بدائل جديدة تتحدى راسمي السياسات الزراعية في سورية…

الخبير السوري:

أكد الباحث الزراعي الدكتور مجد درويش أنه في ظل ازدياد الطلب على المياه واستعمالاتها، والاستنزاف الكبير الناجم عن الاستثمار في الزراعة والتوسع في رقعة الأراضي المزروعة ومحدودية مواردنا المائية، لاسيما في ظل التغيرات المناخية الأخيرة وتكرار سنوات الجفاف، كل ذلك أدى إلى انخفاض كميات المياه المتاحة، وظهور عجز مائي سنوي يهدد أمننا المائي الذي لا يقل أهمية عن أمننا الغذائي المستدام.
وبالاستناد إلى أن زراعاتنا الصيفية ذات أهمية تصنيعية مثل (الشوندر السكري، القطن، التبغ، الذرة الصفراء وعبّاد الشمس وغيرها…) وحتى محاصيل الخضار جميعها تعتمد وبشكل كامل على الري، وتختلف في احتياجاتها المائية، إلا أنها في الغالب ذات مقنن مائي مرتفع.
وأوضح درويش أن ما نعانيه من ندرة في الموارد المائية، لاسيما خلال فترات احتباس الأمطار وفي فصل الصيف، دفع إلى البحث عن بدائل لهذه المحاصيل يمكن أن تفي بالغرض وتكون أقل استهلاكاً للمياه وتتمتع بإنتاجية وفيرة وذات خصائص نوعية – تصنيعية جيدة كما تحقق ريعية مقبولة لدى المنتجين الزراعيين، وهذا يقودنا للإشارة إلى أهمية البحث العلمي الزراعي في هذا المجال، عبر العمل على استنباط أصناف محصولية ذات متطلبات مائية أقل ويمكنها أن تتحمل الجفاف.
وبيّن أن المقنن المائي لهذه المحاصيل الصيفية لا يمكن مقارنته بمحاصيل مزروعة شتاء، أو حتى في عروات خريفية: ومنها محاصيل شتوية كالقمح والشعير والبقوليات وغيرها، إلا أنه من وجهة النظر الزراعية والتكنولوجية لا يمكن لمحصول أن يحل محل الآخر في دورة الإنتاج الزراعي أو من حيث الأهمية الغذائية – التصنيعية لكل منهما.
وشرح أنه لا يمكن لزراعة الشعير ( كمحصول علفي) رغم متطلباته المائية الأقل، أن تحل مكان زراعة الذرة الصفراء ذات الاحتياجات المائية الأعلى، على اعتبارها الأساس في تغذية الدواجن والأبقار, كما أنه لا يوجد بديل حالي عن القطن كمحصول ألياف أو الشوندر السكري كمحصول لتصنيع السكر أو التبغ وغيره.

ولفت درويش إلى أن الجواب عن السؤال المطروح هل استيراد المحاصيل الصناعية ومنتجاتها أكثر جدوى اقتصادية من الإنتاج المحلي، هو أنه لو أجرينا مقارنة نسبية بين ما تطلبه العملية الإنتاجية لهذه المحاصيل، سواء الصناعية أم حتى محاصيل الخضار، فإنه يمكن أن تكون تكلفة المستورد أكثر انخفاضاً في القريب العاجل بالمقارنة بتكلفة المنتج المحلي، إلا أنه في المدى البعيد تكون المكاسب المتحققة من الحصول على إنتاج وطني مستقر بامتيازات زراعية وتصنيعية وتسويقية كبيرة جداً وتساهم في تحقيق تنمية اجتماعية مستدامة، كما أن ذلك عامل استقرار أساسي لأمننا الغذائي وقرارنا السيادي.

وتبرز هنا أهمية عملية إدارة وتنظيم الإنتاج الزراعي بحيث يتم رسم خطط زراعية سنوية للمحاصيل الاستراتيجية ولمحاصيل الخضار الموسمية بشكل يتوافق والمساحات الزراعية ومواردنا المائية المتاحة، وضرورة أن تتكيف هذه الخطط والظروف المناخية المحيطة مع إمكانات الإنتاج المتوفرة وفقاً لدرويش.
ولابد من التنويه هنا لأهمية التوجه إلى إنشاء إدارات زراعية متكاملة للمحاصيل الزراعية، والتنسيق بين هذه الإدارات في رسم الخطط الزراعية وتنفيذها.
التقانات الحديثة
ولتخفيف وطأة محدودية المياه ينبغي التوجه لتطبيق تقانات الري الحديثة واستخدام الطاقات المتجددة في هذا السياق، وبالنظر لأهمية ذلك ودوره في صيانة وحفظ أمننا المائي فقد أقرت الحكومة منذ فترة لا بأس بها من الزمن، الخطة الوطنية لترشيد استخدام الموارد المائية للحد من استنزاف الموارد المتاحة وذلك لمواجهة التدهور الكمي وخاصة فيما يتعلق بالمياه الجوفية، كما تم تأسيس مديرية المشروع الوطني للتحول إلى الري الحديث، مع تقديم التسهيلات المالية لتنفيذ مشروعات الري عبر إحداث الصندوق الوطني لتمويل المشروع الوطني للري الحديث وبمنح قروض ميسرة طويلة الأجل تساعد المنتجين الزراعيين في تأمين الاحتياجات المائية لمحاصيلهم ما يؤدي إلى استقرار نسبي في عجلة العملية الإنتاجية الزراعية، وعليه فإن تبني الري الحديث محلياً وتأمين مستلزماته يمكن أن يشكلا حلاً ملموساً لعملية التنمية الزراعية التي من شأنها أن تحقق زيادة في الإنتاج الزراعي بإضافة كميات أقل من المياه مقارنة بطرق الري التقليدي.
وأكد درويش أنه لا بديل عن الزراعات الاستراتيجية، داعماً فكرته بأن القضية ليست فقط توفير مياه أو استنزاف خصوبة أو حتى ريعية مالية للمزارع، بل إذا تم التخلي عنها ما البديل لها، وإذا تم إدخال محاصيل ثانية فما الجدوى منها، متسائلاً: ما البديل عن الصويا مثلاً أو عن كسبة الصويا للعلف رغم استخدام كسبة القطن أو تفل الشوندر الذي لا يتمتع بالقيمة العلفية نفسها.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]