لطالما كان امتلاك منزل بالتقسيط المريح في سورية فرصة ذهبية لذوي الدخل المحدود وهم الفئة العظمى من الشعب ما دفع الكثير من المواطنين للاكتتاب في المشاريع السكنية سواء مشاريع المؤسسة العامة للإسكان أم الجمعيات التعاونية السكنية ويلتزمون في دفع الأقساط الشهرية على مدى سنوات، إلا أن التأخر في تنفيذ المشاريع حال دون حصول الكثيرين على بيت الحلم الذي تحول لأغلبيتهم إلى كابوس مع الارتفاعات المتتالية التي شهدتها الأسعار نتيجة أخطاء لم يرتكبوها بسبب التأخر في التنفيذ.
رئيس قسم الإدارة الهندسية والإنشاء في كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق الدكتور ماهر المصطفى أكد في حديثه لـ«الوطن» معاناة معظم مشاريع التشييد في سورية من مشاكل التأخير في التنفيذ وذلك لأن صناعة التشييد محلياً غير مهيأة بشكل كاف لموضوع إدارة المشاريع المرافقة للازدهار المتوقع في هذه الصناعة وزيادة التعقيد في المشاريع، إضافة إلى تضخم الأسعار والظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد إذ إن تغير سعر الصرف بشكل كبير سبب تضخماً كبيراً جداً أدى إلى تراجع القيمة الشرائية لأي كتلة نقدية، ورأى أنه من المفترض تقاسم هذه المخاطر بين جميع الأطراف وصاحب المسؤولية هو مالك المشروع.
وأشار إلى أن المؤسسة العامة للإسكان لديها العديد من المشاريع أحدها المشروع المخصص لأساتذة الجامعة الذين دفعوا مبالغ مادية ومستمرون بدفع أقساط شهرية حتى الآن إضافة لمشروع السكن الشبابي، ولكن نتيجة الظروف الاقتصادية تضرر المكتتبون بشكل كبير جداً، مضيفاً: ولا يمكن إلقاء اللوم على جهة، فالظروف الاقتصادية الصعبة نالت من جميع القطاعات وأحدها قطاع السكن.
واعتبر المصطفى أن معظم مشاريع التشييد تتأخر لعدة أسباب غالباً ما تتشابه وتتكرر منها ما يتعلق بصعوبات تمويل المشاريع من المقاول أو التأخر في تسليم موقع المشروع الخالي من العوائق أو النزاع بين المقاول والإشراف والمالك بالإضافة للأخطاء والتضارب في وثائق التصميم والعمالة غير الماهرة ونقص العمالة عموماً أو التأخير في عملية التعاقد والتوريد للبناء.
من جانبه أوضح عضو مجلس الشعب وائل علي دالي في حديثه لـ«الوطن» أن الأسباب في تأخر تنفيذ مشاريع وزارة الإسكان حسب وزارة الإسكان دوماً الحرب على سورية وكذلك ارتفاع تكاليف التنفيذ وفروقات الأسعار وذلك من خلال عرض خطة الوزارة في مجلس الشعب أو في لجان الموازنة، مضيفاً: إلا أنه في الحقيقة ترجع أسباب عدم تنفيذ المشاريع إلى غياب الاعتمادات المرصودة في الموازنة العامة وغير المتناسبة مع حجم العمل أي إن أغلب الموازنات الاستثمارية هي موازنة وهمية بعيدة عن الواقع والتكاليف، واعتماد المؤسسة على جداول المدفوعات التي يقوم بها المشتركين والمكتتبون وضعف التمويل وكذلك بسبب نقص اليد العاملة الخبيرة والماهرة التي فقدت بسبب الحرب وكذلك اعتماد المؤسسة تلزيم الأعمال لمتعهدين من خارج المؤسسة.
وأما فيما يخص إقامة ضواح ومدن سكنية من دون البدء بالبنية التحتية أكد دالي أن أغلب مشاريع المؤسسة تفتقر إلى البنية التحتية الواقعية في ظل غياب الشوارع والأرصفة المشطبة والمسلمة لمجالس المدن والبلديات، وكذلك عدم تخديم المشاريع بالكهرباء والماء بالوقت المناسب، كما تسلم المساكن بنسبة 80 بالمئة وهي غير مخدمة ومثال على ذلك ضاحية الباسل والسكن الشبابي في اللاذقية حيث إن ضاحية الباسل منتهية أعمالها قبل عام 2010 وإلى الآن تفتقر إلى الصرف الصحي بالشكل الصحيح وكذلك الأرصفة والشوارع وغياب الأسواق أو المحال التي لم تحدث داخلها إضافة إلى عدم التنسيق مع مجالس المدن وربطها بالمواصلات كما أن أغلب المساكن هي عبارة عن دور سكن من دون أي مقاومات للحياة أو إقامة أسواق تجارية وخدمات لهذه الضواحي.
وعن حل اتحاد التعاون السكني وانعكاس ذلك على دور الجمعيات السكنية أوضح دالي أنه عندما صدر القانون رقم 37 المتضمن أن تحل وزارة الأشغال العامة والإسكان محل الاتحاد التعاون والسكني تم ربط الجمعيات بالوزارة من خلال مديريات التعاون السكني بالمحافظات أي إنه تم إلغاء الحلقة الوسيطة بين الجمعيات والوزارة وحسب إحصاء وزارة الأشغال العامة والإسكان يوجد في سورية 2500 جمعية سكنية أغلب هذه الجمعيات غير فاعلة وتحتاج إلى فترة زمنية طويلة من أجل تنفيذ أعمالها وتسليم المساكن للمكتتبين والمستفيدين منها، كما أنها باتت اليوم بعيدة عن الغاية التي أحدثت من أجلها وهي تأمين مسكن للأسر وهو واجب وطني وأصبحت هذه الجمعيات بيد المتنفذين والتجار وحولوها إلى مشاريع تجارية مقصدها الربح من دون أن تراعي دخل المكتتبين.