خيـــــار وقـــــرار ..

“المشروع الوطني للإصلاح الإداري” عبارة واضحة جلية، وعلى الجميع مواطنين ومسؤولين أن يتمعّنوا ملياً بها، ويتفهّموا ويتيقنوا أن هذا المشروع وطني بامتياز، فهو ليس مشروعاً حكومياً فقط، كما يتوهّم بعض المواطنين والعاملين الذين يظنون أن دورهم في هذا المشروع محصور بما سيصدر عن الدولة بهذا الخصوص، وأنهم معنيون فقط بما يؤمرون به، في ضوء الأسس الناظمة التي ستصدر عن السلطات الرسمية لاعتماد تنفيذ هذا المشروع، من خلال تحديد وتوصيف دور المسؤولين على كل مراتبهم، ودور العاملين التنفيذيين معهم، وأيضاً دور جمهرة المواطنين على اختلاف توزعهم العملي والسكني ومؤهلاتهم العلمية، وأن تضعها موضع التطبيق، بحيث يتحسّس الجميع أهمية دورهم ومسؤوليتهم التامة في إنجاح هذا المشروع، وضرورة أن يأخذوا بعين الاعتبار أنه من المتوجب أن يكون الإصلاح مطلبهم وخيارهم الذاتي، لا أن يتملكهم أي شعور بأنه مفروض عليهم وملزمون به كرهاً، فإن لم يكن الإصلاح خياراً فقد لا ينفع القرار.

ما دام توفر الخيار في الإصلاح مطلوباً حكماً فمن المتوجب أن يعمد المسؤولون والعاملون والمواطنون إلى تحقيق الكثير من الإصلاح خياراً منهم قبل صدور القرار، وأن يتزايد هذا الإصلاح الخياري طرداً بالتواكب مع المزيد المفيد من القرارات الإصلاحية، إذ ما من فرد بصفته الشخصية أو العلمية أو العملية /مسؤولاً كبيراً أو صغيراً أو مواطناً عادياً/ إلا ويعرف الكثير من مواطن الخلل الموجودة في أدائه، أو أداء إدارته الصغرى أو الكبرى، وإن كان من المؤكد أن كثيراً من هذا الخلل غير ممكن الإصلاح إلا في ضوء توجيهات وتعليمات وقرارات متكاملة تحدّد أسس ذلك، إلا أن ما يمكن إصلاحه خيارياً دون قرارات ليس قليلاً أبداً، وما لم يتم تحقيق المزيد من هذا الإصلاح الممكن خيارياً، قبل القرارات، وبالتواكب معها يوم وعقب صدورها، فعلى الأغلب سنجد المزيد من التلكؤ والتهرّب والعزوف عن الإصلاح المنشود والواجب في ضوء القرارات الصادرة، لا بل قد نجد أنفسنا أمام فشل جديد في تحقيق الإصلاح الذي نرنو إليه على غرار الفشل الذي عهدناه سابقاً.

وهنا من المفيد جداً أن يدرك الجميع وتحديداً أصحاب القرار، وجوب أن تكون الفترة القادمة (ما بين إطلاق المشروع الوطني للإصلاح الإداري هذا العام، واعتماد تطبيقه عام 2019) فترة اختبار للمعنيين بتحقيق هذا الإصلاح الخياري، أكانوا من مسؤولي إدارات علياً أم متوسطة أم صغيرة، أم من هم مكلفون بمفاصل مهمة، وأن تكون الثقة بهم وقرار إبقائهم في مهامهم أو ترقيتهم إلى مهام أعلى، مبنية على أساس ما أنجزوا من إصلاحات خياراً منهم، وأن تتعزز هذه الثقة، مع تقديم بعض التكريم المادي والمعنوي لهم، في ضوء ما ينجزونه من إصلاحات لاحقة –خياراً أو التزاماً- تواكباً مع القرارات الإصلاحية الصادرة تتابعياً. فالإصلاح الإداري يتطلب وجود خيارات صالحة تعمل لتحقيقه.

إن السنوات السابقة التي أعقبت طرح الإصلاح المنشود (الإداري والاقتصادي والقطاع العام) أثبتت بما لا يتيح مجالاً للشك، أن تحقق الإصلاح كان وما زال مرهوناً بصلاح العاملين عليه، وعدم تحقق الإصلاح بالحجم المطلوب في هذا الجانب أو ذاك يعود إلى أن العاملين على تحقيقه، لم يكونوا صالحين في أفكارهم ولا في ممارساتهم، وبالتالي لا ينضح الإناء إلا بما فيه، لا بل كثيراً ما تبيّن أن أداء بعضهم –باسم الإصلاح– أدّى إلى مزيد من الخلل، أكان ذلك نتيجة جهل أم ضعف أم عن سابق عمد وإصرار، وما دام في موقع التشريع أو التنفيذ، لم يجد من يردعه، لا بل كثيراً ما أوذِي بعض أولئك الذين أشاروا إلى أمثال هؤلاء، أو حاولوا ردعهم بصيغة ما، كل ذلك أبقى كثيراً من الإدارات في دائرة الخلل نفسها، وأصبح الخلل أكبر، ما أظهر بشكل جلي تحقق المقولة التالية “حيث توفر الصلاح تحقق الإصلاح”.

أيضاً ضوء وضعه العملي والعلمي، فالإصلاح الإداري مسؤولية الجميع، وهو المدخل من الضروري جداً التعويل على دور المواطن في الإصلاح، إذ لا يخفى على أحد دور العديد من المواطنين في ارتكاب أو التسبب في كثير من حالات الخلل، ما يوجب أن يكونوا معنيين في إنجاح المشروع الوطني للإصلاح الإداري، وأن يحمَّلوا ويتحمّلوا هذا الدور عبر المنظمات الشعبية والنقابات والاتحادات والمنظمات الأهلية التي ينتسبون إليها، وحتى كأفراد غير منظمين،  كل في والأساس لكل إصلاح آخر.

 

عبد اللطيف عباس شعبان

 

عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]