” جزر إنقاذ تنموي” …خيار إستراتيجي سوري لمواجهة الفقر…

الخبير السوري:

إيجاد معادلات اقتصادية وإدارية تعزز قطاعات غاية في الأهمية من زراعة وصناعة وحرف، وتوظف الموارد من بشرية وطبيعية، وترفع معدلات الإنتاج وغيرها، كل تلك الأمور مجتمعة هي بمنزلة أهداف (قريبة وبعيدة) في واقع شديد الوطأة لاشك يتطلب مجهوداً حقيقياً على الأرض وتنظيماً فعلياً في الأرياف بين الوحدات الإدراية، وإقامة منشآت حرفية، وتفعيل مبدأ التشاركية الحقيقية الفاعلة لمصلحة المنتجين والمواطنين بالدرجة الأولى، وإيجاد التمويل في مراجعة واقعية للحسابات وإعادة النظر في تشخيص الواقع، بينما يدور الحديث في الدوائر الرسمية حول إقامة وتعميم نماذج القرى التنموية بما يحقق التوسع الأفقي بالمشروعات التنموية، ويوفر احتياجات العديد من الأسر.

  • د. درويش: ضرورة إجراء عملية حصر وتوصيف للموارد المتاحة (بشرية وطبيعية)

التنظيم مطلوب زراعياً وكذلك حصر الموارد، وحرفياً تبدو هذه النماذج على شكل منشآت متخصصة بمنزلة طموح لأغلب الحرفيين.

نواة التنمية

الباحث الزراعي الدكتور مجد درويش بيّن لـ«تشرين» أن عملية إطلاق تنمية مجتمعية محلية على مستوى الوحدات الإدارية تشكل نواة لتنمية شاملة على مستوى القطر، ومن الخطوات المهمة الواجب إيفاؤها جميع المستلزمات اللازمة من بيئة تشريعية مناسبة تعطي استقلالية للوحدات الإدارية في إدارة واستثمار مواردها وبالتنسيق مع الجهات الحكومية وغير الحكومية المعنية.

على المستوى الزراعي، وقبل إطلاق مشروعات تنموية كهذه، لابد من إجراء عملية حصر وتوصيف للموارد المتاحة (بشرية وطبيعية) ومن ثم تنظيم افتتاح هذه المشروعات عبر تأمين بنية استثمارية لها، وإشراك جهات متعددة (أهلية محلية، حكومية وقطاعات خاصة) بما يحقق الفائدة المرجوة للمناطق التابعة للوحدة الإدارية وصولاً إلى تنمية مجتمعية مستدامة.

وتعد عملية إطلاق المشروعات الأسرية الصغيرة أو المتناهية الصغر ( الزراعية والصناعية والحرفية وغيرها) إحدى هذه الخطوات المرجوة لتحقيق مستوى دخل مناسب لمعيشة لائقة بسكان الوحدات الإدارية المستهدفة، كما يؤكد درويش.

أزمة التمويل

إلا أن ما يعترض إنجاح هذه المشروعات هو توفر التمويل اللازم، وذلك عبر منح قروض بشروط ميسرة، وهنا الذي قد يكون غائباً هو دور القطاع الخاص، وعدم وجود تنسيق للمشروعات المنفذة أو المراد تنفيذها، وذلك ضمن الوحدة الإدارية الواحدة أو بين الوحدات المجاورة، ما يبرز أهمية إقامة اتحادات محلية قوامها المنتجون الزراعيون أو الحرفيون والمصنعون على مستوى الوحدات الإدارية وبشكل يحقق مبدأ التكامل في الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي.

  • د. درويش: بيئة تشريعية توفر استقلالية للوحدات الإدارية لإدارة واستثمار مواردها

ويعد مفهوم المزرعة أو المشروعات أو القرية النموذجية أساساً لتحقيق تكامل إنتاجي بشتى أشكاله، يمكن أن يستفيد منه أولاً مواطنو الوحدات الإدارية على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والذي بدوره ينعكس إيجاباً على الوضع الاجتماعي للبلد ككل، وفقاً لدرويش.

وهكذا فإن إطلاق عجلة الاستثمار بكل أشكاله وبمنح الوحدات الإدارية صلاحيات تمكنها من تنظيمه وتأطيره بشكل يتكامل مع الاستثمارات للوحدات الإدارية المجاورة، يسهم في تحقيق مبدأ التنظيم الزراعي أولاً والحرفي والصناعي ثانياً، حيث إن ريفنا أحوج لهذا التنظيم في الوقت الراهن، لاسيما أن هناك تخبطاً من منتجينا الزراعيين بالنظر لكثير من العوائق التي تعترضهم، من حيث ضعف المقدرة على تأمين مستلزمات الإنتاج من جهة وصغر الحيازات الزراعية من جهة أخرى وغيرها من الصعوبات المتعلقة بتأمين مصادر للطاقة ووسائل للنقل.

أسواق للتصريف

وتبرز ضرورة إقامة أسواق على مستوى الوحدات الإدارية، أو كتجمع لعدد من الوحدات الإدارية لتسويق السلع المنتجة محلياً، بشكل يستفيد منه سكان المنطقة أو حتى الأرياف المجاورة.

  • مفهوم المزرعة أو القرية النموذجية أساس لتحقيق تكامل انتاجي بشتى أشكاله

ويمكن القول إن تشجيع وتحفيز المجتمع المحلي للبدء بهذه الاستثمارات، ودعمه عبر مبدأ التشاركية المطروح حالياً من الجهات المعنية، تمثل بادرة قوية نحو تحقيق تنمية وتطور زراعي واجتماعي وصناعي في المدى القريب المنظور، كما تعمق فكرة أهمية ودور مجتمعاتنا الريفية وضرورة رعايتها بما يسهم في الحد من ظاهرة الهجرة المعاكسة وآثارها السلبية وذلك من الريف إلى المدينة، كما بين درويش.

تشاركية لمصلحة المنتجين

بدوره وجد عضو مكتب اتحاد الغرف الزراعية الدكتور مجد أيوب أن التشاركية المطروحة يجب أن تكون لمصلحة المواطنين والمنتجين أولاً قبل مصلحة أي جهة أخرى، وتحقيق الازدهار لهذه الشريحة يحقق التطور والازدهار للاقتصاد الوطني، وبالتالي لكل نواحي الحياة فيها سواء المالية (سعر القطع) أو الاجتماعية وأيضاً السياسية.

  • د. أيوب: أي تشاركية مطروحة يجب أن تكون لمصلحة المواطنين والمنتجين

وبيّن أيوب أنه قبل عام ٢٠١١ كانت هناك تشاركية قائمة بين الجهات الحكومية وباقي المنظمات والهيئات الوطنية وربما القطاع الخاص، خاصة عندما اقترح نائب رئيس المجلس آنذاك نظام السوق الاجتماعي، والمنفذ فقط في الصين، لكن بعد السنة الأولى للأزمة تلاحقت قرارات رفع أسعار مستلزمات الإنتاج الرئيسية وكذلك مستلزمات الحياة اليومية للمواطنين.

وتحاول الدولة بين فترة وأخرى تخفيف الأضرار من خلال رفع الرواتب أو تقديم منح مالية أو تخفيف بعض الضرائب المفروضة على المنتجين، وإلغاء بعض الحواجز على الطرقات.

لكن القرارات الصادرة برفع أسعار المحروقات كلها، وكذلك عدم دراسة تكاليف الإنتاج بشكل صحيح وحسب أسعار السوق قبل تسعير المنتجات، كل هذه الأمور قضت على أوجه التعاون والتشاركية، وتركت وزارات التجارة الداخلية والخارجية والمالية الجهات الوحيدة ذات الفعل في الأسواق من خلال قراراتها المتلاحقة بالتسعير والموافقات على الاستيراد والتصدير وبفرض الضرائب سواء الجمركية أو الدخل.

هذه التشاركية المطلوبة باتت صعبة جداً في ظل الظروف التي تمر بها سورية وحسب تفكير الفريق الوزاري الاقتصادي.

منشأة حرفية بمعايير إنتاجية

وللتشاركية وجه آخر يطالب به الحرفيون, واقترح عدنان تنبكجي_ شيخ كار في الفنون النحاسية والتشكيلية_ وجود منشأة حرفية تضم الحرفيين، وتتوفر فيها المواد الأولية ومصادر الطاقة، ويتم العمل فيها وفق معايير محددة بوجود جهة راعية تقيم جودة العمل، ومطابقته مع المعايير المحددة للوصول إلى المنتج المطلوب، ومن يتسبب بخلل في هذه المعايير المحددة يتم استبداله بحرفي آخر قادر على الالتزام.

والنقطة الأهم، كما يوضح تنبكجي، أنه عندما يصل المنتج الحرفي إلى المرحلة النهائية من الإنتاج يجب توفير سوق داخلية وخارجية لتصريف هذه المنتجات بوجود جهات راعية أيضاً، حيث من الأفضل أن تقترن إقامة هذه المنشآت مع خطة تسويقية كاملة من ضمنها المعارض التي تقام كل ستة أشهر، ربما برعاية أحد التجار المسوقين أو السفارات والقنصليات في الخارج، لأن عملية تصريف المنتج برأيه ستتم بسهولة لأن المنتج الحرفي السوري مطلوب على مستوى العالم ويتميز بدقة عمله والإبداع الذي يتم لحظه مباشرة خلال العمل الحرفي المقدم، مع تقديم تسهيلات للتعامل بالقطع الأجنبي ضمن القوانين الموجودة، وبذلك تنجح العملية الإنتاجية، ونخفف من هجرة الحرفيين، ويوضح تنبكجي هنا أنه يتم تدريب حرفيين ثم يهاجرون مباشرة ويعملون في بلدان أخرى وينتجون المنتج نفسه وبسعر أقل.

  • عدم دراسة تكاليف الإنتاج وحسب أسعار السوق قبل تسعير المنتجات أسباب وأدت أوجه التعاون والتشاركية

وكان هناك تسجيل على منشأة حرفية منذ عشرات السنوات في منطقة دير علي ولا يزال المشروع متوقفاً، والسبب يعود لوجود اختلاس من قبل أشخاص مسؤولين عن المشروع، كما تم إخبارهم بذلك، وهو مشروع حرفي كبير، وحالياً لا يستطيعون أن يبيعوا الأرض، كما لا يستطيعون أن يكملوا ليعملوا في مكان متخصص للحرفيين وفقاً لتنبكجي.

وشرح تنبكجي الواقع الحالي للحرفيين بأنه حالياً في الخانة الأكثر خطراً من عدة نواحٍ سواء شح المواد الأولية أو قلة موارد الطاقة التي أفرزت واقعاً صعباً وضاغطاً على العمل الحرفي، ودفع البعض للتوقف عن العمل، كما دفع قسماً كبيراً من الأيدي الحرفية الماهرة للهجرة، لكن الظرف الأكثر خطراً، كما يؤكد تنبكجي، هو نسب المنتج الحرفي السوري للغير في الخارج رغم أنه مصنوع بأيد سورية ولكن تتم كتابة بأنه من صناعة البلاد التي يعملون فيها.

  • تنبكجي: منشآت حرفية مشروطة بإنتاج ابداعي مطلب الحرفيين

وبيّن تنبكجي أن ارتفاع سعر المنتج الحرفي وضع الحرفيين في هذه الخانة الخطرة، حيث بات الوضع بحاجة إلى إسعافات سريعة لهذا الموضوع، إذ خسرنا قسماً كبيراً من الحرفيين المبدعين مع وجود قسم كبير من الحرفيين ليس لديهم الإمكانيات المادية للعمل، والمطلوب من الجهات الرسمية الجهات مراعاة ظروف الحرفيين الذين أقل ما يقال عنهم إنهم أصحاب الأيادي الذهبية، والحرفي السوري من الحرفيين المميزين على مستوى العالم، وأينما ذهب في كل بقعة من العالم ينتج وينجح، والسؤال المطروح من تنبكجي لماذا لا نحافظ عليهم في بلدنا؟

تجدر الإشارة إلى أن الاجتماع الأخير لرئاسة مجلس الوزراء أكد أهمية التشاركية بين الجهات الحكومية المعنية والمجتمع المحلي والنقابات ومختلف جهات القطاع الخاص في إحداث التنمية على المستوى المحلي والاستثمار الأفضل لمقومات كل وحدة إدارية من خلال إطلاق مشروعات صغيرة وأسرية في مختلف المجالات الحرفية والزراعية والصناعية وتعميم نماذج القرى التنموية بما يحقق التوسع الأفقي بالمشروعات التنموية ويوفر احتياجات العديد من الأسر الريفية، مع استمرار تقديم الدعم والتسهيلات لهذه المشروعات.

تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]