانات من طراز ثقيل …الاقتصاد السوري يكسب..

الخبير السوري:
لم يعد سباق المسافات الطويلة مجرّد عنوان افتراضي لنتاجات أدبيّة ، أو إبداعات فنيّة ببعد افتراضي من طراز “الفانتازيا” ، التي تتكفّل بقدر عالٍ من الجاذبية والاستقطاب.
بل ثمة تجسيدات واقعيّة للمفهوم نعايشها اليوم في الولادة السورية الجديدة ، إنه السباق مع الزمن في رحلة استدراكية غير محدودة الأفق ، يعتريها ما يعتريها من “تكتيك” حرق المراحل ، الذي يبدو حالياً هو العنوان الأنسب لأداء أجهزة الدولة بكل سلطاتها ، وإن كان التظهير والترجمة الميدانية على يد الفريق التنفيذي ، الذي أحدث علامة فارقة فعلاً في المواكبة اللافتة بسرعتها لانتصارات قواتنا المسلّحة ، وإعادة إنعاش المناطق المحرّرة.
بالأمس كنّا أمام مشاهد حيّة تستحقّ الرصد لما تنطوي عليه من مفارقات حقيقية ، في ذلك المضمار الإنتاجي الرحب الذي كان قبل فترة وجيزة مسرحاً للتخريب والحرق والدمار ، و عاد اليوم كفضاءٍ للتعافي والانتعاش والنماء ..مدينة عدرا الصناعيّة و منطقتها الحرّة و منطقة تل كردي ، ثلاث إحداثيّات بارزة توثّق طقوس كسب الرهان ، وتسجيل أشواط مديدة في سباق مسافاتنا الطويلة مع زمن لا يرحم عادة هواة الاسترخاء والأقوال المجافية للأفعال.
الواقع أن في ما تكشّف أمس في زيارة رئيس الحكومة المهندس عماد خميس إلى “الحاضنات” الصناعية والإنتاجية العملاقة في ريف دمشق ، من إنجازات “إنجازات فعليّة وليست مجازية” كان مفاجئاً لنا وربما لكل متابع ..نطاق مترامي الأطراف يُخرج من الرماد ويُعاد تشكيله بحذاقة ..بنىً ومكونات إنتاجية لافتة تضج بصخب الحياة ، وتشكّل الثقل النوعي للصناعة الدمشقية صاحبة الحصّة الكبرى من المنظومة الصناعية في سوريّة.
هنا لا بدّ من قراءة متصالحة مع الواقع لما تبلور في هذا المشهد من تفاصيل مكثفة تدعو للتفاؤل ، فأهم و أبرز مفردات البرنامج الذي تعمل عليه الحكومة الحالية منذ بداية مهامها ، كان تعزيز البنى الإنتاجية ، وهو عنوان استراتيجي ، نعترف بأنه استثار كمّاً غير قليل من الحذر في أذهان المراقبين عن قرب ، كأولوية حكومية واقعيّة واستحقاق قابل للتطويع بمرونة ، إذ لم يكن ممكناً غض النظر عما يعتري تطبيقاته من عثرات ومعوقات ، هي غير بعيدة عما أرخت به الحرب على سورية من ظلال ثقيلة ، إلّا أن الحصيلة التي بين أيدينا و أمامنا الآن ، هي ما حدا بنا للدعوة إلى قناعة مفادها أن سورية قد قطعت شوطاً في إعادة الإعمار ، دون انتظار مراسم الإعلان الرسمي ، لأن العبرة في “ورشات” الميدان وليس في الكرنفالات الشعبية .
إلّا أن ورشات الإعمار ليست مهمة حكومية خالصة ، بل هي واجب تشاركي يتعدّى الهياكل الاقتصادية الممأسسة ، إلى الحالة الشعبيّة ، فهذه الأخيرة هي من يعبّئ و يؤسس أو يقود التنمية ببعدها الأفقي ، ولدينا في مدننا و أريافنا – رغم مشاهد الفقر – رساميل لا ينكرها أصحابها محيّدة عن الفعل التنموي ، لا بد من إيجاد صيغة تحفيزيّة أو توجيهيّة ، من شأنها إقناع المأخوذين بجذوة الادخار ” تحت البلاطة” ، بإخراجها إلى قنوات التوظيف والاستثمار ، فالثروات ملك عام بغض النظر عن هويّة الحائزين ، المهم ألّا نقع في “مطب” تمركز المطارح الإنتاجية الذي عانينا منه طويلاً قبيل الأزمة ، ونتخلّص من لعنة بطالة وسائل الإنتاج التي تزخر بها بلادنا ، وقد لا تكون الأراضي المهجورة أقلّها ظهوراً لمن يرغب بالبحث والتحرّي.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]