امتيازات على كرسي المنصب

 

د. سنان علي ديب

كانت الندوة الخامسة لملتقى الثلاثاء الاقتصادي التفاعلي الحادي عشر الذي تقييمه جمعية العلوم الاقتصادية فرع اللاذقية بعنوان الإصلاح الإداري وهو اختيار صائب في وقت بدأ باستنهاض الاقتصاد تماشياً مع قرب انتهاء الحرب المعقدة وما نجم عنها من انعكاسات كبيرة على كافة المستويات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الإدارية , وقد أدت الأزمة لتراكمات ثقيلة تضاف لما كان سابقاً من تراكمات نتيجة اختيارات خاطئة سواءاً في الإدارة بشكل خاص  أو في أسلوب الإدارة الاقتصادية بشكل عام مما أدى لتفاقم الفساد و تهشيم للبنيان الصلب والذي وصلنا له بعد تضحيات وجهود وأموال و سياسات أكثر صوابية  , وجاءت الأزمة التي عولجت من طرفين بأسلوبين متناقضين , طرف أحتوى تداعياتها بما يستطيع للإحاطة بكل مفاعيلها ولحماية الأرض و الدم مع هدف أكبر من أجله قد يغض الطرف عن بعض الثغرات ومن ضمن رؤاه الأولى عدم استطاعة المبادرة بالإصلاح الإداري أو مواجهة الفساد وحيتانه والذين لا يوثق بانتمائهم للوطن وإنما للأموال ولمن يتبعون و بذلك كان التحفظ لضرورات الإدارة الأزموية وما تبعها من حصار اقتصادي و عقوبات ظالمة ,و طرف آخر شعر بما يجول و استشف عدم قدرة المحاسبة و المواجهة فاستغل الظروف أسوء استغلال بالتجارة بالدم و العرض و الأرض ولقمة العيش وانتهج نهجاً لا يدل على وطنية و انتماء و ساهموا بزيادة الفوضى و تعميم الفساد ولكن عدم المحاسبة و المواجهة لا يعني النسيان وإنما التناسي للوقت المناسب , و بشكل عام كان توقيت إطلاق مشروع الإصلاح الإداري صحيح دليل تعافي وقدرة و كان تشخيص الأمراض دقيق وواقعي وكانت وصفات  العلاج وأساليبها صحيحة في حال وجود النية و الكوادر و أساليب تراعي الواقع و الخصوصية و الاستفادة من بعض التطورات العالمية وهي نقطة مهمة فقد شبعنا ممن يجعلون الغرب هو البوصلة و يسيرون بما يملي ولو خالف الواقع و دمر ما كان صحيح و قائم وهو ما كان سبب التجارب السابقة أول الألفية و عام 2011 .

في المكان المناسب

ولكن الوصول لما نحتاج ونريد بحاجة لقيادة تنموية نخبوية منتقاة من الأعلى و ليس من الأسفل نخبوية تملك الكفاءاة و النزاهة و مستعدة للمحاسبة في حال وفرت لها الأدوات وهي تضع برنامج زمني تحاسب عليه وتكون القائدة لعملية الإدارة التنموية, و قد يكون تشكيل حكومة تكنوقراط تمثيلية حل صحيح لما نعاني منه لا حكومة وحدة وطنية كما سوق البعض وقد تحتوي حكومة التكنوقراط ملامح تمثيلية و تسير وفق برنامج متفق عليه لأطياف الشعب بعد الوصول لرؤى حل سياسي داخلي وعلى عاتق هؤلاء تقوم أغلب التعيينات وفق معايير مؤسساتية لا كما وجدنا سابقاً فالمحاباة و الواسطة و محاولة توريط المؤسسات والتي هي الأبعد بهكذا تعيينات ,وقد كانت سياسة التعيينات التي انتهجت قبل الأزمة بما يساير البرنامج الاقتصادي و الاجتماعي لنهج الدردرة أحد أسباب الأزمة وما زالت تداعيات هذه التعيينات مستمرة بالعقلية و بالشخوص وكلنا يتذكر عندما قيل لديغول: حكومتك مخترقة من المخابرات المركزية الأمريكية فبحث وفتش ولما وصل لمن هو المقصود سأله كيف تعمل ما يخدمهم قال أعين الشخص في المكان غير المناسب , والمهم أن الإصلاح الإداري يتعلق بالهيكليات و الصلاحيات و القوانين و التشريعات وكل من هذه يعتمد على ظروف البلد و الخطة الموضوعة, و بالنسبة للصلاحيات وأهمها التوزيع ما بين المركزية و اللا مركزية فهي تختلف ما بين وقت السلم و التنمية و البناء ووقت الحروب و الأزمات وأكيد بالأزمات يصبح التخطيط الأزموي أكثر قرباً واستخداماً للمركزية لقلة الخيارات و لصعوبة الادارة الاقتصادية و لقلة الطاقات الانتاجية و إمكانية تأمين المواد و السلع عكس العمل في ظروف السلم وهو ما كان عندنا عكس ما ضلل فكانت تجارب الإدارات المحلية ناجحة وإن اصطدمت باختيارات لا تمثل أحد وأهم أهدافها الفساد فالتجربة صحيحة و تصوب باختيارات حقيقية و هذا الموضوع مما لعب عليه من الغرب و القوى التابعة لهم ,و بالنسبة للهياكل فهو يعطي خصوصية كل مؤسسة وأهدافها و أسلوب عملها و القوانيين جزء منها بحاجة لتحديث وتطوير وخاصة بما ينظم العمل و يحمي حقوق العاملين ويوحد أكثر باتجاه قانون واحد .

قيمة أخلاقية

لكن العامل الأهم في اختياراتنا يجب أن يكون تلازم المفهوم القيمي الأخلاقي بالكفاءات فكفاءة بلا حامل قيمي أخلاقي لا ينفع وكذلك قيم وأخلاق بلا مهنية وكفاءة لن يخدم تزاوج هاتين الصفتين هما من أهم علاجاتنا لمرض مزمن في ظل أزمة أخلاقية متراكمة عمل عليها العامل الخارجي عبر غزو ثقافي مبرمج لإضعاف الهوية و الانتماء و لعولمة الفساد و لضرب كل القيم الحقيقية البناءة الجامعة و تعميم أمراض الأنانية المفرطة و البعد عن العقلية الاجتماعية و التمرد على المجتمع بكل قيمه و ليصبح المال ولو الأسود أهم معيار و السلطة مسعى و مبغى و ليست تكليف لخدمة المجتمع و قد كان لترهل بنيوي لمؤسسات التنشئة المختلفة التعليمية و الإعلامية و الدينية و حتى الأسرة نواة المجتمع  إضافة لتخريب منظم مترافق مع تضليل إعلامي بمخرجات أبعد ما تكون عن الانضباط و الاحترام و العمل الجماعي , وهذه المخرجات ما صعب عملية الاختيار و وضع هذه المؤسسات على سرير الإصلاح السريع الإنقاذي وكلنا يذكر عندما قيل لتشرشل سقطت لندن فسأل كيف التعليم و القضاء فقيل بخير فقال لن تسقط لندن فكيف لمؤسسات تغلغل بهما الفساد فأصبح عنوان وأصبحت مولدة لفساد أكبر وأخطر , وإن السير بطريق الإصلاح بحاجة لقوة الدولة بفرض القوانين و الأنظمة ولا يمكن ذلك بتغليب أي مركز قوة على قوة و سلطة المؤسسات التي أضعف دورها بتماهي مع العولمة الأمريكية لسحب يد الحكومات و جعل كل الركائز و الصلاحيات لشخصيات مالية سوداء تابعة فلا قوة من دون المؤسسات ولا مؤسسات من دون صلاحيات ولا إصلاح إداري من دون حل سياسي داخلي جامع و لا حل سياسي من دون تفوق عقلية المؤسسات البناءة الفارضة للقانون و الانضباط وقد كانت تجربة المؤسسات خلال الأزمة و خاصة بمراحلها الأخيرة ناجحة جامعة مريحة و أثبتت قدرتها على أن تكون السند و العون لأي انطلاقة صحيحة بناءة وأعطت الثقة لأي مواطن وطني يريد العودة القوية و الانطلاقة الصحيحة , الإصلاح الإداري ضرورة وجسر تنموي للعودة القوية و تلازمه مع السياسي داخلي حاجة لنجاحه وعبوره المطبات .

الدكتور سنان علي ديب/ خبير اقتصادي/

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]