أستاذ جامعي يتهم الحكومة… أقوالها في جهة وأفعالها في جهة أخرى ..

الخبير السوري:

أكد الأستاذ في كلية الاقتصاد الدكتور عابد فضلية من خلال ورقة بحثية قدمها في ورشة عقدت بكلية الاقتصاد حول «تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي بين الماضي والحاضر»، أن كل دول العالم من دون استثناء تتدخل في اقتصادها بنسب معينة من حيث الشكل والحجم والمساحة، وهذا الأمر موجود حتى في أعتى الدول الرأسمالية والإسكندنافية، لأن هذا التدخل يعتبر مساعدة للمجتمع سواء من الناحية الاقتصادية أم الاجتماعية.

وأشار فضلية إلى وجود عدة أصناف للدول من حيث الاقتصاد السياسي منها: دول حرة لا تتدخل بالاقتصاد وإنما في الأمن والدفاع والقضاء والتشريع، أو دول منتجة كالاتحاد السوفييتي سابقاً حيث يكون الإنتاج فيها لمصلحة الدولة والكل يعمل لديها، أما سورية فهي تعد بالوسط بين النوعين السابقين، فهي دولة لها فكر سياسي منفتح مرن ولكنه في الوقت ذاته تدخلي بالمعنى الإيجابي ومساعد وضروري، لذا عند التحدث عن دور الدولة في الشأن الاقتصادي يجب عدم إغفال القطاع العام الذي تتمايز مستويات وجوده وقوته أو ضعفه حسب تمايز السلطة الحاكمة، وبذلك تكون الهوية السياسية للدولة السورية هي دولة متدخلة إيجاباً لمصلحة الطبقات الضعيفة والشرائح الهشة، بمعنى أنها تدخل في الاقتصاد لأجل حماية هذه الطبقة، على اعتبار أن القطاع الخاص يعمل وفقاً لاقتصاد السوق ويهدف إلى الربح، والدولة لا تهدف إلى الربح، ولكن هذا الأمر لا يعني أنها يجب أن تخسر.

وأضاف: إن القطاع العام الذي تنشئه الدولة السورية يهدف إلى إنتاج ما هو إستراتيجي ولازم وضروري ويدخل ضمن مفاهيم الأمن المائي والطاقوي والغذائي، إضافة إلى خلق صناعات لا تهدف إلى الربح بمقدار جدواها الاجتماعية لتشغيل الناس وإيجاد فرص عمل، معتبراً أن دور الدولة يتمثل في هذا التدخل الإيجابي الإنتاجي والإستراتيجي والاجتماعي.

وحاول فضلية ذكر دور الدولة مروراً بالتجارب التاريخية التي مرت بها، فما بين عامي 1963-1966، كان هناك بعض الاختلافات والخلافات الفكرية في الإدارة وفلسفة إدارة الدولة، وفي السبعينيات تثبت الفكر الممنهج والواضح في إدارة الدولة، فقد كان القطاع العام ضعيفاً علماً أنه تأسس منذ خمسينيات القرن الماضي، ففي عام 1957 تم توقيع اتفاقيات مع الاتحاد السوفييتي لإنشاء 60 مشروعاً في سورية، تم تنفيذها بدءاً من سد الفرات عام 1966، وإعطاء قرض لسورية من قبل الاتحاد السوفييتي بقيمة 300 مليون روبل آنذاك، إضافة إلى مشروعات أخرى في مجال البنى التحتية، لافتاً إلى أنه خلال الفترة الممتدة بين عامي 1963-1966 كانت الأمور متقلبة ومهتزة بسبب التأميم الناتج عن فترة الوحدة بين سورية ومصر، ما أدى إلى توسع دور الدولة بشكل أكبر عما كان عليه في السابق، كما أن الملكية الحكومية شكلت في ذاك الوقت نواة للقطاع العام، مشيراً إلى أنه رغم ذلك بقي القطاع العام محدوداً في ملكيته لبعض المنشآت الاقتصادية في الدولة السورية.

وفي عام 1970، أكد فضلية أن الدولة السورية بدأت بالتدخل الإيجابي حيث تم توسيع القطاع العام، ليصبح جزءاً اقتصادياً إستراتيجياً واجتماعياً، وقد توسع ذلك بعد عام 1973 عندما انهالت المساعدات والمشاريع والاستثمارات العربية بعد حرب تشرين التحريرية، فقامت الدولة باستثمار هذه الأموال لبناء المزيد من المنشآت الحكومية وخاصة في مجال النسيج بدءاً من الحلج والغزل حتى الوصول إلى صناعة الأنسجة، ولاسيما بوجود المادة الزراعية الأولية وهي القطن، أي إن الدولة من خلال هذه المنشآت استثمرت الزراعة وشغلت القطاع الخاص من خلال النسيج.

وفي بداية الثمانينيات من القرن الماضي، أشار فضلية إلى أن الدولة قامت بدور إيجابي في بناء المرافق والمؤسسات والشركات والمنشآت الإنتاجية، إذ تم الوصول إلى صناعة المحارم الورقية والأحذية، كما لعبت دوراً تجارياً من خلال بيع الخضر والفواكه في صالات تابعة لها، واصفاً الدولة بأنها بالغت في ذلك، لافتاً إلى أن الدولة السورية شريكة بالأساس في ربع الاقتصاد السوري على اعتبار أن قطاع النفط كان في السابق يشكل ربع دخل الدولة السورية عندما كان يتم إنتاج 400 ألف برميل يومياً، فجاء بعد ذلك القطاع العام وأصبح يشكل ثلث الاقتصاد السوري من خلال تصنيع المنتجات الزراعية، وهذا يعتبر جزءاً مهماً من الاقتصاد السوري، أي إن دور الدولة ومسؤولياتها أصبحت أهم وأكبر وأقوى، ووصلت سورية إلى مرحلة الاستكانة والاطمئنان لوجود القطاع العام، بل كان القطاع الخاص حينها كسولاً حتى نهاية الثمانينيات عندما تم إدخاله في عملية التنمية الاقتصادية من خلال إصدار عدة قوانين تشرع ذلك كالسماح بإنشاء شركات مساهمة عامة زراعية، وكان إنتاج هذه الشركات مركزاً على ما هو ضروري وغذائي وإنتاجي، لتصنيع مخرجات الزراعة، وهذا يوصل إلى خاصية هوية الاقتصاد السوري بأنها زراعية صناعية تحويلية، بوجود الأرض والماء والخبرة، وهذا ما يدفع إلى إنشاء منشآت تصّنع ما يخرج زراعياً.

واعتبر فضلية أنه لو كانت سورية دولة صناعية بتقنيات حديثة ومرتبطة بالخارج، لكان تأثير العقوبات الغربية أكبر عليها.

أقوال بلا أفعال

ورداً على مداخلات الحضور حول دور الدولة في الاقتصاد بالوقت الحالي، أشار فضلية إلى أن الحكومة تصرّح بنظريات جميلة ولكن لا يتم تنفيذها، إذ تكون الأقوال بجهة والأفعال بجهة أخرى، فمثلاً سبق أن أكد وزير الزراعة والإصلاح الزراعي محمد حسان قطنا ضرورة التركيز على الجانب التنموي واستخدام كل الوسائل المتاحة بالريف وتحقيق التكامل بين الزراعة والصناعة، لتقع المفاجأة قبل عدة أيام بأن سعر الأسمدة ارتفع ثلاثة أضعاف، كما أن مصانع النسيج الحكومية تفتقد اليوم المادة الأولية من القطن ويتم استيراد الغزول على الرغم من أن سورية كانت تصدر هذه المادة، متسائلاً عن السياسة الزراعية والصناعية المتبعة، واصفاً إياها بالمخجلة.

وأشار فضلية إلى أن الظروف قاسية ولكنها ليست بتلك القسوة التي تجعل الاقتصاد السوري يتدحرج خلفاً ويترك الفرص المتاحة، مطالباً بإصلاح القطاع العام الاقتصادي إصلاحاً منهجياً وإنتاجياً وإدارياً ومن حيث شكل الملكية، بحيث تحول المؤسسات والشركات إلى شركات مساهمة عامة يسهم فيها القطاع الخاص ذو الخبرة، ويسمح للعاملين بتلك المؤسسات والشركات أن يشتروا أسهماً بالتقسيط ليحصلوا على أرباح أسهمهم عندما تربح هذه الشركات، معتبراً أن القطاع العام أصبح سيئاً بشكل يفوق ما تسببت به الظروف بسبب ما ينفذ على أرض الواقع.

وفيما يخص الثروات التي تمتلكها سورية، كشف فضلية أن سورية لديها مخزون من الفوسفات يتراوح بين 2.8- 3 مليارات طن، علماً أن الفوسفات السوري متميز وذو نوعية عالية، ويبلغ سعر الطن منه 800 دولار، وفي الوقت ذاته تعاني سورية من نقص في الأسمدة.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]