القطاع الأهم يفرز مؤشرات خطيرة..النتائج مقلقة إن لم يستدرك المعنيون

الخبير السوري:

مع الوصول إلى شهر كانون الأول، وهو الشهر الأخير لزراعة محصولي القمح والشعير للموسم الزراعي القادم، برزت أرقام وزارة الزراعة التي أشارت إلى أن خطة المناطق الآمنة لزراعة القمح تبلغ ٥٤٠ ألف هكتار، زرع منها 139.635 ألف هكتار حتى الآن، بينما بلغت المساحة الإجمالية المزروعة بمحصول الشعير ٣٠٥ آلاف هكتار في المناطق الآمنة.

أرقام غير مبشرة

الباحث الزراعي الدكتور مجد درويش وجد أن الأرقام المعلنة حول مساحات زراعة القمح والشعير وغيرها من المحاصيل البقولية لهذا العام الزراعي وما تمت زراعته، وبالمقارنة مع الخطط الموضوعة للزراعة ولاسيما في المناطق الآمنة، تبدو غير مبشرة، قياساً بالسنوات السابقة وما كان عليه حال هذه المحاصيل، لاسيما محصولي القمح والشعير، في سنوات ما قبل الحرب على سورية.

بالنظر إلى هذه المعطيات مع نهاية الأسبوع الثاني من شهر كانون الأول، أي في آخر شهر يمكن للمزارع أن يقوم بزراعة متأخرة لهذين المحصولين، أوضح درويش لـ” تشرين” أن هذه الإحصائيات تعدّ خجولة نوعاً ما لما يمكن توقعه من إنتاج للقمح والشعير للعام القادم.

  • لتاريخه لم يطبق سوى ٢٥,٨% من خطة زراعة القمح في المناطق الآمنة لهذا العام

وكشف درويش أنه، وفقاً لقياس متوسط إنتاجية القمح، وعلى اعتبار أن الظروف البيئية مناسبة مع عدم حدوث كوارث طبيعية، وبغض النظر أيضاً عن كون المساحة المزروعة بعلاً أم مروية، يمكن أن الإنتاج يتراوح بين ٣ الى ٥ أطنان/هكتار، فنحن أمام إنتاج متوقع لهذا العام “القادم” يتراوح بين ٤١٨.٩-٦٩٨.١ ألف طن، و هذا الإنتاج للمناطق الآمنة من القطر، بالاستناد إلى الخطة المقررة لزراعة هذا المحصول والبالغة ٥٤٠ ألف هكتار، والتي كان من الممكن أن تعطي إنتاجاً وقدره ١.٦٢٠-٢.٧ مليون طن، ولتاريخه لم يطبق سوى ٢٥,٨% من خطة زراعة القمح في المناطق الآمنة لهذا العام.

أما بالنسبة لمحصول الشعير، فوفقاً للبيانات الحالية، يبدو أحسن حالاً ولو بزيادة خجولة كما يبين درويش، فالمساحة المزروعة في المناطق الآمنة 305 آلاف هكتار يمكن أن تعطي إنتاجاً متوقعاً، إذا ما افترضنا أن متوسط الإنتاجية يتراوح بين ٢-٣ أطنان/هكتار، حوالي ٦١٠- ٩١٥ ألف طن.

انحدار خطي

وفيما يتعلق بكميات بذار القمح المغربل والمعقم الموزعة 273.386 ألف طن، ١٩٢ طناً من بذار الشعير، أشار درويش إلى أن كميات البذار الموزعة للقمح والشعير تعدّ منطقية، قياساً بالمساحات المعلن عنها، فالقمح مثلاً، ووفقاً للبيانات تم تسليم حوالي 273.386 ألف طن للمزارعين، وبالنظر لمعدل البذار الموصى به لزراعة هذا المحصول والبالغ ٢٠-٢٥ كغ/دونم، فإن هذه الكمية المسلمة من البذار من المفترض أن تغطي مساحة من الزراعة تتراوح بين ١٠٩,٥_ ١٣٦,٩ ألف هكتار، هذه المساحة تقترب من المساحة المعلن عنها في المناطق الآمنة.

  • بالنسبة لمحصول الشعير فوفقاً للبيانات الحالية يبدو أحسن حالاً من القمح ولو بزيادة خجولة

وحتى بالنسبة لكميات البذار المسلمة من الشعير وغيرها من المحاصيل، فإنها تعطي فكرة أولية عن انحدار خطي، عاماً تلو الآخر، في المساحة المزروعة بهذه المحاصيل ذات الأهمية الاقتصادية الكبيرة للبلد، والتي يأتي في طليعتها محصول القمح الاستراتيجي، وفي حين أن محصول الشعير ذا الأهمية العلفية والمحاصيل البقولية الأخرى ذات القيمة الغذائية ليست بأحسن حال منه.

عدم استقرار

هذا التراجع الواضح والملموس، يعكس مدى إخفاقنا عاماً تلو الآخر في تحقيق ولو مستوى مستقر من الإنتاج قياساً بمساحات الأراضي المتاحة للزراعة في المناطق الآمنة من القطر، ما يدفع بشكل أكبر نحو تعميق مفهوم الاستيراد عبر زيادة الكميات المدخلة من هذه المحاصيل ولعام تلو الآخر، لاسيما بالنسبة للقمح الذي يعد أساس أمننا الغذائي وصلب معيشة المواطن.

وأرجع درويش أسباب التقهقر والجنوح نحو الاستيراد لهذا المحصول (القمح) إلى جملة عوامل؛ منها سوء عملية التنظيم والإدارة في الحفاظ على إنتاج مستقر لهذا المحصول من جهة، ونظام الدعم المطبق على مستلزمات زراعته وأسعار استلامه من المزارعين من جهة أخرى، يمكن أن تكون أسباباً قادت عدداً كبيراً من المزارعين لعدم زراعته وجعلت الدافع المحفز للإنتاج يتضاءل شيئاً فشيئاً.

ويذكّر درويش بعدم استفادة كثير من المزارعين في العام المنصرم من تسويق مخلفات عمليات “الدراس” لمحصول القمح، والمقصود هنا(التبن)، ما دفع الكثير منهم لإتلافه، وهذا كان سبباً أيضاً لإحجام عدد لا بأس به من المزارعين عن زراعة القمح هذا العام، حيث إن ريعية هذا المنتج العلفي كانت تغطي قسماً من تكاليف الإنتاج للمزارع، وقد يعود السبب في ذلك إلى ارتفاع تكلفة عمليات نقله من مناطق الإنتاج إلى المحافظات الأخرى.

في الواقع، لا يعد محصول الشعير العلفي المهم بالنسبة للثروة الحيوانية، أفضل كثيراً من القمح، رغم زيادة المساحات المزروعة منه لتاريخه مقارنة بالقمح، هذه الزيادة التي قد تكون على حساب القمح، فهذا المحصول النجيلي ورغم إنتاجيته الأقل من القمح، إلا أن المزارع يمتلك حرية أكبر نوعاً ما في التصرف بمحصوله، من حيث إمكانية تسليمه إلى المؤسسة العامة للأعلاف أو أحياناً عبر طرحه في الأسواق المحلية، ما يجعل سعره يخضع لكميات العرض والطلب في السوق، وقد يحقق للمزارع ريعية أكبر مقارنة بالقمح.

  • يجب إعادة بناء الثقة مع المزارعين.. وهنا يبرز دور الاتحاد العام للفلاحين إضافة إلى دور أكبر لوزارة الزراعة

إعادة بناء الثقة

وأكد درويش أن هذا الواقع المؤلم في زراعة هذه المحاصيل، يدفعنا للتفكير جدياً في البحث عن الأسباب الجوهرية لذلك، والعمل المتواصل لإيجاد الحلول لها، والتي تكمن كما حدد درويش، في إعادة بناء الثقة مع المزارعين، وهنا يبرز دور الاتحاد العام للفلاحين عبر فروعه وجمعياته المنتشرة، والتي هي على تواصل واحتكاك مباشر بالمزارعين، وأن يكون هناك دور أكبر لوزارة الزراعة وعبر مديرياتها وكوادرها العاملة على الأرض في هذا المجال، لاسيما فيما يتعلق بالمطالبة وبشكل دائم بتنظيم دعم مدخلات مستلزمات الإنتاج الزراعي، هذا الدعم الذي لا يمكن الاستغناء عنه حالياً، فالمزارع لابد له من أن يبحث عن زراعة محصول يمكن أن تحقق ريعية مناسبة تضمن له مستوى معيشياً مقبولاً كي يستمر بزراعته.

إدارات خاصة

وجدد درويش اقتراحه في تشكيل إدارة خاصة لكل محصول، لاسيما المحاصيل الاستراتيجية، ومهمتها دراسة واقع كل محصول، ورسم خطط زراعته وتأمين مستلزمات إنتاجه وتسويقه، وبشكل يرضي المزارع، ويكون مقبولاً للجهات المعنية من حيث أسعار استلامه. وأيضاً تفعيل مبدأ الزراعة التعاقدية التي يمكن أن تكون حلاً في وقتنا الراهن….تشرين

رشا عيسى

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]