“قمّة” الإحراج في قمّة المناخ!!…بقلم: ناظم عيد

 

 

أغلب الظن أن العالم يترقّب اليوم ما يبدو أهم بكثير من قمّة المناخ، التي ستلتئم في العاصمة الفرنسية، فمن هناك ربما ستتحدد ملامح المسار الجديد للعلاقات الروسية التركية المتأزّمة، على خلفيات حماقات ومغامرات طيش سياسي ارتجلها أردوغان، ويحاول ترميم آثارها عبر سعيه لاستثمار المناسبة ولقاء الرئيس الروسي.

ويبدو أمام الراغبين بقراءة ما بين السطور خيارات واسعة في تقدير شكل ومضمون الموقف المرتقب، فقد لا يحضر الرئيس بوتين مطلقاً ويفوّت الفرصة على “الخصم المتظاهر بالندم”، وقد يحضر ويرفض المصافحة واللقاء مع مرتكب يجب تأديبه وتلقينه درساً في أدبيات السياسة والرئاسة، وعلى الأرجح هذا ما سيحصل.

لكن سؤالاً يلح على كل متابع وهو: ما الذي سيبرر به أردوغان حماقته، وأي إضافات جديدة يمكن أن يدفع بها تختلف عما قاله خلال الأيام المنصرمة بعد حادث إسقاط القاذفة الروسية، من قبيل: حادثة لن تتكرر.. ودون قصد.. وجهل هوية الطائرة القاذفة ووو..؟؟، هل سيقول ما لم يجرؤ على قوله أمام الملأ ويعترف بأنه “غُرّر به” من الأميركي ونفّذ إملاءً من واشنطن، أو يوضح بأنه مستاء من استهداف القاذفات الروسية لمصالحه الخاصة، بعد نسف أرتال ناقلات النفط المسروق برّاً والعائدة لنجله المنغمس بـ “تجارة الحروب” ووقائع فساد موثّقة؟.

هي تساؤلات وربما تكهنات عن حدث جدير بالترقب، لكن مهما كانت النتائج، فثمة قراءة يجب ألّا تغيب عن الذهن لمجمل حادث إسقاط القاذفة وتداعياته، وهي أن متغيّراً نوعياً وانعطافة حادة بات يمكن تلمسها في تعاطي الغرب مع إشكالية مكافحة الإرهاب، وفي تعاطي واشنطن مع حلفائها التقليديين وأدواتها الضالعة في إيقاد نار الحروب في المنطقة، إذ يبدو أنها بدأت فعلاً بخلعهم من عباءتها والتنصل منهم بوصفهم “متورطي الواجهة” لا بد من إحراقهم كأوراق خاسرة وأدوات لم تعد صالحة للتحوّل المطلوب حتماً، والعمل وفق مقتضيات الرغبة العالمية بالقضاء على الإرهاب، بعد وصول الشرر واللهيب إلى العمق الأوروبي، وتشظيات باتجاهات أخرى غير معلومة بعد.

فعلى الأرجح أن صدمة أردوغان بهكذا حقائق جاءت متأخرة، ونؤكد على توصيفنا لحالته بـ “الصدمة”، فهذا واضح من تعاطيه الناري الاستفزازي بُعيد حادثة القاذفة مباشرة، ثم تحوّله اللافت واستغلال مناسبات متتالية للتبرير والحديث بلهجة انسحابية اعتذارية، ليكون أكثر وضوحاً في الزحف تذللاً نحو الروس،

وعلينا ربط هذا التحوّل بإشارات حتمية غير مباشرة أو ربما مباشرة تلقاها من الأميركي، ومن حلفائه في “شمال الأطلسي” بأن عليه تقليع أشواكه بنفسه.

إلّا أن ذلك لا يعني أنه يمكن الاسترخاء لنيات الغرب وأمريكا بخصوص مكافحة الإرهاب الذي يضرب أطنابه في منطقتنا، فمبادراتهم ضده لم تظهر بجدية حتى الآن، وتحالفهم لمواجهته مسرحية لمن هم دون سن الرشد، ويبدو أنهم مُرغمون فعلاً على تقديم “ثبوتيات” تؤكد –على الأقل– تماهيهم مع المزاج العام العالمي المتوجّس من تنامي خطر العصابات العابرة للحدود، وهذا يملي أولاً محاولات سريعة منهم لإبعاد شبهة التواطؤ والدعم، وثانياً الظهور بمظهر المناهض والرافض.

ونعتقد أنه فيما لو كان ثمة قرار فعلي بمكافحة الإرهاب في أروقة حكومات كبار الداعمين التقليديين، فسيكون عبر التضحية بأدواتهم التنفيذية، ولا سيما أردوغان وآل سعود، ولعل طقوس “خلع” هاتين الأداتين قد بدأت فعلاً.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]