المدينة السورية التي كسرت طوق الماضي تنتظر من يتعلّم الدرس..التنمية بديل ذهبي للدوران في “دوّامة التاريخ”..

ناظم عيد – الخبير السوري:

ربما لسنا بحاجة إلى جولات وبعثات اطلاعية إلى الخارج، لنقل تجارب المجرّبين، الذين خرجوا من المربّعات الصفرية وتجاوزوا حواجز الفقر وتخلّصوا من تبعاته..إذ لدينا في سورية نماذج تعفينا من عناء وتكاليف السفر والترجمة واحتمالات عدم الفهم والالتقاط، والوقوع في غواية بدلات الاغتراب والمهمات الخارجية..

فهنا على مقربة من العاصمة دمشق و إلى الشمال الشرقي منها تقع بلدة يبرود، النموذج اللافت الذي يستحق المعاينة والتعميم، لجهة ثقافة العمل بل ثقافة الحياة عموماً، والخيارات التنموية التي انخرط فيها مجتمع هذه المدينة العريقة بتنوعها الثقافي لجهة الإثنية والمذهبيّة التي ذابت تحت عناوين التنمية، فالجميع منهمك بالعمل، ولا وقت للترّهات واستحضار ارتكاسات التراث المغبرّة والبائدة التي كادت تبعثر حضارة المجتمع السوري، وهذه الأخيرة حقيقة لمسنا تجلّياتها خلال حرب سورية مع الإرهاب.

بالأمس أفردت صحيفة الأخبار اللبنانيّة حيزاً لتحقيق عن مدينة يبرود السورية، ووصفتها بأنها ثاني أكبر مدينة صناعية في سورية بعد حلب.

الواقع قبل أن تتحدث “الأخبار”..كنّا في حديث مع أحد أبناء هذه المدينة النموذج، وهو الدكتور بطرس حلّاق أستاذ الإعلام البارع في رصد الظاهرة التنموية التي شهدتها مدينته، و تحليل النتاج المجتمعي لها والتحولات التي اعترت المدينة على كل المستويات، بعد أن اتجه أهلها نحو الاستثمار والعمل بعيداً عن عقد الماضي و”تابلوهات” الحاضر المرير، فكانت مدينة جديدة بحلّة أخرى مختلفة.

يبرود كانت مدينة فقيرة بحكم موقعها الجغرافي والبيئة شبه الصحراوية التي تتموضع فيها..نأت بها الطبيعة عن الخصوصيات الزراعية التي تحظى بها سورية..فكانت الخيارات الحرفية والصناعية هي الملاذ الأكثر جدوى، لتنشأ مطارح الإنتاج بتسارع أفقي مذهل.

النموذج ” اليبرودي” هو حالة مرنة تصلح للتطبيق على امتداد الجغرافيا السورية، بل ربما ستكون التجربة واعدة أكثر في مناطق الإنتاج الزراعي ذات الميزات النسبيّة، وهي متنوعة لدينا في سورية وتعد بـ”سّلة متكاملة” من منتج الصناعات الغذائية التي هي مشاريع صغيرة ومتناهية الصّغر، وهي ذاتها المشروعات التي لم تنجح حكومات وحكومات في توطينها.

ليس هُراء أن ندّعي أن بطالتنا في سورية تختلف عن البطالة بمفهومها الشائع، وعن البطالة التي يجري الحديث عنها في أروقة منظمة العمل الدوليّة، والتي نتداولها نحن في أروقة القرار وفي أوساطنا الشعبيّة.

فبطالتنا تبدو بطالة وسائل إنتاج أكثر مما هي بطالة قوى عاملة جاهزة للعمل ولم تُتح لها الفرصة، كما أنها تتسلل إلى مضمار القوى العاملة تحت المسمى البغيض والخطير وهو ” البطالة المقنّعة”.

لسنا هنا في صدد الاختلاف على التوصيف والتسمية، بل الأهم أن نلامس جوهر المشكلة التي انبثق عنها كل الاختلاطات والتبعات الناتجة عن ظاهرة البطالة ككل، سواء كانت بطالة وسائل إنتاج أو بطالة قوى عاملة، وعلى كل حال بطالة النوع الأول هي التي تخلق النوع الثاني من البطالة، فالمشكلة مترابطة ومتّصلة حتى الالتصاق لجهة الأسباب والنتائج.

بطالتنا في سورية بطالة وسائل و أدوات إنتاج، قوامها أصول معطّلة ومحيّدة عن الفعل الاستثماري، و أصول أو مشاريع أخرى افتراضية – هي امتداد للأولى – لم تجد ثقافة العمل المناسبة لخلقها، وهي بالعموم تندرج تحت عنوان المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، التي باتت في عالم اليوم عماد التنمية ببعديها الاقتصادي والاجتماعي، بل وحتى المجتمعي..تماماً كما نموذج يبرود الذي نحن بصدد الحديث عنه.

المسألة أبعد من مجرّد حالة اقتصادية ..فمجتمعنا السوري بتنوعه الثقافي، وما يندرج تحت هذا العنوان من تفاصيل كثيرة، بحاجة إلى معززات انتماء ومفردات حياة مختلفة، لا تتيحها إلّا حالة الالتصاق النفعي – التنموي بالأفق وبالقادمات من الأيام..فالإنتاج يعني التنمية، والتنمية تعني رأس المال، ورأس المال يعني البحبوحة والانطلاق نحو المستقبل بنظرة تفاؤلية، وهذا يعني أن الجميع يعمل كي يعيش وليس ” يعمل كي يموت كل على طريقته وارتباطاته بفتاوى تتقاذفه من كل حدب وصوب”.

تعليق 1
  1. بسمة ابراهيم يقول

    صدقت أ. ناظم
    لدينا في بلدنا الكثير من الموارد التي يجب علينا أن نستغلها بالشكل الأمثل ونحقق الاكتفاء الذاتي الذي يعد أول خطوة لتحقيق استقلالية الدولة ، كما يجب علينا أن نشجع المشروعات الصغيرة والمتوسطة لأنها العصب الرئيسي لاقتصاد أي دولة سواء متقدمة أو نامية ، حيث تتميز بقدرتها العالية على توفير فرص العمل، كما أنها وسيلة لتحفيز التشغيل الذاتي والعمل الخاص فضلا عن أنها تحتاج إلى تكلفة رأسمالية منخفضة نسبيا لبدء النشاط فيها،و تساهم افي تحسين الإنتاجية وتوليد وزيادة الدخل.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]