الرؤوس الخاوية وبيت القصيد؟؟

ناظم عيد – الخبير السوري:

كم هو مخيف هذا المصطلح –  الخواء – بل مريع في هذا الزمن الكئيب المثقل بأوزار الحرب والحصار.

 بغيض هو الخواء بوقعه وتجلياته الصعبة، والأبغض أن تأخذنا الحالة الحسيّة إلى مفهوم محدود له، ونحن في نهايات عصر الغذاء الرخيص وإيقاع متصاعد لوتيرة المجاعات التي لم تعد محصورة في دول الفقر المدقع، المتهمة تقليدياً بمشاهد طالما كانت كنوزاً استثمرها المصورون الاحترافيون عالمياً لحصد جوائز اللقطة الأكثر تعبيراً و تأثيراً.

سلسلة أوجاع مزمنة في هذا العالم نأت بدلالات مصطلح ” خواء ” إلى حيث الموائد الفارغة والأطباق المترعة هواء وليس إلا، وبالتالي البطون الخاوية التي أمست تحدياً قاسياً للاقتصاديين والساسة.

إلّا أن الأخطر اليوم ليس خواء البطون بل خواء الرؤوس، خطر يدركه جيداً كل ذي رأس ممتلئ يتوجس من حتمية الغرق في لعبة تحدٍ وصراع مصيري بين الامتلاء والخواء، ولا نظنها لعبة عفوية بل مدارة بحذاقة، ففي هذا العالم لاعبون مهرة أتقنوها وبرعوا في تعليبها كوصفات مصنعة خصيصاً إلى حيث الاحتفاء بها في هذا الشرق .

لقوانين الفيزياء بصمتها اللعينة في تعويم الرؤوس الخاوية، لأن الفارغ يطفو على السطح دوماً، ومصير الممتلئ أن يرسو إلى القاع، ولا بأس إن كان قدر الأخير أن يكون رافعاً وحاملاً للأول..لكن الطامة الكبرى أن الفارغ يستعرض على الواجهات مهارات الممتلئ المغمور، وهذا أكثر ما يترك ألف رضّ ورضّ في عمق عمق النفس والروح .

صحيح أن شاعراً مكتوياً وربما مقهوراً من موقف ما، أنشد ووثّق للتاريخ بيتاً من الشعر يقول فيه:

 ملأى السنابل تنحني بتواضع ** والفارغات رؤوسهن شوامخ

لكن المعضلة اليوم أبعد من مجرد موقف أو استفقاد لخصلة حميدة محببة..لأن ” شوامخ الرؤوس” تسللوا إلى مقصورات القرار وبعضهم يمعن في إذلال ” السنابل المليئة”..ويتعدّى الأثر هنا البعد النفسي، إلى آخر بنيوي في حياة المجتمع بمؤسساته، والحالة تقترب من شكل التدمير المتعمّد، بما أن الفارغ الخاوي لا يمكن أن يقرّب ممتلئ بل يستعديه ويستبعده، باعتباره مصدر خطر كبير على من هو مصدر خطر على البلد..أي انتقال من توازنات الرعب إلى صراع المخاطر بدأ الخاوي يحقق انتصاراته فيها، لأن خواؤه جعله أكثر رشاقة وقدرة على الكر والفرّ.

ملاحظة: الخَوَاءِ من الأرض هي الَّتِي لاَ زَرْعَ فِيهَا وَلاَ شَجَرَ بِهَا..أما خواء العقول فهو غير محدود

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]