خبير زراعي يكشف سرّ الخلل في قطاع إستراتيجي… تحييد الذخيرة الوراثية للمحاصيل العلفية أوقعنا في فخ التجريب والاستيراد

الخبير السوري:

رغم أن ذخيرتنا الوراثية كبيرة من المحاصيل العلفية بأنواعها المتعددة (النجيلية والبقولية وثنائية الغرض ) والتي كانت تشكل قاعدة أمان في أوقات الأزمات لسنوات خلت، إلا أن تحييدها حالياً، والاتجاه نحو بدائل أخرى لا تعد منطقتنا موطناً أصلياً لها أوقعنا في فخ التجريب والاتجاه نحو الاستيراد، وبالتالي خسارة أكثر من القطع الأجنبي، وارتفاع في تكاليف التربية للثروة الحيوانية، ما دفع ثمنه المربي والمستهلك على حد سواء.

المزيد من الأبحاث

الباحث الزراعي الدكتور مجد درويش أكد أهمية التوجه الزراعي لتحسين المحاصيل العلفية التقليدية وعلى اختلاف أنواعها ومصادرها الوراثية فهي متعددة ومتأقلمة مع ظروف بيئتنا المحلية، لاسيما أن الأساس في زراعتها كان منطقتنا، وأن المزارعين اعتادوا على إنتاج مثل هذا النوع من المحاصيل وحفظها وتجهيزها كعلف مناسب للثروة الحيوانية.

وأوضح أن المراكز العلمية الزراعية سواء الأكاديمية منها أم البحثية لم تبخل يوماً في إدراج هذه المحاصيل ضمن محاورها أو خططها البحثية السنوية، من دون أن يمنع ذلك من أن تقام الأبحاث المستمرة وبشكل أكثر تعمقاً حول إمكانية استخدام هذه البدائل وذلك قبل اقتراحها كمصدر علفي أم لا.

قاعدة علفية غير مستقرة

ووجد درويش أنه رغم القدرة الزراعية الكبيرة التي يتمتع بها بلدنا قبل عشر سنوات الماضية لاسيما في تأمين مصادر الأعلاف على اختلاف أنواعها وتعدد محاصيلها من النجيلي إلى البقولي والثنائي الغرض لم يشفع الآن في تأمين و لو الحد الأدنى من القاعدة العلفية اللازمة للثروة الحيوانية، وشرعت الأبواب للاستيراد ما يعني خسارة متعددة الأوجه.

وقال درويش: في ظل هذه الظروف القاسية التي يعاني منها القطاع الزراعي عموماً والتي تركت ظلالها الثقيلة على قطاع إنتاج الأعلاف والاعتماد كلياً على الاستيراد، ضاعف تكاليف توفير الأعلاف بشكل غير مسبوق وانعكس ذلك سلباً على قطاع الإنتاج الحيواني وكذلك على قدرة المواطن على شراء منتجاته.

وأضاف: كل هذه الظروف كانت الدافع لوزارة الزراعة بمديراتها ومراكزها البحثية فضلاً عن جهود بعض المنظمات العاملة على أراضينا لإيجاد الحلول السريعة التي يمكن أن تخفف من هذه الأزمة وهنا كانت الطامة الكبرى.

حلول سريعة

ووجد درويش أن هذه الطريقة في البحث عن الحلول السريعة ومن دون الاستناد إلى ذخيرتنا الوراثية الكبيرة من المحاصيل العلفية؛ منها النجيلية: شعير وذرة صفراء وبيضاء وشوفان وشيلم، والبقولي: فصة وبرسيم وجلبان وبيقية وفول صويا،وثنائية الغرض: قطن وفول سوداني وشوندر وعباد شمس، والتي كانت تعد مصدر أمان في كثير من الأحيان، دفع إلى العمل على إدخال عدد من البدائل العلفية والتوجه نحو إنتاجها ما عقد الأمور كثيراً.

أصناف محط تساؤل

فمع طرح إمكانية استخدام (الشعير المستنبت) والإشادة بفوائده كعلف أخضر ذي قيمة غذائية عالية للأبقار ومنها الحلوب، إلى زراعة الأزولا (نبات سرخسي مائي) في أحواض مائية والاعتماد عليه في تغذية المواشي والأبقار والأسماك، إلى تشجيع زراعة نبات الكينوا وإمكانية استخدامه كمحصول غذائي علفي، والإشارة لاستخدام أوراق شجرة المورينغا (والتي يطلق عليها بالشجرة المعجزة) كعلف للمواشي، وهكذا وصولاً إلى إمكانية الاعتماد على زراعة نبات البونيكام كمحصول نجيلي معمر ( المحصول البديل) غني بالبروتين واستخدامه كعلف أخضر أو جاف لتغذية قطعان المواشي والأبقار ( لاسيما الحلوب) وكبديل عن محاصيل الشعير والذرة الصفراء وغيرها.

والعودة إلى تجارب الدول السباقة بزراعة وإنتاج هذه البدائل كان خياراً سليماً وبالتالي معرفة الأسباب التي دعتها للاعتماد على إنتاجها، ومدى الجدوى الاقتصادية، وهل ظروف بلادنا تتطلب هكذا بدائل؟ أم إنه من الأجدر أن نعتمد على محاصيلنا التقليدية التي تعد منطقتنا موطناً أصلياً لكثير منها؟.

وعن الأنواع الجديدة والمشكلات المرتبطة بها يبدأ درويش بالشرح من (الشعير المستنبت) متحدثاً عن التكلفة المرتفعة لتجهيز غرف الاستنبات ومتطلبات الزراعة الكبيرة المحيطة به، ولا يبدو (الأوزولا) أفضل حالاً وفقاً لدرويش من حيث المشكلات المرافقة لزراعته ويعد نباتاً تكيف لينمو في مصارف مجاري المياه، وما تتطلبه زراعته من ظروف مناخية معتدلة لا حارة ولا باردة، فضلاً عن حاجته لأحواض مائية وما تحويه من مغذيات مع ضرورة تبديل مياهها باستمرار، الأمر الذي جعل استخدام هذه الزراعة مجدياً اقتصادياً لكثير من الدول محصوراً في أحواض تربية الأسماك فقط.

ويركز درويش على نقطة غاية بالأهمية من وجهة نظره وهي عدم معرفة ما قد تسببه التغذية المستمرة على هذه النباتات السرخسية مستقبلاً من مشاكل صحية، لاسيما الهضمية، للقطيع عند الاستمرار بالتغذي عليها.

أما (الكينوا ) ليس أيضاً الصنف الأفضل رغم اعتماد زراعة الكينوا في العديد من البلدان ضمن نطاق الأراضي المتصحرة وفي الترب المتملحة، وبالنظر إلى القيمة الغذائية لبذوره ولأهميتها العلفية لاحتوائها على نسبة من البروتين الكلي (١٦-١٨ %) الغني بالأحماض الأمينية الأساسية، فاحتواء الكينوا على مواد صابونينية يقلل من أمكانية استخدامها كغذاء وكعلف، فضلاً عن أن الاهتمام بهذا المحصول من العديد من الدول كان موجهاً للتوسع بزراعته في الأراضي المالحة لانتشار ظاهرة التملح فيها بشكل كبير.

وهناك أيضا (البونيكام) و الذي مازال الحديث عنه كمحصول علفي ذي استدامة طويلة في الأرض وأقل استهلاكاً للمياه وأقل تكلفة، مع إمكانية الاعتماد عليه كبديل عن العديد من الزراعات العلفية التقليدية؛ منها الذرة العلفية والفصة والبرسيم، وذلك على اعتبار بأن النبات قد يحتوي نسبة عالية من البروتين (١٨-٢٢ %)، هذا المحتوى يدعو للتساؤل على اعتبار أن النبات نجيلي واستخدامه كعلف أخضر أو جاف وليس كعلف حبي مركز) ومتحمل للجفاف والملوحة.

هناك أراء تقول بأن هذا النبات متطلب وبدرجة متوسطة للماء ورغم كبر عدد حشاته نسبياً مقارنة بالمحاصيل العلفية البقولية (فصة- برسيم) إلا أن النبات مع ازدياد عمره ترتفع نسبة الألياف في أوراقه ويقل معها نسبة البروتين، وبالتالي عدم إمكانية الاعتماد عليه لوحده في التغذية الحيوانية.

تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]