الإعلامي ناظم عيد يتحدّث في افتتاحيته لجريدة تشرين عن سَطوةِ الجغرافيا ومفاتيحِ الخصوصيةِ السّوريةِ

عيد: في سورية مفاتيح الجغرافيا التي لا يمكن أن تؤخذ عنوة

الخبير السوري

رئيس تحرير جريدة تشرين_ ناظم عيد

لا فرقَ بين طبولِ الحرب ورايات السلام، حين تكون حمى الهيمنةِ مستحكمةً بأحد طرفي أو أطراف مثل هذه المعادلة..

فإن كانت مفرداتُ الحرب متميزةً بوقعها النافر .. تبقى لغة السلام متفردةً باختيار حاذقٍ لنبرة خطاب المقدمات والتوطئات.. هكذا هي إملاءاتُ أدبياتِ العلاقات الدولية، ومن لا يجيدها يضع نفسه فوق تربةٍ مائعةٍ وأرضٍ رخوةٍ لن يعرف معها استقراراً..

في الجدل الدائر اليوم بشأن التطبيع الجديد للعلاقات بين سورية والجار التركي “المتحوّل” ثمة ما يُحفز أنساقاً متواترةً من التساؤلات حول الثوابت التي ينطلق منها “جارنا” في إدارة ملفاته الحساسة، و قدرته على مماهاة ما يرشحُ عنه من تصريحات مع وقائع ومستجدات هو من يسعى إليها أساساً..؟

وبدا فعلاً أن النموذج التركي المرتبك لا يصلح بتاتاً للإسقاط في أي من مناهج العلاقات الدولية لاقديمها ولاحديثها.. نزعم ذلك بحيادية مطلقة في تقويم تعاطي مقصورات السياسة هناك مع الملف السوري، بعد أن بدا لافتاً التوقيت المريب لادعاء الرغبة في المصالحة والمصافحة المستعجلة، تحت ضغط ” المصلحة الانتخابية”.. فيما ثمة مصالح عليا للأتراك من الطراز الوطني تنطوي في إعادة الانفتاح على سورية، وتلبية كل المطالب الوطنية السورية التي يرتبها مثل هذا الانفتاح.. مصالح تعود بالمنفعة على كل مواطن تركي، وبالتالي استقطاب أصوات انتخابية حقيقية.

التركي مأزوم اقتصادياً كما هو مأزوم انتخابياً، هذه حقيقة لم يتطرق ولم ينطلق منها أي من مسؤولي حزب العدالة والتنمية الذين جاهروا بغاياتهم الانتخابية، ولم تسعفهم نفعيتهم المؤطرة بقوالب شغف السلطة، لإخراج مساعيهم بلبوس وطني شامل، ولو فعلوا لكسبوا أكثر بكثير من خيارهم المباشر واستثمار التهدئة مع الجوار لغايات انتخابية.

تركيا خسرت اقتصادياً وأخطأت في حساباتها عندما عبثت بمصالحها مباشرة وأعلنت الحرب على سورية، بل ونذكر أنها أعلنت منذ سنوات العزم على إشادة جدار فاصل مع سورية، وربما ما أخّر مشروعها هو عدم القدرة على استشراف تموضع الحدود وفق الطموحات الجامحة للحزب الحاكم هناك.

بالفعل من المدهش أن يتجاهل الأتراك “سطوة الجغرافيا”، وأن سورية اليوم هي بوابة مرورهم التجاري الرشيق إلى أسواق واسعة الطيف.. دخولاً من معبر باب الهوى وخروجاً من معبر نصيب الحدودي السوري مع الأردن، وصولاً إلى أسواق الخليج العربي التي أنعشت الاقتصاد التركي في زمن الانفتاح على سورية.

والحقيقة أن متوالية الانتعاش التي حظي بها الاقتصاد التركي في العقدين الأخيرين، تقوم على بنى جرى التأسيس لها على أيدي ساسة ليبراليين كان آخرهم الرئيس أحمد نجدت سيزر، عرّاب الانفتاح التركي على العالم بما في ذلك سورية.. أي بنى الاقتصاد التركي القديمة هي ما عزز التنمية بمسارتها المختلفة.. وليست السياسات الارتجالية التي استَعْدَتْ ونفّرت العالم.. من الاتحاد الأوروبي إلى الدول العربية ومنها سورية.

كان من الحكمة والحنكة أن يُصاغ التوجه التركي نحو سورية كخيار اقتصادي استراتيجي واسعٍ، لا كخيارٍ انتخابي أبتر.. عندها لن تكون المطالب الوطنية السورية ” اشتراطات”.. ولن تكون دفة السياسة التركية أسيرة مصالح مجتزأة، بل في خدمة المصلحة الوطنية للشعب هناك..

قد لا يكون الوقت في مصلحة من امتطوا “أراجيح السياسة” في تركيا بين صفر مشاكل وصفر أصدقاء، فالشعب التركي هو الخاسر، لأنه من المستحيل اختزال الجغرافيا على مقاس أشخاص.. وفي سورية مفاتيح الجغرافيا التي لا يمكن أن تؤخذ عنوة.

المصدر:تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]