فساد في الهواء الطلق ينتظر إدراج المعالجة في ملف إعادة الإعمار…مناطق المخالفات السكنية ليست شاهد زور!!!

 

 

لعله شاهد لا يكذب…مشهد عشوائيات البناء “الإجباري” بل هو واجهة عرض جاهزة لكشف محتويات ما خلفها من وحدات الإدارة المحلية، وتشكيلة بصمات أصحاب المصالح والنفوذ .

فلعل أبرز نتائج الفساد الظاهرة لعيان كلّ من القاصي والداني على مستوى سورية، تتجلى بمناطق العشوائيات ومخالفات البناء، التي أصبحت ظاهرة معقدة متداخلة بخيوطها مع تشابكات منظومة الفساد المعلن، رغم صدور كثير من القوانين الخاصة بقمعها والحدّ من انتشارها، لكن محترفي وهواة الدفع والاستلام من تحت الطاولة ومن فوقها، لم يعدموا الوسيلة للالتفاف على الأنظمة والقوانين تارة، وتجاوزها تارة أخرى، وبمقدار نفوذ المخالف وقدره في المجتمع والدولة وملاءته المالية من جهة، وعدم اكتراث مسؤولي وحداتنا الإدارية وتورّطهم بأعمال الفساد من جهة أخرى، بمقدار ذلك تكون المخالفة جسيمة وراسخة رسوخ الجبال، وسنورد من واقع التجربة حالتين لندلّ بهما على مدى سخرية وحداتنا الإدارية وازدواجية تعاطيها مع عشوائياتنا.

 

خارج قوسين!

تمثل الحالة الأولى مخالفاً استطاع من خلال نفوذه أن يبني طابقين إضافيين فوق بناء نظامي يتحمّل أربعة طوابق فقط حسب المعايير الهندسية المحددة لهذا البناء، ولم تستطع البلدية ثنيه عن هدفه ولو قيد أنملة، وخاصة بعد أن دفع المعلوم ليس بدافع الخشية من عدم الاستمرار بالمخالفة، ولكن بدافع تقليل الضوضاء من حوله…!.

 

غضب..!

بينما تمثل الحالة الثانية اضطرار أحد السكان في إحدى القرى الصغيرة، لبناء غرفة بجانب منزله الصغير الذي ضاق ذرعاً به وبأبنائه، فاستشاط بذلك غضب البلدية والأجهزة الرقابية، لقمع مخالفته لاعتبارات تتعلق بتشويه المنظر العام والتعدّي على المخطط التنظيمي وتقليص المساحة الخضراء وو..الخ، علماً أن كثيراً من المخالفات تبنى في وضح النهار في العاصمة دون تدخل أية جهة، أو يكون تدخّلها صورياً من باب رفع العتب وذرّ الرماد في العيون…!.

تشوه!!

الآن وبعد أن استفحلت ظاهرة العشوائيات، وغزت جميع المدن والمناطق والبلدات، تضاربت الأفكار والمبادرات حول كيفية معالجتها والحدّ من انتشارها، وخاصة أنها ليست وليدة اللحظة وإنما تمتد بجذورها إلى سنوات طويلة مضت، وجاءت نتيجة أسباب عدة اجتماعية واقتصادية وثقافية، حتى بتنا أمام مشهد مشوّه يستدعي تدخّلاً جذرياً وليس إسعافياً، وعلى متخذي القرار حيال هذا الموضوع أن يعرفوا بالضبط نقطة البداية لوضع برامج وآليات واضحة ومحدّدة المعالم، لاستئصال هذه الغدة السرطانية العقارية، وتحديد التدخل في المناطق حسب الأولويات التي تفرضها طبيعتها، هذا إن وجدت الإرادة الفعلية للتغيير، التي تستوجب الابتعاد عن القرارات الارتجالية الآنية التي لا تغني ولا تسمن من جوع، بل بالعكس قد تزيد الطين بِلّة، وينقلب السحر على الساحر.

حبر على ورق..!

ويؤكد مصدر في محافظة دمشق وجود دراسات وأبحاث كفيلة بمعالجة هذه الظاهرة ولو نسبياً، ولكنها –للأسف- لا تزال حبراً على ورق، إضافة إلى طرق وتجارب عالمية يمكن الاستفادة منها بهذا الخصوص، موضحاً في حديثه لـ”البعث” أنه لا يوجد لدينا استراتيجية عامة لمعالجة العشوائيات على مستوى سورية، وبحكم اطّلاعه على مدينة دمشق يؤكد أنها محاطة بحزام من العشوائيات تحتل أكثر من ربع المساحة المبنية ويبلغ عدد سكانها أكثر من مليون نسمة، معتبراً أن مشاريع تطوير العشوائيات يجب أن تكون مدروسة على قدر كبير، وأن توجّه نحو المناطق الأكثر تعقيداً وليس كما هو حاصل حالياً، حيث إن أي مستثمر أجنبي يأتي للاستثمار في سورية تترك له حرية اختيار مكان ونوعية المشروع، والأدهى من ذلك أنه في حال اختارت الجهة العامة المعنية بالمشروع المنطقة المستهدفة، تختار له مناطق خالية من أية إشكاليات، أو أنها تقدّم له التسهيلات وتتعهّد بإزالة الإشغالات دون أية مفاوضات معه حول تحمّله بعض الصعوبات ويشاركها المسؤولية بالتطوير..!.

 

منطق رياضي

يؤكد علم الرياضيات أن معرفة سبب أي مشكلة وتحليلها يعني حل 50% منها، ومن هذا المبدأ يرى شادي زهرة (محامٍ متخصص بالشأن العقاري) أن الحل ينطلق من سبب المشكلة، المتمثل بعدم وجود أراضٍ معدّة للبناء والسكن تتوافر فيها البنى التحتية اللازمة من ماء وكهرباء وصرف صحي وطرقات..الخ، فرغم وجود المخططات التنظيمية لكثير من المناطق إلا أنه لا يوجد اهتمام بتنفيذ هذه المخططات، مشيراً إلى وجود بنية تشريعية مهمة بهذا الخصوص تتمثل بالقانون 9 لعام 1974 والقانون 26 لعام 2000، اللذين يجب الاهتمام بهما لإمكانية تنفيذ المخططات التنظيمية، وبالتالي إتاحة الأراضي المعدة للبناء والحدّ من انتشار العشوائيات على أقل تقدير، مشيراً إلى وجود قضايا أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار من شأنها المساهمة في تخفيف حدّة العشوائيات مثل عدم تمركز الجامعات في أربع مدن رئيسة فقط واضطرار أبناء -وأحياناً عائلات الطلبة- للسكن في عشوائيات هذه المدن وخاصة دمشق.

مقارنات لمن يرغب

رغم أن ملف العشوائيات من أكثر الملفات تعقيداً، إلا أن المشهد العام لها في سورية لا يزال مقبولاً إلى حدّ ما مقارنة مع كثير من دول العالم، حيث إن ظاهرة السكن العشوائي في سورية لا تعتبر ظاهرة لها خصوصية مميزة فهي ليست صفيحاً ولا “عششاً”، بل هي مناطق سكنية تتمتع بكل الخدمات المقدمة للمساكن النظامية في مراكز المدن من حيث الكهرباء والمياه وشبكات الصرف الصحي، أما من الناحية الإنشائية فإن عوامل الأمان غير موثوقة بالعديد من هذه المناطق، وقد يتطوّر الموضوع ويخرج عن السيطرة الكلية في حال استمرار نموّها المطرد، وبالتالي يصبح الصفيح جزءاً لا يتجزأ من عشوائياتنا، لذلك لابد من تفعيل شركات التطوير العقاري وتوجيهها نحو عشوائياتنا ضمن شروط تجعل منها أداة فاعلة وقادرة على قلب منظومة المخالفات وتحويلها إلى ضواحٍ سكنية بمواصفات عصرية، ونعتقد أنه على وزارة الإدارة المحلية وهيئة التطوير والاستثمار العقاري أن تلعبا دوراً في هذا الشأن بحيث تسارع الأولى إلى حل إشكالية التملك في العشوائيات عبر تفعيل القانون 33 لعام 2008، وأن تحدث الثانية مناطق تطوير تطول العشوائيات وتوجّه الشركات نحوها لتطويرها.

الخبير السوري – البعث

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]