قانون التشاركية يثير جدلاً غير مسبوق ..متشائمون يصفونه با”الزواج غير المتكافي” ..ومتفائلون يعلنون نهاية حقبة عشوائية الـ BOT

رغم حالة الترقب والانتظار اللتان سبقت قانون التشاركية، والمراهنة على أن يحدث فارقاً في عمليتي الاستثمار والتنمية كونه يعتمد على مبدأ الاستدانة من المستقبل لإقامة المشاريع الإستراتيجية الضخمة الباهظة التكاليف، بمعنى أن تحصل الحكومة على المشروعات وما تقدمه من خدمات دون أن تتكلف عليها، أو أن تدفع تكاليفها على مدى سنوات طويلة وليس دفعة واحدة…رغم ذلك إلا أن ثمة انتقادات طالت هذا القانون فور صدوره سواء من الناحية التنظيمية حيث تمت مناقشته خلال أقل من يومين دون أن يطرح للنقاش العام أو مشاركة الجامعات ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام المحلية بمضمونه قبل إحالته إلى مجلس الشعب، أم من الناحية الفنية والتقنية والمتعلقة بالعملية الاستثمارية وتتخذ الانتقادات هنا شكل مخاوف من أن يكون هذا القانون خطوة نحو الخصخصة رغم التطمينات الحكومية بهذا الشأن كونه لا يتضمن نقل الملكية إلى القطاع الخاص لأنها أصولا مملوكة للدولة، إنما يهدف إلى تشجيع استثمار القطاع الخاص في مشروعات جديدة للبنى التحتية وخاصة في ظل تراجع الموارد المالية للحكومة، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين والاستفادة من قدرات القطاع الخاص ومرونته في مجالات التشغيل والصيانة والتسويق وتحسين الكفاءة وتخفيض الكلفة وزيادة سرعة انجاز المشاريع وتخفيض المخاطر أمام القطاع العام وتوفير فرص عمل جديدة.
الزخم لـ”العام” لا لـ”الخاص”..!.
ربما طبيعة المرحلة الحالية هي من تثير الهواجس من هذا القانون، لاسيما من جهة تنحي القطاع العام عن المشهد الخدمي وإفساح المجال أمام نظيره الخاص، وهنا يوضح نائب عميد كلية السياحة في جامعة دمشق الدكتور زكوان قريط أنه في أوقات الأزمات تلجأ كل الدول مهما كان نظامها الاقتصادي (رأسمالي – اشتراكي…الخ) إلى التركيز على القطاع العام وإعطاء زخماً أكبر له، بحيث يبقى هو من يقود الاقتصاد ويمتلك زمام المبادرة في هذا الشأن، معتبراً أن القانون في هذه الظروف هو سلبي وليس إيجابي، على عكس أيام الرخاء والاستقرار المواتية لمثل هذا القانون، كون أن القطاع الخاص يسعى دائماً إلى الربح وبالتالي لن يكون حنوناً -وفق وصف قريط – على المواطن مثل نظيره العام، وربما يسعى أيضاً لاستغلال الأنظمة والقوانين ويجيرها لصالحه تحت عنوان الشراكة ومتطلباتها..!.
ليس خصخصة
ولم يعتبر قريط أن هذا القانون هو خطوة نحو الخصخصة وإنما وصفها بزواج غير متكافئ سيتولد عنه أسرة فاشلة، مشدداً على ضرورة أن تبقى القطاعات الإستراتيجية مثل الكهرباء والاتصالات وغيرها بيد القطاع العام وعدم دخولها بشراكات مع الخاص، لاسيما وأن تجربة الجامعات الخاصة أثبتت فشلها في كثير من المناحي، مقترحاً أن يتم الاستعانة بالقطاع الخاص في بعض المفاصل الإدارية لشركات ومؤسسات القطاع العام، كأن يتم شخص ذو خبرة إدارية ومهنية عالية لتسيير وإدارة بعض الشركات العامة الخاسرة وتحويلها إلى رابحة، وليس الدخول بشراكة ومحاصصة بها مع الخاص..!.
العبرة بالتطبيق..!.
ربما الخلاف الأبرز هنا ليس على الشراكة وأهميتها في الاقتصاد الوطني، وإنما بكيفية تطبيقها بالشكل الأمثل، لاسيما وأن هناك أنماط عدة تنضوي تحت إطارها، أبرزها المشاريع المنفذة بناء على عقود الـBOT المستوردة من الخارج دون وجود نص أو تشريع قانوني ينظم عملها، ما أثار جدلاً حول تطبيقها في بلد بحاجة ماسة لمشاريع إستراتيجية تكلف الخزينة العامة مبالغ طائلة، فالبعض اعتبر أن وجود نص تشريعي يوطن عقود الـBOT بشكل قانوني، أو عدم وجوده سيان، على اعتبار أن المشاريع تُنجز على أكمل وجه وتفي بالغرض ولاسيما أنه يمكن اعتماد بعض المواد القانونية في الدستور السوري لإبرام عقود الـ BOT، والبعض يصر على ضرورة صياغة نص قانوني ينظم هذه العقود تفادياً للوقوع بتجاوزات تُهضم من خلالها حقوق أحد طرفي العقد من جهة، وعدم التزام الطرفين وخاصة المستثمر ببنود العقد من جهة أخرى، بينما يرى البعض الآخر أن قانون التشاركية يؤطر وينظم عقود الـBOT لكونه أحد أشكال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهنا يوضح الدكتور محمد خير العكام المتخصص بالشؤون المالية أن هذا القانون هو أكثر مرونة من الـBOT الذي أتى من منظومة الدول الأنغلو سكسونية، وأن القانون يدمج ما بين النظام القانوني اللاتيني والنظام القانوني الأنغلو سكسوني، كما أن القانون يركز على أكثر من صيغة من صيغ التشاركية، بمعنى آخر هو مزيج ما بين الـBOT وبين القطاع المشترك، أي أن يبقى القطاعين العام والخاص متشاركين في الملكية والإدارة طيلة حياة المشروع.
وأشار العكام إلى أن هذا القانون سيحدث بيئة اقتصادية جديدة في سورية لاسيما وأنه يتم التحضير لمرحلة الإعمار، مشدداً على ضرورة وضع تعليمات تنفيذية واضحة له، كونه يمثل نظرة أكثر شمولية للقطاع الخاص الذي يمتلك رؤوس أموال داخل وخارج سورية.
مدير عام سوق دمشق للأوراق المالية الدكتور مأمون حمدان اعتبر أنه يمكن النظر إلى مبدأ التشاركية بمفاهيم جديدة، وذلك من خلال مساهمة القطاع العام في الشركات المساهمة العامة، حيث أن الأخيرة التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام هي أكثر قدرة على حشد الأموال وتركيز وتكثيف رأس المال المطلوب بأي عمل صناعي أو تجاري أو خدمي.
تفويض
من وجهة النظر القانونية تجاه هذا القانون ومدى استيعابه لعقود الـBOT وتطوير آليات التعامل معها يبين بعض خبراء القانون أن عقود الـBOT في المشاريع العامة من وجهة النظر القانونية بأنها تفويض من الدولة لشخص من القطاع الخاص لإدارة مرفق عام، وتنص المادة 634 من القانون المدني على أن عقد التزام المرافق العامة هو عقد تقوم بموجبه الدولة بتفويض شخص (طبيعي أو اعتباري) من القطاع الخاص بإدارة المرفق واستثماره مقابل بدل معين، وهنا نستطيع القول أن هناك أصل قانوني يمكن لعقود الـBOT أن تعتمد عليه، إضافة إلى أن قانون العقود في القانون 51 لعام 2004 نظم عقود المشتريات الحكومية، وهذا القانون جاء لتأمين احتياجات الجهات العامة وبيع أموالها واستثمارها إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
عشوائية
لكن في المقابل يرى العض الآخر أن عمليات طرح المشروعات للتعاقد بنظام الـ BOT لا تزال تتسم بطابع العشوائية ويرجع ذلك إلى عدم دراسات الجدوى المطلوبة قبل طرحها للتعاقد، وتتعزز المشكلة إذا ما علمنا بضعف الكادر المؤهل لإعداد مثل هذه الدراسات، إلى جانب الضعف الشديد في مجال صياغة العقود ودفاتر الشروط، وفي هذا السياق نلحظ أنه في كثير من الأحيان تبخل الجهات العامة على توظيف مستشار أو مشاور لإعداد دراسة جدوى اقتصادية لمشاريعها أو الاستعانة بمكتب استشاري، بحجة أن قانون العقود لا يسمح بذلك، غير أن ذلك ليس مبرر، لاسيما أن القانون 51 ينص على إمكانية الجهات العامة بالتعاقد مع مكاتب استشارية لتقديم دراسات، وبالتالي فإن وجود قانون خاص لتنظيم عقود الـBOT من شأنه أن يلحظ كل كبيرة وصغيرة في إشكاليات العقد، وبالتالي فإن قانون التشاركية -وفقاً لبعض خبراء القانون- من شأنه أن يتكفل بذلك على اعتبار أن الـBOT هو شكل من أشكال الشراكة، فالأخير سيعطي الضوء الأخضر للجهات العامة للدخول بالشراكة مع القطاع الخاص، لاسيما أن كثير من الوزراء والمديرين العامين يترددون الدخول بها خشية النقد نتيجة عدم وجود مستند قانوني لها، ومن خلال القانون يمكن تفويض مجلس الشراكة لاتخاذ قرارات على مستوى إستراتيجي.
الخبير السوري – حسن النابلسي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]