المقاولون من فئة “أبو شحاطة” ينحدرون بسمعة القطاع إلى ما دون عتبة الاحترام

الخبير السوري:

يبدو أن الحاجة الماسة لرأس المال المقاول خلال السنوات الطويلة الماضية أفسحت المجال لممتهني الربح السريع والأكيد للدخول بعشوائية إلى قطاع المقاولات، حيث أضحى هذا القطاع “دجاجة تبيض ذهباً” للمقاولين الذين تحولوا من قطاعات عمل مختلفة (زراعية- تجارية –صناعية) للعمل في هذا المجال، والسؤال الأبرز إلى متى سيبقى هذا القطاع يفتح مصراعيه لمتسوّلي الربح على حساب المشاريع العامة الإنشائية؟ وهل من المعقول تحييد الكوادر الهندسية التخصصية التي تصرف عليها الدولة ملايين الليرات السورية خلال مختلف المراحل الدراسية، وإبقاؤهم خارج مضمار المقاولات وفي أحسن الأحوال نجدهم في الدرجة السادسة أو الخامسة، بسبب تصنيف بغيض للمقاولين صبّ جلَّ اهتمامه على القيمة المادية للمشاريع التي نفذها هذا المقاول أو ذاك، ودون أدنى اهتمام بالناحية الفنية للمشاريع المنفذة والسيرة الذاتية للمقاول ومدى تأهيله العلمي وما إلى ذلك.
شريعة الغاب
فآلية التصنيف المعتمدة في نقابة المقاولين تقوم في مجملها على شيئين أساسيين، الأول عدد المشاريع التي تم تنفيذها من هذا المقاول والثاني القيمة المالية للمشاريع التي نفذها، ولم تذكر هذه الآلية أي شيء عن السيرة الذاتية ولا حتى عن نوعية الأعمال التي نفذها، ومن خلال الآلية المتبعة في التصنيف تعطى للمقاول درجة تحدد من (الدرجة السادسة إلى الدرجة الأولى) ومن خلال هذه الدرجة يتم تحديد قيمة المشاريع التي يسمح للمقاول بتنفيذها، فالمقاول من الدرجة السادسة يسمح له بتنفيذ مشروع بقيمة تتراوح بين مليون وخمسة ملايين ليرة، أما إذا كان من الدرجة الخامسة فالقيمة تتراوح بين 5ملايين و10ملايين ليرة سورية، بينما المقاولون من الدرجة الرابعة يسمح لهم بتنفيذ مشاريع قيمتها من 10 ملايين إلى 25مليوناً، والدرجة الثالثة من 25 مليوناً إلى 75 مليوناً، والثانية من 75 مليوناً إلى 150مليوناً، أما المقاول من الدرجة الأولى أو الممتازة فتسمح له الآلية بتنفيذ مشاريع قيمتها أعلى من 150 مليون ليرة سورية، وحسب نقابة المقاولين لا يحق للمقاول اختيار المشروع من خارج حدود المبالغ وضمن الدرجة المصنف بها، إلا أن أحد المهندسين المقاولين وصف واقع الأمر بأنه يسير عكس النصوص وعلى مبدأ “السمك الكبير يأكل السمك الصغير” وقال: يستطيع المقاولون ذوو التصنيف والدرجات العالية أخذ مشاريع الدرجات الأقل أي أن المقاول من الدرجة الأولى مثلاً يستطيع التقدم لتنفيذ مشروع تقل قيمته عن 150 مليوناً وأحياناً ينفذ مشاريع قيمتها المالية 5 أو 10 ملايين وهي من المفترض أن تكون حصة مقاولي الدرجة السادسة، بينما لا يسمح العكس فلا يسمح للمقاول من الدرجات الدنيا تنفيذ مشروع يفوق الدرجة المصنف بها.
ضبط
مهندس آخر رأى أن عملية التصنيف المتبعة تتم دون النظر إلى جودة المشاريع ونوعيتها وسرعة تنفيذها وأداء العاملين ضمن هذه المشاريع، بل يعتمد على القيمة المالية فحسب وهذا خطأ كبير، وبيّن أن التصنيف الحقيقي يجب أن يكون حول السيرة الذاتية للمقاول ومدى تأهيله العلمي ونوعية المشاريع التي قام بها، فالقدرة المالية ربما لا تتوفر دائماً لدى المقاولين ذوي الخبرة والكفاءة.
والسؤال الأبرز هنا هل يجب أن يكون المقاول الإنشائي مهندساً؟..
هناك من رأى أنه من الطبيعي أن يكون المقاول مهندساً متخصصاً، ولكن ماذا لو لم يمتلك هذا المهندس رأس مال كافياً لتنفيذ المشروع؟ وفي هذا المنحى أوضح أحد المهندسين وهو يعمل لدى شركة مقاولات كبيرة أن كون المقاول مهندساً هذا لا يعني بالضرورة إلغاء دور أصحاب الأموال الطائلة من المشاركة في تنفيذ المشاريع الحيوية والمهمة في البلد، وذلك عن طريق تشجيع إنشاء شركات مقاولات تتضمن هيكلية فعالة (مجلس إدارة- مكتب فني- مكتب تخطيط- دراسات- مهندسي تنفيذ- عمال….إلخ) ضمن إطار تحدده نقابة المقاولين بالتنسيق مع وزارة الإسكان والاقتصاد وهيئة تخطيط الدولة، ورأى المهندس ذاته أن هذا من شأنه منع الفوضى في سوق العمالة والتنافس غير الشريف، كما يحد من البطالة، ويساعد على رفد شركات القطاع العام بشركات اختصاصية ترفع مستوى الأعمال المنفذة إلى أفضل الحالات الفنية.
مأسسة
في الواقع هناك شريحة لا بأس بها من المهندسين أصحاب الخبرة والكفاءة العالية، وقد قاموا بأعمال نوعية في القطاع العام وانتقلوا لممارسة أعمالهم الخاصة ضمن نقابة المقاولين، وهم في مجملهم -حسبما علمناه ممن التقيناهم- لا يمتلكون الأموال الكافية التي تمكنهم من التقدم لتنفيذ المشاريع الضخمة، وتم إغفال دورهم كمقاولين صغار في المشاريع الصغيرة التي تنفذ ضمن القطاع العام، ومن هنا لمسنا طلب بعضهم ضرورة تنظيم عملهم والاستفادة منهم في المشاريع الكبيرة من خلال رفد شركات المقاولات الكبيرة بمثل هؤلاء، حتى لا تهمش هذه الشريحة وتنكفئ أعمالها ضمن مقاولات بسيطة لا تتناسب مع خبراتها، وأيضاً سن قوانين جديدة من نقابة المقاولين تخص مقاولي الإنشاءات لتحفظ حقوقهم وتهتم بشؤونهم.
كما تطرق أحد المهندسين إلى الغياب الكامل لنقابة المهندسين، حيث وصفها بأنها تقف موقف المتفرج والجامع لأموالهم وتساءل: لماذا لا تقوم باحتضان هذه الشريحة ضمن مؤسسات تابعة لها تقوم بتمويل مشاريع هندسية إنشائية نوعية وتشغل أموالها بما يحقق الفائدة لها وللوطن، وتزيد من مشاركتها الفعالة على أرض الواقع.
مقاول “نص كم”
في مقابل ذلك هناك شريحة كبيرة من مقاولي الإنشاءات لا تمتلك كفاءات علمية هندسية مناسبة، وهناك من ذهب إلى أبعد من ذلك وقال: إن الكثير من المقاولين ليس لديهم أدنى مستوى علمي ينعتون بتسمية مضحكة في مجتمع المقاولين “مقاول أبو شحاطة” وهؤلاء يأخذون المشاريع بصورة غير مدروسة غير أنهم يملكون الأموال حتى إن جزءاً منهم انتقل من أعمال بعيدة كل البعد عن الأعمال الإنشائية، وهم في الغالب يستعينون بمهندسين وهميين، ويكون المشرف على المشروع عبارة عن رئيس ورشة مع عمال عاديين، وتكون النتيجة سوء التنفيذ لأن غاية مقاول من هذا النوع هي الربح والربح الأكيد، وبالتالي يستطيع هذا المقاول وفق الآلية المتبعة أن ينتقل من درجة لأخرى ببساطة لأنه حقق الشرط المالي، وفي بعض الأحيان قد يستعين هذا المقاول بمهندس اختصاصي لكنه يبقى يتحكم بعمله، فيطلب منه على سبيل المثال تخفيض النفقات من خلال التلاعب بنسبة المواد، فإذا لم يقبل أعفاه من عمله، أما إذا قبل فيكون هذا المهندس عرضة للمساءلة القانونية التي قد تحدث لاحقاً.
ختاماً
يتبيّن مما سبق أن ثمة حالة من الترهل تعتري كلاً من نقابتي مقاولي الإنشاءات والمهندسين، ما حدا ببعض المهندسين العاملين في قطاع المقاولات إلى أن يطلقوا صرختهم عبر الإعلام لإعادة النظر في قوانين كلتا النقابتين على اعتبار أنهما مرتبطتان بعضهما ببعضهما الآخر، حيث تستطيع كل من نقابة المهندسين من خلال أطر عمل جديدة -حسب رأي هؤلاء المهندسين- ونقابة المقاولين من خلال تنظيم شامل لعملها، والتنسيق فيما بينهما، تنفيذ مشاريع بمستوى عالٍ، ناهيك عن إمكانية الحد من البطالة المقنّعة في أوساط المهندسين التي تتمثل في الاستكانة لأعمال مكتبية أو أعمال إنشائية بسيطة لا تتناسب مع إمكانيات أغلبهم، فثمة واقع مؤلم -حسب وصفهم- يتأتى من أن كثيراً من المهندسين يقبعون خلف طاولات جامدة تكسوها أوراق متراكمة تتمثل ببريد روتيني وكل ذنبهم أنهم لا يمتلكون أموالاً كافية تمكنهم من تنفيذ مشاريعهم الخاصة ولا يجدون من يأخذ بيدهم ويفعّل دورهم ويحفظ حقوقهم ويحترم كفاءتهم، ومنهم من ذهب إلى أبعد من ذلك فقال: لدينا في أوساط المهندسين خبرات يمكن أن تغنينا -إذا ما أحسن استغلالها- عن الاستعانة بالدراسات الخارجية والخبراء الأجانب.

تعليق 1
  1. تمام بركات يقول

    المقال مهم ، وما يطرحه يدخل في صلب أزمة التدهور الأخلاقي والأنساني الحاصل في البلد على كل المستويات ، ولكأن الجهل والخسة شريكان في الحرب على أبنائه أيضا.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]