جدلية الحجز الاحتياطي باقية بلا حل مقنع..لا يزال محطّ جدل بين تحصيل «المال العام» والتعسف با «الخاص»؟؟!!

 

 

دمشق – الخبير السوري:

كثير من التحفظات تثار حول الحجز الاحتياطي، ولاسيما من جهة التشهير بمن تطوله هذه القضية، فما إن يصدر قرار الحجز على أحد المشتبه فيهم -وقبل أن يحال إلى القضاء الذي قد يثبت براءته- تسارع صحفنا إلى تناول القضية من جوانبها كافة، وتتفنّن بسردها وتحليلها واستخلاص النتائج التي غالباً تجانب الحقيقة ما يتسبّب في تشويه سمعة الشخص المدان أو الشركة المدانة.

فبمجرّد أن يصدر قرار الحجز يمنع المالك من التصرّف بأمواله المنقولة وغير المنقولة رغم أنها تبقى بحوزته، ولضمان ذلك تقوم وزارة المالية بمراقبة ممتلكاته وتمنعه من بيعها والمتاجرة بها، على اعتبار أن ديون الدولة من الدرجة الممتازة، إلا أن هذا الدين لم يقرّر بشكل نهائي وخاصة إذا أحيل إلى القضاء وكلمة الفصل في النهاية للقضاء، ويتساءل المكتوون بنار الحجز “لماذا يطول الحجز جميع أموالهم وأصولهم ولا يحجز على القيمة الفعلية المطلوبة؟” فهناك الكثير ممن يستطيع تسديد ما يترتب عليه من ديون لمصلحة الجهة المطالبة، فعلى سبيل المثال إذا كان أحد الأشخاص أو إحدى الشركات المحجوز عليها مطالبة بتسديد مبلغ 2 مليون ليرة سورية لإحدى الجهات العامة وكان رأس مالها مليار ليرة سورية، يتم الحجز على كامل رأس المال دون الاقتصار على المبلغ المطلوب فقط ويمنع من المغادرة، رغم أن الحجز على المبلغ المطلوب يحفظ حق الجهة العامة، ويحدّ في الوقت نفسه من التشهير والقدح بالمحجوز عليه، ولاسيما أن القضاء لم يفصل نهائياً في القضية ومن المحتمل أن تنتهي القضية لمصلحته وتتم تبرئته من القضاء.

خطورة..!

يبيّن المحامي صلاح الدين شريف أن القاضي يقرر الحجز على ما يكفي لوفاء الدين، ومأمور التنفيذ هو الذي يقدّر قيمة المال عندما ينفذ الحجز، فإذا وجد الأخير أن المال يزيد على المطلوب منه يتقدم بطلب إلى القاضي لقصر الحجز على قيمة المال المطلوب من المدين، مشيراً إلى أن بعض القضاة للأسف ربما لا ينتبهون إلى خطورة الحجز، وما ينجم عنه من تداعيات خطيرة جداً على مستقبل أعمال المدين سواء أكان تاجراً أم صناعياً أم غير ذلك، لذلك لابد أن يكون القضاة حذرين قبل أن يلقوا الحجز، ولاسيما أن التاجر أو أي رجل أعمال يهمّه بالدرجة الأولى سمعته الجيدة، وللأسف أُعطي لكل قاضٍ حق إصدار الحجز الاحتياطي وليس من الضروري أن يكون الدين ثابتاً فيكفي أن يكون هناك (احتمال، ترجيح، وجود دين بذمته.. الخ) فهناك الكثير من القضاة يصدرون قرار حجز احتياطياً دون التأكد من ثبوت الدين ووجود أدلة كافية على ذلك، ومن ثم يترك المجال للمدين للاعتراض على الحجز وهذا قد يأخذ سنوات طويلة.

أداة تنفيذ

في حين اعتبرت مصادر في وزارة المالية أن الحجز على جميع الأموال هو تدبير احترازي ضماناً للمبالغ، وأحياناً يتم قصر الحجز من خلال تقديم طلب لوزير المالية ليبتّ في هذا الأمر، موضحة أن هناك تدبيراً مُقرّاً بقرار صادر عن وزير المالية مستند إلى قانون جباية الأموال العامة يمكن من خلاله قصر الحجز على مبلغ يغطي المبلغ المطالب به زائداً 35% كهامش احتياطي، وهذا من باب التخفيف ولاسيما إذا كانت الذمة نهائية ومتحققة، أما إذا ورد في تقرير الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش أن هذا التقرير أولي وهناك تحقيقات مستقبلية أو مبالغ قد تصدر، عندها لا يمكن قصر الحجز، مشيرة إلى أن وزارة المالية موكلة بالحجز كأداة تنفيذ للأجهزة الرقابية إضافة إلى الصلاحيات التي يمارسها الوزير فيما يتعلق بالضرائب والرسوم.

وللإعلام دوره

تساهم وسائل الإعلام وخاصة الإلكترونية منها بتكريس التهمة بحق المحجوز على أمواله، ما يؤدّي إلى زعزعة الثقة بالمحجوز عليه من عملائه، وحتى إن ثبتت براءته لاحقاً فإن التهمة ستبقى ملاصقة له، وهذا بطبيعة الحال سيؤثر في أعماله ونشاطاته الاقتصادية وبالتالي قد يؤثر في الاقتصاد الوطني من خلال الحدّ من دخول الاستثمارات العربية والأجنبية، حيث إن المستثمر يبحث دائماً عن بيئة ملائمة تتمتع بقوانين وتشريعات تشجّعه على المضي قدماً في أعماله، ما يحتّم وجود قانون يضبط عملية النشر ويوضح الغاية من نشر القرار في حال استوجب نشره دون التشهير بصاحب العلاقة، وتؤكد مصادر المالية أن القرار لا ينشر في الصحف العامة والخاصة من الوزارة وإنما يعمّم على جميع الجهات العامة وينشر في الجريدة الرسمية التي هي بالأساس متخصصة في نشر القوانين والمراسيم والقرارات، وهي لا تعمّم على الشعب وإنما تعمّم على الجهات العامة، أما نشر قرارات الحجز في الصحف فهو مجرّد جهد من الصحفيين.

من باب التعريف ليس إلا!

في المقابل اعتبرت مصادر أخرى أن الهدف من نشر قرار الحجز في الصحف الرسمية يأتي ضمن سياق تعريف وتحذير الآخرين من أن هذا المال مخصص لوفاء دين فلان من الناس، ولكن للأسف يستخدم النشر وسيلة للتشهير بالناس، مشيرة إلى أن هناك طرقاً أخرى غير النشر كأن يبلغ المدين شخصياً وأن يسجّل القرار بالسجل المخصص، فالسيارة مثلاً لها سجل في وزارة النقل والباخرة لها سجل في المرفأ والعقار له سجل بالمصالح العقارية والتاجر له سجل تجاري… الخ.

الصناعي عبود يوسف أكد أن نشر قرار الحجز الاحتياطي قد يسيء من غير قصد إلى من تمّ عليه الحجز، وإذا كان القانون يسمح بالنشر فمن المفترض إعادة النظر ما دام احتياطياً وليس حجزاً تنفيذياً.

كي لا يغبن أحد

لا يختلف اثنان أن المال العام هو في النهاية مال الشعب ويجب الحفاظ عليه لأن المصلحة العامة مقدّمة على المصلحة الخاصة، ومن هذا المنطلق كان لابد من اللجوء إلى الحجز الاحتياطي لضمان الحق العام، لكن ليس على حساب إلحاق الضرر بالآخرين، لذلك لابد من التوصل إلى صيغة توافقية يضبط من خلالها تطبيق القانون بشكل لا يغبن به أحد، ما يحتم بالتالي إعادة النظر في النصوص القانونية الناظمة لموضوع الحجز الاحتياطي بحيث تكون أكثر موضوعية وعدالة، وأن يكون لكل من الطرفين استخدام ذلك الحق (الجهة العامة والشخص الطبيعي أو الاعتباري) دون التمييز بينهما، وأن يكونا على مسافة واحدة من القانون، لأن قصر هذا الحق على الجهة العامة دون الجهة الخاصة بحجة المصلحة العامة يؤدّي إلى إلحاق الضرر البالغ مادياً ومعنوياً للشخص الطبيعي أو الاعتباري، ولاسيما أنه جزء من المصلحة العامة، وأن أي ضرر يصيبه ينعكس على الاقتصاد بشكل عام.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]