الأوراق الرابحة بعيداً عن مخاطر المقامرة في السوق..عقارات أصحاب الإنفاق الترفي للاستعراض وليس للتداول

 

 دمشق – الخبير السوري:

ربما لا نبالغ إن حملّنا أصحاب العقارات الفاخرة مسؤولية تطرف سوقنا العقارية ولو بشكل غير مباشر، نظراً لتكريسهم –ولو بغير قصد- قاعدة (العقار هو الملاذ الآمن للحفاظ على السيولة) على اعتبار أن قسماً منهم يوظف جزءاً من أمواله في هذا المجال تخوفاً من أزمات محتملة ولو بعد حين، والقسم الآخر يحوِّل إيرادات أعماله إلى أصول عقارية فاخرة، بدلاً من توسيع استثماراته، ليصل الحال ببعض رجال أعمالنا إلى التركيز على المضاربة بالعقار على حساب الاستثمار في  القطاعات الأخرى الخدمية منها والإنتاجية، ليس هذا وحسب بل إن كثير ممن يملكون محاضر أو أجزاءً منها يبقونها على أمل أن ارتفاع الأسعار أكثر وأكثر، وتكون المحصلة الإخلال بمشهد قطاع أعمالنا، الذي يفضل رواده الظهور وبكامل بريستيجهم الاقتصادي والاجتماعي وكأنهم صناع اقتصادنا الوطني، في حين استثماراتهم الحقيقية تملأ الدنيا تحت مسميات أجنبية برّاقة…!.

بورصة مخملية

وبالتفاصيل ..يلاحظ من يسبر أغوار العقارات الفارهة وحيثيات أصولها، بأنها  بمنأى عما آلت وتؤول إليه السوق العقارية، وما أصابها ويصيبها من اهتزازات، سواء خلال فترة الأزمة، أم قبلها، ما يؤكد أنها خارج إطار تجاذبات السوق العامة، وأنها تخضع لبورصة مخملية خاصة بكبار المستثمرين، ممن يعتبرون امتلاك المنزل الفخم ضرباً من البريستيج الاجتماعي، ومؤشراً يدل على مدى الملاءة المالية لدى مالكه، وليس حاجة ضرورية وملحة حسب ما هو متعارف عليه لدى بقية الفئات، وبالتالي لا يدخل في معادلة العرض والطلب في معظم الأحيان، لأن معظم ملاك هذا النوع من العقارات لا يشترونها بغية المتاجرة بها وارتفاع أسعارها لاحقاً، وإنما بهدف (المباهاة) بها اجتماعياً في حفلاتهم وولائمهم الخاصة…!.

مفارقة

يكاد يجمع معظم أصحاب المكاتب العقارية على أن عرض العقارات الفارهة (شقق سكنية – مزارع – فلل) أكبر من الطلب، ورغم ذلك لا يصرّ معظم أصحابها على بيعها أو يتهاونون بسعرها، لعدم اضطرارهم للبيع وامتلاكهم السيولة المناسبة لتسيير أعمالهم، وفي حال حاجتهم الماسة للسيولة يتوجهوا لتسييل جزءاَ مما يمتلكونه في البورصات العالمية، كما أن من يبيع عقاراً من هذا النوع غالباً ما يكون بهدف إنشاء مشروع استثماري يحتاج إلى سيولة كبيرة.

مساكن خالية 

ربما لا يخفى على المتجول في أحياء المزة أتوستراد والمالكي وغيرها من هذه المناطق ملاحظة وجود خلو نسبة كبيرة من مساكنها، لدرجة أنه ينتاب البعض شعوراً بأنها مهجورة، وهنا يوضح صاحب مكتب عقاري أن أصحابها إما أنهم مغتربين خارج القطر ولا يرتادونها إلا في بعض المواسم والأعياد الخاصة، أو أنهم يقطنون في مزارعهم المنتشرة بضواحي العاصمة وأطرافها، وتَنَدّرَ صاحب المكتب بأسلوب لا يخلو من الجدية قائلاً: (بعضهم لا يعرف ما يملك من شقق سكنية) فكثير منها مسجل بأسماء أولادهم وزوجاتهم وذوي القربى لاعتبارات تتعلق بالضريبة وما شابه.

تأثير محدود

وحول تأثير الأزمة على هذه العقارات بيّن صاحب المكتب أنه محدود جداً نظراً لامتلاك معظم مالكيها أصولاً عقارية في بلاد الاغتراب تغنيهم عن بيع ما يمتلكونه محلياً، وإلى جانب أن معظمها موجودة في المناطق الآمنة، فلا يستطيع أي طالب للسكن –حتى مجرد التفكير- بشرائها نظراً لأسعارها الفلكية، فهي مخصصة فقط لأعضاء نادي الأثرياء إن صح التعبير.

في سياق متصل يؤكد تاجر عقارات في ريف دمشق أن فلل يعفور والصبورة ترتقي إلى مستويات عالية من الفخامة والإبداع العمراني بحيث تلبي رغبة الشريحة المخملية لقاطنيها، لدرجة أنها تغنيهم عن الإقامة بفندق خمس نجوم، فقاطنيها يشعرون أنهم في رحلة استجمام دائمة، كونها مجهزة بجميع مستلزمات وأغراض الراحة والرفاهية، ومع ذلك نجد أن لمعظم ملاكها شققاً فاخرة في أحياء راقية كالمالكي وأبو رمانة وكفرسوسة، وربما امتدت حيازاتهم السكنية  إلى ما وراء البحار، فكثيراً ما نسمع عن تملك رجال أعمال سوريين لفلل وشاليهات في الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها من دول العالم.

تفرد

لا يقتصر السكن العشوائي في سورية على ذوي الدخل المتدني بل للطبقة الارستقراطية نصيبا منه، ويتجلى ذلك واضحا في مزارع وفلل يعفور التي بني أغلبها في مناطق زراعية غير منظمة، وبأسعار تقدر بعشرات الملايين، ما أثار حفيظة بعض الغيورين تجاه الغزو العقاري للأراضي الزراعية في ظل غياب إستراتيجية واضحة للحفاظ على الحيازات الزراعية، معتبرين أن هذا البناء العشوائي المصنف بسوية الخمس نجوم إحدى مفرزات المنظومة العقارية السورية المتفردة بخصوصية تميزها عن المنظومات الأخرى العالمية منها والإقليمية، فمن المعروف عالميا – حسب أحد أصحاب المكاتب العقارية – أن هذا المنتج العقاري المخصص عادة لطبقة الـVIP له ميزات خاصة ليس أولها خضوعه لأسس تنظيمية وعمرانية تتناسب مع مستوى معيشة قاطنيها، وليس آخرها تأمين البنية التحتية والخدمات الملائمة لهذه المجمعات السكنية، لاسيما أنها تستثمر سياحيا في كثير من الأحيان.

واجهة

في المقابل برر البعض الآخر التوسع باتجاه يعفور عبر التركيز على بناء الفلل والقصور ولو على حساب الأراضي الزراعية، بأن هذه المنطقة واجهة دمشق الغربية ولها مستقبل عقاري زاهر بدأت ملامحه تتبلور من خلال دخول شركات استثمارية عربية وأجنبية، إلى جانب أن هذه الوحدات السكنية الفارهة هي محط أنظار لكبار موظفي البنوك والشركات الكبيرة سواء من جهة التملك أو الإيجار، وبالتالي تحرك السوق المحلي وتشكل مصدرا للقطع الأجنبي.

مؤكد أننا لا ننظر إليهم بعين الحسد – على الأقل عملاً بالمثل الشعبي المعروف (لكل مجتهد نصيب) – ولكن ألا يحق لنا التساؤل هنا عن الكتل النقدية المجمدة في هذه القطاع دونما تحقيق قيماً مضافة يمكن الحصول عليها فيما لو وظِّفت في قطاعات إنتاجية لاسيما إذا ما علمنا أن سعر الفيلا يصل إلى مئات الملايين؟ أو لو تم استثمارها في نفس القطاع لبناء ضواحي سكنية من شأنها المساهمة بحل مشكلة السكن؟

حسن النابلسي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]