النقود ولعبة الحبل المشدود!

د. حيان أحمد سلمان

النقود وقود التبادل التجاري, ويظهر هذا من خلال وظائفها كوسيلة مبادلة بين الفعاليات الاقتصادية ووحدة حساب تقييمية للسلع والخدمات ومخزناً للقيمة مع مرور الزمن, وفي الوقت نفسه هي سلعة خاصة وحيازتها النقود واستخدامها لها سعر وهو (سعر الفائدة), أي العائد الناجم عن إقراضها, ويحدد هذا السعر من قبل (بنك البنوك أي البنك المركزي), لأنه هو المسؤول عن تحديد الكتلة النقدية المتاحة, ويعتمد بذلك على إحدى السياستين وهما (التيسير أو التضييق النقدي), وتتجلى سياسة التيسير النقدي في تقليل معدل الفائدة وزيادة كتلة النقود المتاحة بهدف زيادة الاستثمارات وزيادة قيمة الناتج المحلي الإجمالي, ويترافق هذا مع زيادة معدل التضخم وأسعار الصرف وتعثر سداد الديون الخارجية وخلخلة المنظومة السعرية للسلع والخدمات بسبب تراجع القوة الشرائية لوحدة النقد, أما سياسة التضييق النقدي فتتجلى في تخفيض العرض من النقود حتى يمكن سحب قسم منها من التداول, ويترافق هذا مع ارتفاع سعر الفائدة وتخفيض معدل الاستثمار, وتالياً تباطؤ معدل النمو الاقتصادي، ما يؤدي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي, وتعثر سداد الديون الداخلية وظهور بوادر الأزمة المالية التي قد تتحول إلى أزمة اقتصادية كما حصل في الأزمة الاقتصادية العالمية وتحديداً أزمة الديون العالمية بتاريخ 16/9/2008, ونتيجة ذلك تتوسع ظاهرة تمركز رؤوس الأموال وفي الوقت نفسه تزداد (الإفلاسات المالية) وينجم عن ذلك زيادة حالة شراء لهذه الإفلاسات والاستثمار بها كأفراد ومؤسسات ودول, وتأكيداً لكلامنا السابق فإن (معهد التمويل الدولي IIF) ذكر في تقريره الأخير في شهر آذار عام 2017 أن مستوى الدين العالمي وصل إلى 217 تريليون دولار وبما يعادل 327% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي العالمي, وتجدر الإشارة إلى أن الدول الصاعدة في مقدمتها الصين تتصدر قائمة الإقراض وتتوجه حاليا نحو مركزية ملكية الدولة للاحتياطات والديون, ولاسيما أنها تمتلك ديوناً بحدود 20 تريليون دولار أي بحدود 10% تقريباً من قيمة الدين العالمي, وتعدّ أمريكا من أكبر الدول المدينة للصين, وذلك بسبب امتلاكها فائضاً اقتصادياً كبيراً, وقد بدأت هذه الدول تشتري الديون وارتفعت قيمة الديون المشتراة من 3 تريليونات إلى 45 تريليون دولار, وتالياً يمكن القول إن الاقتصاد الأمريكي يعمل بأموال الآخرين !, وانطلاقاً من هذا نتوقع أن تقدم إدارة البنك الفيدرالي الأمريكي على تعميم إجراء نقدي هو (تنقيد وتوريق الدين), أي تحويل الديون إلى أوراق مالية ليست لها قيمة في حد ذاتها, ومن ثم التلاعب بسعر الفائدة وبما ينسجم مع مصلحتها فقط لاغير, ولاسيما أن حوالي 70% من الديون العالمية بالدولار, ويؤكد هذا أن الإدارة المالية الأمريكية رفعت سعر الفائدة بتاريخ 15/6/2017 من 0,37% إلى 1,12%, وهنا يتم استخدام سعر الفائدة كأهم وسيلة من وسائل الأدوات المصرفية في السوق لجذب المستثمرين وتفعيل العمليات الاقتصادية الأمريكية, ونتوقع أن تعمد أمريكا إلى سياسة التيسير النقدي أي ضخ نقود في السوق العالمية من خلال زيادة طباعة الدولارات وزيادة الطلب على الدولار, وأن يرتفع سعر الفائدة حتى نهاية 2017 إلى حدود 3%, وسيفاجأ العالم بهذه اللعبة الأمريكية المدمرة للدول الأخرى, ومن هنا نتفهم الحكمة الاقتصادية التي تقول: (إن راسمي السياسة النقدية في ظل الأزمات يشبهون من يرقص على حبل معدني مشدود ومن مكان مرتفع فأي خطوة يخطوها يجب أن تحسب بدقة) فهل تحسبها الإدارة الأمريكية؟

تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]