قانون استثمار أموال الأيتام في عهدة القلم الأخضر ..وإيجابية الأهداف تحظى بالإجماع

 

 

أربع وثلاثون سنة تقريباً مضت، أي من عام 1982 تحديداً واقتراح قضاة الشرع آنذاك لفكرة قانون استثمار أموال الأيتام المجمدة في المصارف بفوائد ربوية لا تتماشى مع الشرع.. لايزال حتى يومنا قيد الدراسة، ويخضع للمزيد من التعديلات المستقاة من تجارب الدول الأخرى، حيث يحرص المشرع على البدء من حيث انتهى الآخرون والاستفادة من الهفوات والأخطاء للوصول إلى صيغة قانونية صحيحة تحفظ الحقوق، وتخدم الهدف النهائي المتمثل بإحداث مؤسسة لاستثمار أموال الأيتام بطرق قانونية وعقلية تجارية ربحية حاضنة لمصالح الأيتام وخاضعة للرقابة والمساءلة القانونية.

وبعد هذه السنوات الطويلة من الدراسة والتدقيق والاطلاع .. أين وصل هذا القانون، وهل باتت ولادته قريبة؟.

مستمرون بالعمل

كالعادة الجلوس في مكتب محمود المعراوي القاضي الشرعي الأول في دمشق ورئيس لجنة إعداد قانون مشروع أموال الأيتام منحنا فرصة التعرف على الكثير من القضايا التي يعاني منها مجتمعنا بما فيها قضايا الأيتام وأموالهم التي كنا شهوداً على الكثير من تفاصيلها وخاصة معاناة الأمهات اللواتي يحاولن إنقاذ أسرهن من الفقر والعوز من خلال الحصول على موافقة للتصرف ببعض الممتلكات أو الأموال المجمدة العائدة لأبنائهن الأيتام، وهنا نسجّل التقدير للمعراوي الذي كان حريصاً على تسيير أمورهن وتسهيل الإجراءات للحفاظ على هذه الأسر وإبعادها عن الحاجة وسؤال الناس.

إجابات توضيحية

المعراوي الذي استقبلنا في مكتبه لأكثر من ساعتين، كان دقيقاً في إجاباته  التي بيّن من خلالها المرحلة التي وصل إليها  المشروع وموضحاً معنى اليتيم لغوياً وفقهياً، حيث عرّفه بأنه من فقد والده ولم يبلغ سن الرشد (الحلم – البلوغ )14-15، لافتاً إلى أنه لا يوجد تعريف لليتيم في قانون الأحوال الشخصية، ولكن هناك تعريفاً للقاصر وهو الذي لم يبلغ سن الرشد المحدد بـ 18 سنة، أي ناقص الأهلية.

وأشار إلى أن اليتيم مشمول بتعريف القاصر، فكل يتيم قاصر وليس العكس، وكل من يبلغ سن الرشد، وكان فاقداً للأهلية أو ناقصها مثل المجنون والمعتوه والسفيه والمغفّل، كما يدخل في مفهوم القاصر الغائب والمفقود، ويتولى أموره القاضي الشرعي وهؤلاء جميعاً سواء كانوا (اليتيم أو القاصر وناقص الأهلية ) لا يسمح للنائب القانوني عنهم بإجراء أي تصرف بأموالهم، فهم بحاجة في جميع التصرفات المالية المتعلقة بهم إلى نائب قانوني يعيّن من قبل القاضي الشرعي لإدارة شؤونهم، وهذا النائب القانوني لايجوز له، حسب قانون الأحوال الشخصية، أن يتصرف بأموالهم إلّا بموافقة مسبقة من القاضي الشرعي.

فمثلاً لبيع عقار القاصر يجب أن يتقدم النائب الوصي أو الولي على القاصر بطلب من أجل بيع هذا العقار للقاضي الشرعي الذي يقوم بتعيين خبير مهني والانتقال إلى موقع العقار وإجراء الكشف عليه وتحديد أوصافه وقيمته الشرائية وبيان فيما إذا كانت هناك مصلحة للقاصر بهذا البيع، ثم يتقدم الخبير بتقرير للقاضي الشرعي الذي يدرس التقرير ثم يعطي الموافقة بالبيع أو عدم الموافقة في حال عدم وجود مصلحة ظاهرة في هذا البيع.

وأوضح المعراوي فيما يتعلق بالشهداء الذين يتركون أولاداً قاصرين، ففي حال وجود الجد فإنه يعتبر ولياً مجبراً حسب قانون الأحوال الشخصية، وله الولاية على مال القاصر ونفسه (التوجيه والتأديب) لتحديد مستقبله، أما في حال وفاة الجد فقد جرت العادة بتعيين الأم وصياً شرعياً على أولادها القاصرين لإدارة شؤونهم المالية، وتبقى الولاية على النفس للأقارب العصبات، وهم الآباء وأبناؤهم ثم الأبناء وأبناؤهم ثم الأخوة وأبناؤهم، وثم الأعمام وأبناؤهم (الولاية عن النفس ).

وفي حال كانت الأم متزوجة من غير قريب لزوجها المتوفى فتعين أم الأم أو العم وصياً على القاصرين.

صفة خاصة

وقال المعراوي: إن أموال القاصرين كانت تودع في مصرف التسليف الشعبي ضماناً لهم لحين بلوغ السن القانوني /تودع بفائدة / ولكن في ظل هذه الأزمة، وتدني سعر العملة، وللضرر الكبير الذي لحق بأموال القاصرين لانخفاض القيمة فإنني قمت بصرف أموال القاصرين للولي المجبر بموافقة الأم لتأمين مسكن أو بناء مسكن للقاصرين، وكذلك صرف حصة للقاصرين للأم بموافقة الولي المجبر أو العم في حال فقدان الولي وعلى مسؤولية الطرفين،

واعتبر المعراوي المفقودين بحكم القاصرين، لافتاً إلى أن التعامل مع أموالهم له صفة خاصة، فربما يعود الأصل لاستلام أمواله، والمفقود هو من مر عام على فقدانه، ويحتاج إثبات هذه الواقعة إلى 2 من الشهود وانقطاع عن العمل وضبط شرطة، وإذا حكم بفقدانه بعد أربع سنوات تعود الفائدة لأسرته.

مؤسسة استثمارية

وأضاف: تقدمنا باقتراح لاستثمار أموال الأيتام عن طريق مؤسسة أو هيئة في كافة المجالات، حيث تم تقديم المقترح لوزارة العدل التي وجهت من أجل العمل على إنشاء هيئة لاستثمار هذه الأموال دون تصور مسبق للناحية الجزائية والضمانات، وأنه جرى تكليفه كقاضٍ شرعي بإعداد قانون لإدارة أموال الأيتام.. ولفت إلى أنه تم الاطلاع على القوانين لاستثمار وإدارة الأموال في الدول المجاورة، والأبحاث المقدمة في هذا المجال، قبل البدء بصياغة مشروع القانون لتتم الاستفادة من جميع القوانين المجاورة، والأخذ بأفضل صياغة لطريقة قانونية.

وبين المعراوي أن اللجنة المكلفة بإعداد القانون وإنشاء مؤسسة استثمار أموال الأيتام  بدأت منذ عام ونصف تقريباً بالدراسة، وأنهت خلال الأشهر القريبة الماضية عملها وطرحته على لجان خبيرة (مالية وقانونية) ثم تم تقديمه لوزارة العدل التي قامت بتوزيعه على وزارات متعددة وجهات استشارية لوضع ملاحظاتها، وبعد دراسة الملاحظات المقدمة من قبل رئيس دائرة التفتيش القضائي تم رفعه مرة أخرى للوزارة ورفع إلى مجلس الوزراء لمناقشته ومن ثم إقراره.

هوية العمل المؤسساتي

ولخص لنا المعراوي ما انتهى إليه المشروع بعد أشهر من الدراسة والتدقيق بأنه ستكون هناك مؤسسة مستقلة تتبع إدارياً لوزارة العدل، وستكون تحت إشراف القضاء الشرعي، خوفاً من انحرافها عن المرجعية الشرعية، وحفاظاً على الأموال، ولهذه المؤسسة مجلس إدارة يترأسه رئيس محكمة النقض في القضاء الشرعي (أقدم قاض)، وهو رئيس المؤسسة بصفته الوظيفية، والمجلس مكون من أشخاص من جهات مختلفة كالأوقاف، والتربية، وغرف التجارة، والصناعة، ومن ذوي الخبرة في مختلف المجالات: (الإدارية، والقانونية، والتجارية، والصناعية، والزراعية، والعقارية)، والتي سيتم الاستثمار فيها.

وبالنسبة لنظام التوظيف خلصت اللجنة إلى أنه نظام خاص لا يخضع لقانون العاملين، والحوافز، والمكافآت حسب الإنتاج، وليس ثمة سقف، ولكن وزارة العدل جعلت تعيين الموظفين خاضعاً لقانون العاملين الأساسي، وتعيين المدير العام، ورؤساء الفروع يتم من قبل مجلس الإدارة، وليس من قبل الوزير، وهذه نقطة مفصلية للمؤسسة واستقلاليتها، وعن موضوع الضمانات أكد أن أموال المؤسسة ستعامل معاملة المؤسسة العامة، والتعدي على أموالها يندرج ضمن عقوبات الاختلاس والمال العام.

وتابع المعراوي ليقول لنا بلهجة الواثق: لتلافي الأخطاء، وسد الثغرات، وبعد الأخذ برأي الاختصاصيين، أعدنا صياغة 65 مادة من القانون، بحيث تحقق الغاية والهدف المطلوب منها، ولفت في نهاية حديثه إلى أن وزارة المالية لم توافق على إعفاء أموال المؤسسة المحدثة من الضرائب والرسوم.

خطوة إيجابية

الكثير من المحامين الذين التقيناهم في استراحة القصر العدلي وصفوا أو وضعوا مشروع القانون في خانة الخطوة الإيجابية التي سيتم من خلالها تحويل اليتيم إلى منتج، وإيجاد مورد للأيتام، ومن ضمنهم أبناء الشهداء، واستثمار أموالهم المودعة في البنوك التي تقدر بالمليارات دون أن تعود عليهم بالفائدة، بل على العكس تنخفض قيمتها المالية، وأضافوا: في مشروع القانون شق تجاري، وآخر قانوني، وهو مزيج بين الصفة العامة والخاصة، أو يمكن أن نسميه قطاعاً مشتركاً، فمؤسسة إدارة أموال الأيتام ستكون لها صفات القطاع المشترك، حيث إن مالها خاص، في حين ستتم إدارتها بعقلية العام، أي مؤسسة خاصة، مواردها أموال القاصرين والأيتام، ولها ميزات المؤسسات العامة من ناحية الحماية، والضمان، وحماية المال العام من حيث الاختلاس، واتفقوا خلال النقاش على أن فكرة المشروع مؤيدة من كل أطياف المجتمع، وتضع نواة للتنمية والادخار.

إجماع على المشروع

المحاولات المغرضة، والشائعات التي يسوقها البعض للطعن في مصداقية المشروع وأهدافه، وزعزعة الثقة بقانونية خطواته، يقابلها، حسب ما أجمعت عليه لقاءاتنا مع المراجعين لدائرة الأيتام، والآراء التي خلص إليها الكثير من المختصين في العمل التجاري، قبول شعبي ورسمي لمشروع قانون استثمار أموال الأيتام، فإيجابية أهدافه تدفع به وبقوة إلى ساحة الإقرار، وهذا ما هو متوقع خلال الأسابيع القادمة.

 

بشير فرزان

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]