الاقتصاد الابداعي وخيارات من خارج الصناديق الصماء..

كتب الدكتور عامر خربوطلي:

بعد الأزمة القاسية التي مرّت بها سورية وأدت إلى تداعيات كبيرة على الاقتصاد السوري , لم تعد الطريقة التقليدية لإعادة النهوض والتطوير قادرة على تعويض مافقده هذا الاقتصاد بجميع قطاعاته ولا بد من تفكير جديد خارج الصندوق أو المربع يحول سورية من بنيان اقتصادي ضعيف تتراكم مشاكله وتؤدي لضعف وتراجع إلى اقتصاد جديد بقواعد جديدة غير مألوفة سابقاً وتعيد انتاج قيم مضافة جديدة بسرعة كبيرة تعتمد فيها على عناصر إبداعية لم يألفها الاقتصاد السوري سابقاً .
إنه الاقتصاد الإبداعي الذي حول دولاً عادية جداً أو ضعيفة إلى دول على درجة عالية من التطوير وبمدة ليست بالطويلة.
منهج التطوير الاقتصادي التقليدي لم يعد يجدي لتحقيق التحول المطلوب ولا بد من دخول عالم الاقتصاد الإبداعي.
فما هو هذا الاقتصاد الجديد الذي حقق المعجزات الاقتصادية في العديد من الدول التي كانت فيما مضى أقل نمواً وأصبحت الآن من أهم اقتصاديات العالم وبفترة قصيرة , لنرى……
الاقتصاد الإبداعي هو استثمار الأفكار الريادية وتحقيق قيم مضافة خلال زمن قياسي هو أيضاً طريقة جديدة للتفكير يعتمد التميز العلمي والتقاني والتكنولوجي والفني ومن استثمارات الاقتصاد الإبداعي نذكر سريعاً.
الصناعات الثقافية والابداعية كأحد روافد الاقتصاد الإبداعي ومحركاً من محركات النمو، باعتبارها مصدراً رئيساً للوظائف واستثمار الأماكن التاريخية والفنية ويكفي الإشارة إلى الاستثمارات في الثقافة: كالنشر وصناعة السينما وإقامة الحفلات الموسيقية، برج إيفل الذي يعادل ثقله الاقتصادي السنوي 1 على 15 من الدخل القومي لفرنسا.
الاستثمار في التكنولوجيا:
هو قطاع واسع جداً يشمل كل شيء ويعد قطاع التكنولوجيا موطناً للشركات من جميع الأحجام بما في ذلك الشركات الناشئة أو العلامات التجارية
وتندرج عدة قطّاعات تحت بند الاستثمار في التكنولوجيا مثل: الذكاء الاصطناعي، الهواتف الذكية، أجهزة الحاسوب والبرامج، خدمات البث. ، والأمن السيبراني
الاستثمار الصناعي الإبداعي
فإن الصناعات الابداعية هي الوحيدة التي لا تنهار أمام أي تغيير أو اقتصاد منافس أو أزمة مالية، بل على العكس من ذلك، تتجلى أهميتها في صنع تاريخ المكان والحفاظ على هوية المجتمعات بكل مساراتها ووسائلها وأشكالها لأنها قائمة على الفكر الصناعي المستدام.
توسعت الصناعة الابداعية لتشمل قسم كبير من الصناعة المستقبلية الغير تقليدية مثل: المتاحف والمكتبات والمعارض، الموسيقى والصناعة السينمائية، الرسوم المتحركة والأنيميشن، بالإضافة لتصميم المنتجات وتطوير البرامج.
الاستثمار في الطاقة المتجددة
هي نوع الأعمال التي تتدخل في تحويل الطاقات المتجددة إلى مصادر للدخل والترويج لها، وأن ما يقارب 65 دولة تخطط للاستثمار في الطاقات المتجددة، وعملت على وضع السياسات اللازمة لتطوير وتشجيع الاستثمار في الطاقات المتجددة
الاستثمار في الخدمات الإبداعية
الاستثمار الحقيقي المبدع هو الاستثمار في المواهب، فقد تغيرت أسس الاستثمار و تطورت لتشمل مجالات فهي مبنية على تخفيض رأس المال لتؤمن عوائد مالية عالية باستخدام التنمية الفكرية للخدمات مثل:
الاستثمار في القطاع الإعلامي و وسائل الإعلام الجديدة، وتشمل (البرمجيات، وألعاب الفيديو، والمحتوى الإبداعي الرقمي
• الاستثمار في قطاعات التسويق و الإعلان.
• الاستثمار في التجارة العالمية والبيع عن طريق الانترنت للعالم ككل.
• خدمات التصميم، وتضم (الرسم، والأزياء، والمجوهرات، ولعب الأطفال)
الخدمات الإبداعية الذكية، وتضم (الخدمات المعمارية، والخدمات الثقافية والترفيهية، وفي بعض الأحيان الأبحاث الإبداعية
مثلاً الصين و بعد أن أدركت أن الابتكار هو القوة الدافعة الأساسية وراء التنمية، تتجه اليوم نحو الإبداع في التصنيع فلم يعد هناك “صنع في الصين”، بل من الآن فصاعداً “تم إنشاؤه في الصين”.
انتقلت الصين من مرحلة الخدمات الصناعية لدول العالم إلى مرحلة التفوّق الصناعي العالمي، بعد الخبرة العالية التي اكتسبتها من الصناعة المتنوعة أصبحت الآن تجتاح العالم بعبقرية ابداعية باعتمادها على ابتكاراتها المحلية و ابداع الصناعيين فيها
في عام 1971 كشفت الحكومة الماليزية عن برنامج للإصلاح الاقتصادي سمته “سياسة اقتصادية جديدة” (NEP)، وفي السبعينيات شهدت ماليزيا أسرع توسع اقتصادي لها، حيث بلغ معدل النمو في ذلك العقد 7.9% سنوياً.
قامت اليابان بدور مهم بالثورة الصناعية في ماليزيا، حيث إن البلاد تم هندستها حرفياً من خلال رأس المال والتكنولوجيا اليابانية في الثمانينيات والتسعينيات
بدأ التصنيع، وحولت ماليزيا تركيزها بشكل كامل إلى تصدير السلع المصنعة مثل مكيفات الهواء والثلاجات وأجهزة التلفاز وأجهزة الكمبيوتر، بدلاً من مجرد بيع المواد الخام مثل القصدير والمطاط.
وقد دفع هذا المجتمع الاقتصادي العالمي إلى دراسة هذه الظاهرة الفريدة بعد أن ظلت ماليزيا بعيدا عن متناول مؤسسات الاستشارات الاقتصادية الدولية
بحلول عام 2012، أضحى دخل الفرد السويدي يتربع في المرتبة السابعة عالميا، وقام المنتدى الاقتصادي العالمي بتصنيف السويد كرابع دولة تنافسية في العالم.
وتتلخص رحلة “النموذج السويدي” لقهر الفقر في تسوية تمت بين القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
ولكي يتمكن “النموذج السويدي” من تحقيق “السهل الممتنع” استخدم 3 أساليب هي الحكم الرشيد، والابتكار، والتجارة الحرة.
فى بداية القرن الماضي أدركت أهمية الاقتصاد الإبداعي من أجل الازدهار، فتحولت السويد من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي، حيث تم تطوير اقتصاد يهدف إلى التصدير مع التركيز بشكل رئيسي على التجارة الخارجية.
بدأ ذلك مع تصدير المواد الخام الأساسية كالقطران والحديد والنحاس والخشب، إلى أن وصل في الوقت الحاضر إلى تصدير المعرفة والأفكار المبتكرة.
أصبحت السويد تمتلك الآن نحو 40 ألف شركة تصدر إلى الخارج وأكثر من نصف المنتجات المصنعة في السويد يتم تصديرها إلى الخارج، وتمثل الصادرات 50% من الناتج المحلي الإجمالي السويدي.
أخيراً لا يمكن أن يكون غاية طموحنا الاقتصادي في سورية هو العودة لعام /2010/ بل أن يكون عام /2030/ مثلاً عام الوصول إلى مراتب متقدمة من النهوض الاقتصادي والتقدم التكنولوجي والاستثمار الأمثل للعقول السورية والموارد البشرية (والقيم والفنون والعلم) وهي ثلاثية الانطلاق الجديد.

دمشق في 25/1/2022.
كتبه: د. عامر خربوطلي
العيادة الاقتصادية السورية
فيسبوك
Syrian Economic Clinic

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]