تلفزيون الانترنيت السوري…أفكار “ع الهوا” تضيع في متاهات اللهو بالتصريحات والفلاشات…!!

 

استبشرنا خيراً بالمتغيرات العاصفة بالإعلام الوطني وخاصة التلفزيوني، ومازاد من تفاؤلنا الإعلان عن إطلاق خدمات تلفزيون النت (iptv) من خلال استخدام شبكات الاتصالات المحلية بدل طرق البث التقليدية بهدف إيصال المادة المرئية للمشاهد، وبمعنى آخر التبشير بمرحلة إعلامية جديدة تواكب التطور، وتلجم جموح المحطات الغازية بما تحمله من مؤثرات فكرية وثقافية وأخلاقية مغايرة لبيئة مجتمعنا وأدبياته بحيث يكون هناك رسالة فضائية أو الكترونية قادرة على حقن العقول بجرعة وقائية تبطل مفعول السموم والأفكار السوداء التي يتم تجرعها على مدار الساعة، ولكن وللأسف بعد فترة من البحث والتقصي والاتصال مع جهات عديدة للتعرف على خططها أو حتى أفكارها حول ماهية هذا العمل المرتقب والذي أعلن عنه.. وجدنا أنفسنا ندور في حلقة مفرغة، عنوانها العريض (إلي بجرب المجرب بكون عقلوا مخرب )، فالذهنية التي كلفت بهذا الملف متحجرة، ولاتمتلك الدينامكية المطلوبة لإنجاز المهمة المكلفة بها، بل إنها عاجزة عن رسم خارطة الطريق نحو هدفها الذي نراه بعيد المنال، كونه مازال في مرحلة الفكرة غير المكتملة لدى الجهات المكلفة بالتنفيذ، سواء من ناحية البنية التحتية “الشبكات والاتصالات”، أو لجهة المضمون، والرسالة التي سيحملها، وما يزيد من تشاؤمنا أن التجربة الخاصة المعمول بها في مجال التلفزيون الرقمي لم يكن وضعها أفضل حالاً، ونجاحها في استقطاب الجمهور مازال ضعيفاً.

لا يوجد شيء

الحصول على معلومة من الشركة السورية للاتصالات كان محاولة فاشلة بامتياز، ولم نقطف سوى السراب بعد فترة انتظار طويلة دامت لأكثر من أسبوعين، رغم أنها الجهة المكلفة بالتنفيذ، إلا أنها لا تملك أي معلومة حسب ما أفادنا به المسؤول الإعلامي فيها، والذي أعلمنا أن اللجنة المختصة بدراسة المشروع في طور التشكيل، وليس لديها أي معلومة تفيد بحثنا، وطبعاً هذا الفشل حفزنا على طرق باب وزارة الاتصالات والتقانة حاملين معنا تساؤلاتنا التي بقيت دون إجابات، رغم تكرار اتصالاتنا وزيارتنا للوزارة التي على ما يبدو لم تتبلور لديها بعد فكرة المشروع، وغير مهتمة بعامل الزمن، فتعامل الوزارة، وشركتها مع تساؤلاتنا يضع المشروع في خانة الهرطقات الحكومية التي يُرمى بها كما تُرمى الأحجار في البئر والتي تحتاج إلى عقول كبيرة لإخراجها.

وطبعاً عدم تجاوب الاتصالات لم يشكل عائقاً أمام استمرار بحثنا في الموضوع، حيث توجهنا إلى شريكة العمل وصانعة المضمون (وزارة الإعلام)، وهناك تم توجيهنا إلى مديرية الإعلام الالكتروني التي بدورها اعتذرت لعدم الاختصاص بهذا الموضوع، ولكن مديرها قدّم لنا مساعدة من خلال توجيهنا إلى مديرية المعلوماتية في التلفزيون العربي السوري والتي عدنا منها أيضاً  بخفي حنين، حيث أكد لنا المدير عدم عقد أي اجتماع، وأنه ليس هناك أي خطوة تنفيذية حتى اللحظة، أي بالمعنى الشعبي (كلام النهار يمحوه الليل).

عنده الجواب

صدمة عدم الحصول على أي معلومة بعد أشهر من تكليفنا بهذا التحقيق.. وضعتنا في موقف محرج مع إدارة التحرير التي عولت علينا إنجازه بفترة قصيرة، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، ولاشك أن تفهمها لواقع هذه الجهات، منحنا فرصة أخرى والمزيد من الوقت، حيث قادتنا عملية البحث إلى الدكتور محمد رقية الذي قدّم لنا معلومات وأفكاراً حول الاتصالات الفضائية الإعلامية، وأهمية تلفزيون الكيبل والنت في هذه الفترة، والحق يقال كان بكل المقاييس والاعتبارات قادراً على منح معلومة مفيدة في الوقت الذي عجزت فيه وزارات ومؤسسات بمئات الموظفين عن تقديم أي شيء حتى ولو مجرد استقبالنا في أحد مكاتبها المعنية، فالإجابات العاجزة والاعتذارات المخيبة كانت تأتي من خلف الجدران وعبر المكاتب الصحفية.

الدكتور رقية الذي استقبلنا في بيته، اعتبر ظاهرة الانترنت من أخطر ظواهر الاتصال الفضائي نظراً لإمكانية نقل أي معلومة بأي شكل كان إلى أي مكان من خلال الشخص العادي وحتى أكبر مؤسسة إعلامية، والأخطر فيها هو نقل المواد الفيلمية عبر اليوتيوب أو التويتر أو الفيسبوك، وهذه الوسائل الثلاثة، والكلام للدكتور رقية، تديرها أيادي الصهيونية العالمية والمخابرات الغربية، وعلى الرغم من أن نسبة المتابعين العرب على الانترنت مازالت قليلة، إلا أن الكثير من المحطات الفضائية جل أخبارها تنقلها من هذه المواقع المشبوهة، وظهر ذلك جلياً من خلال تركيب العديد من الأفلام المفبركة عن سورية في هذه الأحداث والتي نقلتها فضائيات العهر بشكل مقصود على أنها صحيحة دون إسناد لزمان أومكان وتركيب أي صوت على أي صورة، وتحوير الأصوات والمشاهد لدرجة جعلوا المسيرات أو الاعتصامات المؤيدة على أنها معادية.

إحصائيات

وقدم د.رقية بعض الإحصائيات عن عدد الفضائيات العربية التي وصل عددها في بداية عام 2014 حسب تقرير اتحاد الإذاعات العربية الأخير  إلى 1320 قناة حكومية وخاصة , منها 168 محطة حكومية و 1152 محطة خاصة متنوعة التخصص , منها 151 قناة للدراما و146 قناة رياضية و126 قناة دينية و124 قناة للمنوعات الغنائية و66 قناة إخبارية و 210 قناة ربحية لاتتوفر فيها أدنى مقومات العمل التلفزيوني وتروج لمعتقدات سخيفة كالسحر وطرد الجان وقراءة الحظ وتفسير الأحلام  والتنبؤ بالمستقبل والجنس وغيرها، وهناك قنوات أخرى وثائقية، وتعليمية، وسياحية، واقتصادية، وثقافية، وقنوات خاصة بالأطفال، وهناك 268 قناة مشفرة.

وتتصف الكثير من المحطات، برأي د. رقية، بعدم التزامها بالحد الأدنى من الشعور بالمسؤولية، وتلتزم بالأجندات المعادية للعرب كمحطات الانحطاط  الأخلاقي “المحطات الإباحية”، فهناك أكثر من 320 قناة فضائية إباحية يملكها رجال أعمال عرب، وفي طليعتهم المصريون، والقطريون، تبث من الأقمار الأوروبية، و30 محطة إسرائيلية إباحية موجهة للعرب، معظمها تبث بدبلجة عربية، وتغزو هذه القنوات عقل المشاهد وغريزته، وخاصة الشباب المراهق، والتي تستهلك من جيبه، وعقله، وصحته، ودراسته، ووقته، ولا تعطيه سوى السموم، إضافة إلى المسلسلات الموجهة، وخاصة المدبلجة والمترجمة من الدول الأخرى، وأفلام الكرتون الموجهة للأطفال التي توجد في الكثير منها الإيحاءات الجنسية!.

اقتراحات هامة

د. رقية وضع أية خطوة تتم لمواجهة الحملات الإعلامية الموجهة لتدمير بلدنا ومجتمعنا في خانة الضرورة، وخاصة لناحية البث عبر النت، أو البث الفضائي، مقترحاً العمل على تحديد البث الفضائي عبر الكبل السلكي أو اللاسلكي في كل مدينة أو منطقة أسوة بالدول الغربية التي تستخدم هذه التقنية في إيصال البث الفضائي عبر اشتراكات محددة يتم من خلالها اختيار القنوات الرصينة والموضوعية التي لا تسيء إلى المجتمع أو المشاهد، وتقدم كل المعطيات المفيدة علمياً، أو معلوماتياً، أو دينياً، أو أخلاقياً، وبالتالي تتم فلترة كل قنوات العهر الإعلامي، أو الديني، أو الأخلاقي، ويتم الحد من ظاهرة ملايين الصحون على الأسطح المشوّهة للمنظر، والتي تبعث على التلوث البصري المسيء، واتفقنا معه على أنه إذا كان من الصعب إيقاف المد الفضائي والالكتروني، فيجب أن نمتلك سبل التخفيف من سطوتها على المجتمع باستخدام كل الطرق الممكنة،  كزيادة عدد المحطات الفضائية الوطنية الخاصة الملتزمة بالنهج القومي الممانع ضد الغزاة التي تبث من سورية أو من خارجها، لأنها ستشكّل الدرع الإعلامي الواقي لهذا النهج، وتشكّل أذرعاً هجومية ضد قنوات الفتنة وسفك الدم، ليس فقط على مستوى سورية، وإنما على مستوى المنطقة العربية كلها، لأن للحرب الإعلامية دوراً كبيراً في النصر النهائي، كما يجب اعتماد قنوات فضائية تبث باللغات الأجنبية الحية لإيصال صوتنا، وحقيقة الأوضاع إلى العالم الخارجي، وإطلاق الحريات الإعلامية بكوادرها الوطنية المختلفة على مختلف المنابر لتساهم في التصدي للعهر الإعلامي غير المسبوق في هذه الحرب الكونية، خاصة أن امتلاك وسائل الإعلام الفضائية، واستثمار الأنترنت يشكّلان الآن ضرورة لمجابهة الأعداء، ولذلك يجب التنسيق مع الدول الصديقة لامتلاك منظومات فضائية قادرة أن تبث لكل أنحاء العالم،  وتعمل وفق توجهاتنا وحاجاتنا، وهي من حيث المبدأ ذات جدوى اقتصادية كبيرة، وجدوى إعلامية عظيمة، فمثلاً تعمل في روسيا أكثر من 25 منظمة وشبكة وشركة في مجال الاتصالات الفضائية، وأقمارها تدور في المدار الثابت والمنخفض والاهليلجي، كما تملك الصين والهند أقماراً مشابهة، وتوجد بعض الأقمار التي تخدم دول جنوب شرق آسيا بشكل مشترك، وتديرها منظمات اتصالات إقليمية يمكن التعاون معها.

“الضحك على اللحى”

تجربتنا الثانية مع المسؤولين عن قناة تبث عبر الشبكة، وما لاحظناه من معطيات عزز من قناعتنا بأن كل ما يقال حول التلفزيون الرقمي مجرد تهيؤات ليس لها وجود على أرض الواقع، وبالعامية (الضحك على اللحى)، فعدم تجاوب وتعاون المسؤولين عن هذه القناة يثبت أنها لم تحقق أي تقدم في مجال التلفزيون الرقمي، وليست سوى تسمية فقط، حيث لا توجد لدى المسؤولين أية معلومات أو خطوات إيجابية يفصحون عنها، واحباط محاولاتنا للقاء معهم يثبت هذه النظرية، خاصة أن سؤالنا لبعض المختصين والمقربين من هذه القناة يؤكد فرضية ضعف أدائها، وإخفاقها في المهمة التي أحدثت من أجلها، وقد تابعنا برامجها عبر النت، إلا أننا لم نستطع المتابعة نظراً لسوء البث وتقطعه بشكل متواصل، عدا عن نوعية البرامج التي لم ترق لنا كمشاهدين، وهنا نسأل عن الهدف الذي تسعى القناة لتحقيقه؟ وما هي طبيعة وماهية الرسالة التي تؤيد توجيهها ولمن؟ أي من هو جمهورها؟.. ولذلك نتمنى من الجهة المسؤولة عنها تقديم أية معلومات عن عدد متابعيها، وطبيعة برامجها التي تمتلك أية خصوصية من ناحية المضمون الذي يحقق لها الانتشار!.

أكثر كفاءة

بعد فترة طويلة من  المتابعة والبحث، وصلنا إلى محطة “السراب الرقمي”، فما رصدناه من خطوات عملية في مجال تلفزيون النت أحبط عمليات تلقفنا للأخبار التي تدعم التوجه نحو بنية إعلامية أكثر كفاءة وقدرة على الانتشار، وطبعاً لا نريد إطلاق الأحكام المبرمة بالفشل، ولكن ذلك لا يمنعنا من التأكيد على سلبية تعاطي الجهات المعنية، سواء كانت أخفت المعلومات عنا عن قصد، أو كانت فعلاً لا تمتلك أية معلومات عن خطوات تنفيذية تمت أو ستتم في هذا المشروع، ففي كلتا الحالتين هناك مسؤولية مباشرة لا يمكن إغفالها عن الجميع، وخاصة بعد تصريحات مسؤولة يشكك الواقع الفعلي بصلاحيتها، وسلامة توجهاتها، وباختصار (بكفي؟!).

بشير فرزان

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]