ثلاثة متهمين بمشكلة البطالة..وطالب العمل ليس بريئاً..

 

 الخبير السوري:

 مجموعة غير العاملين القادرين على العمل والراغبين في أدائه والباحثين عنه، بغية ضمان متطلبات عيشهم، ولكنهم لا يمارسون عملاً لسبب أو لآخر، هؤلاء هم المتفق على تسميتهم مجموعة البطالة البشرية، التي تتكون نتيجة ضعف دور الشَّاكين والمشكو لهم بمعالجة مكوِّنات هذه البطالة في حينها، ما يؤدي لاحقاً إلى ظهور حاجة ماسة لتشكيل جهات لمُعَالجة ما تكوَّن وتفاقم يوماً بعد يوم، ويمكن توزع مكوِّنات البطالة إلى سبعة مكوِّنات رئيسية.

بيروقراطيّةٌ وكساد

أوّل هذه المكونات هو معاناة الكثير من المنتجين من صعوبات وغبن في تسوُّق مستلزماتهم، وأيضاً من صعوبات وغبن في تسويق إنتاجهم، تدفع بعضهم لإضعاف إنتاجه أو توقيفه أو إلغائه مضطراً، ما يترتب عليه بطالة عمل لمن كان يعمل، وأيضاً معاناة الراغبين بإحداث منشآت جديدة من بعض الصعوبات الإجرائية، وما يرافقها من نفقات مجحفة وهدر للوقت، وضعف توفر البُنَى التحتية اللازمة، تدفع بعضهم للتراجع أو عدم الإقدام، ويترتب على ذلك سدُّ الطرق وإغلاق الأبواب في وجه طالبي العمل.

  إن تخفيف حجم البطالة المتكوِّنة بسبب ذلك يتطلب حل مشكلة التسوُّق القبلي والتسويق البعدي، وعلى الجهات الرسمية المعنية بالشأن الاقتصادي الحدُّ من هذه المشكلة، وتوجيه المنتجين /في كل قطاع إنتاجي/ إلى مزيد من التعاون والتنسيق فيما بينهم لتحقيق ذلك، بغية تمكينهم من التمسُّك بمواقع إنتاجهم وتنميتها، كما أن تخفيف وتبسيط الكثير من إجراءات إحداث المنشآت وتخفيض النفقات وتقصير الوقت اللازم لاستكمالها، وما إلى ذلك من تذليل صعوبات ومنح تسهيلات ومنح قروض وتوفير مسبق لكثير من البنى التحتية، تدفع الكثيرين لإحداث مواقع إنتاج جديدة، ينجم عنها المزيد من تشغيل طالبي العمل.

بطالةُ رأس المال

والمكوّن الثاني هو البطالة الموجودة في عوامل الإنتاج الأخرى، إذ إن ما هو قائم في بطالة رأس المال النقدي المجمَّد في المصارف أو في الخزائن المنزلية، والعيني /المتمثل بالمنشآت والمعدات والأراضي المتعطلة جزئياً أو كلياً/ يُكوِّن بطالة عمل، بالحجم الذي تظهر فيه الحاجة ماسة له إذا ما تم استثمار هذه العوامل.

   إن القضاء على البطالة المتكونة بتأثير هذه الشريحة، يتحقق من خلال التوجُّه الرسمي لتشريع واعتماد آليات استثمارية تمكِّن من استيعاب الطاقات الموجودة لدى من يملكون رأس مالٍ نقدياً ورأس مالٍ عينياً، وتشغيل المتعطل منها من خلال معالجة مسببات تعطُّله، ومنح المزيد من التسهيلات التي تمكِّن من استثمار المجمَّد في إحداث منشآت جديدة.

كفاءة

ثم يأتي ضعف الكفاءة العملية لدى الخريجين أو المنقطعين عن الدراسة، بما يتناسب مع ما تلقَّوه نظرياً من علوم، ما يضعف من قدرتهم على الدخول /أو القبول بهم/ في كثير من مواقع العمل كمكوِّن رابع من مكونات البطالة.

إذ إن الإجهاز على البطالة المتكونة من خلال هذه الشريحة، يتحقق من خلال قيام الجهات التعليمية العائدة لمختلف الوزارات بتمكين الدارسين من القدرات العملية إلى جانب تمكينهم من المعارف النظرية حيث يكون المتسرب مؤهلاً والخريج قادراً، على أداء أكثر من عمل عقب مغادرة المقعد الدراسي، لا أن ينتظر من يؤهله ويؤمِّن له عملاً، كما على الجهات التعليمية أن تهتم بتنمية الثقافة التشاركية والتعاونية بين الدارسين، وهم على مقاعد الدراسة بغية دفعهم لتنفيذ التشارك والتعاون فيما بينهم عقب مغادرتهم مقاعد الدراسة، لما يجمع الكثير من طاقاتهم وإمكاناتهم في منشآت ذات جدوى اقتصادية، تحقق المزيد من التشغيل والتنمية، وأيضاً على مركز التوجيه الوظيفي وما شابهه، ومراكز التدريب المنتشرة في جميع المحافظات العائدة للعديد من الجهات الرسمية والخاصة، أن تولي اهتمامها بالمتسربين /كاهتمامها بالخريجين/، وتؤهلهم وتدربهم وتعمل على توجيههم في مسارات عمل تتناسب مع قدراتهم ورغباتهم، والأهم من كل ذلك أن يقوم كل باحث عن عمل بتأهيل نفسه لأكثر من عمل، في مراكز التدريب العامة والخاصة المنتشرة في جميع محافظات القطر، ولدى الكثير من أصحاب المنشآت على تعددها ومختلف أنواعها، فكل عمل يحتاج إلى مؤهل كفؤ لتنفيذه.

عطالةٌ طوعيّة

ونأتي إلى العاطلين عن العمل /خياراً منهم/: وهم القادرون على العمل والباحثون عنه، ولكنهم لم يمارسوا أي عمل يتوفَّر لهم، بحجة أنهم لم يجدوا العمل الذي يرغبون فيه ويناسبهم/من وجهة نظرهم/، في ضوء ما يملكونه من قدرات ومؤهلات وكفاءات، ويعيشون متواكلين على آخرين يعيلونهم على عطالتهم لفترة زمنية قصيرة أو طويلة، بانتظار توفُّر العمل الذي يريدونه، علماً أن بعضهم الآخر قد يمارس أعمالاً متاحة، ولكن ليس بدافع الرضا أو الرغبة، وينظرون إلى عملهم هذا على أنه حالة عرضية مؤقتة، محتفظين بحقهم في تصنيف أنفسهم عاطلين عن العمل، ريثما يتحقق لهم لاحقاً العمل الذي يرغبونه، وبالتالي فإن بطالة هؤلاء عن العمل تكاد تكون خياراً منهم /ولو جزئياً/ وتصنيفاً ذاتياً لأنفسهم، وأغلب هذه الشريحة هم من فئة الداخلين إلى العمل مجدداً وخاصة من الخريجين، ومن الذين تم فصلهم من عملهم السابق لأسباب هم طرف فيها، أكان لضعفهم أم لسوء أدائهم أم غير ذلك.

  إن إضعاف تكوُّن البطالة المتحققة عبر هذه الشريحة يتم من خلال نشر ثقافة عمل /تعليمية ومجتمعية/ يتولَّد من خلالها إقناع من هم على مقاعد الدراسة ومن يغادرونها لاحقاً، بأن كثافة العدد في كثير من المجالات الدراسية، قد لا تسمح بتوفر فرص عمل لهم وفق اختصاصاتهم، وخاصة أولئك الذين لم يدخلوها رغبة منهم، ما يتطلب منهم أن يعدّوا أنفسهم للقبول وبكل رضا بأية فرصة عمل تتوفر لهم، عقب تركهم مقاعد الدراسة، واعتبارها الفرصة المطلوبة ريثما يؤمّن لهم الأفضل، وضرورة تفهُّمهم أن الاتكالية على الغير داء اجتماعي اقتصادي، ودواؤه الأكثر فعالية بيد من هو مُصابٌ فيه، ووجوب حفاظ العامل على عمله الذي هو مصدر رزقه، من خلال تنفيذ الأعمال الموكلة إليه بأمانة وحسن أداء.

متعطِّلون منسحبون

ثم يأتي المُتَعطِّلون عن العمل /خياراً منهم/: وهم شريحة من سبق أن توفَّرت لهم فرصة عمل، لدى الغير أو لحسابهم، ولكنهم رفضوها أو انسحبوا منها بعد مدة من عملهم بها، لسبب أو لآخر ويساعدهم في ذلك تمكُّنهم من تأمين متطلبات نفقات معيشتهم، اتِّكالاً على مدَّخرات سابقة لديهم، أو ما كسبوه من ورثة، أو من تأجير أو بيع بعض ممتلكاتهم، أومن معونة أو دين الغير، وبطالة هؤلاء تكاد تكون /بنسبة ما/ تعطُّلاً خياراً منهم.

  إن القضاء على البطالة المتكوُّنة عبر هذه الشريحة، يتم عبر قيام العامل والجهات المعنية بعمله بمعالجة المشكلات التي يشكو منها /أو يتعرض لها/ عند بدء التعيين وخلاله، بما يتناسب مع ظروفه ومقتضيات المصلحة العامة معاً، وتأصيل ثقافة ألا يترك العامل عمله مهما كانت صعوباته، ما لم يكن ضامناً لتوفر العمل البديل الأفضل حال انقطاعه عن العمل السابق، والتحذير من مخاطر الاتكال على تأجير أو بيع الممتلكات أو الاستدانة المتكررة من الغير، أو الاعتماد الطويل على معونة الغير مهما كانت درجة القربى، لأن ذلك سينضب ولو بعد حين.

بطالةٌ قسرية

بعد ذلك نصل إلى المُعَطَّلين عن العمل قسراً وعنوةً، وتتشكَّل أغلب هذه الشريحة من المبعدين من عملهم لأسباب ليسوا هم طرفاً فيها، أياً كان نوع ومكان هذا العمل، وأيضاً من خريجي الشهادات العليا الذين تابعوا دراستهم بقصد العمل الوظيفي، ويملكون مقومات العمل العلمية من قدرات ومؤهلات وكفاءات وخبرات، ولا يملكون المتطلبات المادية الكافية /النقدية أو العينية/ لاستثمار مؤهلاتهم ذاتياً، ولم يجدوا مؤسسات وهيئات رسمية أو خاصة تستقبلهم لاستثمار طاقاتهم مقابل أجور تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية هذه، والسبب الرئيسي لتكون هذه الشريحة ناجم عن تحجيم التوسع في منشآت القطاع العام، والقصور في إصلاح ما زال موجوداً من منشآته، رغم كل الوعود الجوفاء التي تمت بهذا الشأن، وأيضاً يعود تنامي هذه الشريحة، إلى ضعف وقصور القطاع الخاص بما في ذلك القطاع الاستثماري /بشقيه الوطني والأجنبي/ عن تحقيق التوسُّع الموعود والمنشود في الاستثمارات، رغم فتح الأبواب المُشْرعة أمامهما، وأيضاً إلى ضعف قدرة العديد من المنشآت القائمة على متابعة الإنتاج لأسباب عديدة، وخاصة ما كان منها بتأثير سلبيات مفاعيل اتفاقيات التجارة الخارجية الإقليمية والدولية، ما أدى إلى توقف بعضها جزئياً أو كلياً.

  إن التخفيف من تضخم البطالة المتكونة من خلال هذه الشريحة، يتطلب اتخاذ القرار الرسمي بالتوسُّع في منشآت القطاع العام /الإنتاجي والإنشائي والخدمي والتجاري/، والمسارعة في إصلاح القائم الحالي منها، كي يتم التمكُّن من استيعاب القسم الأكبر من الخريجين، في منشآت جديدة متنوعة في مجالات شتى، وحل المشكلات التي تعاني منها المنشآت التي قد تعمل على فصل عمَّالها لسبب أو لآخر، وتمكين القادرين على إحداث منشآت جديدة من تحقيق رغباتهم في إنجازها, وكل ذلك يتدعَّم من خلال تنمية الثقافة التشاركية والتعاونية لتنمية القطاع المشترك والقطاع التعاوني، عبر تكامل الطاقات المادية مع الطاقات البشرية، ضمن أجواء تؤمِّن إعطاء كل ذي حق حقَّه.

ضعفُ أداء رسمي

وبقي المكوِّن الأهم والأبرز من مكونات البطالة وهو ضعف أو إضعاف دور الجهات المعنية في مكافحة البطالة، والحال التي طالما كانت عليه الآن الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات، التي تم إلغاؤها وتعديل آلية عملها، دليل واضح على ذلك، فالبطالة التي تتنامى نتيجة ضعف أو إضعاف دور الهيئة وما يماثلها من هيئات، هي الأخطر والأكثر أثراً، في تضخيم مشكلة البطالة.

  إن تخفيف حجم البطالة المتكونة بتأثير هذه الشريحة، يقتضي تفعيل دور جميع الجهات المعنية / الرسمية والخاصة / بمكافحة البطالة، عبر التنسيق والتكامل بين أدائها مجتمعة، ومن المقتضى إيلاء الاهتمام بالطروحات الإيجابية للمفكرين الاقتصاديين المهتمين بمشكلة البطالة، وليس الاكتفاء بالاستماع الصامت لطروحاتهم البنَّاءة بهذا الشأن، دون الأخذ بها.

  إن مشكلة البطالة رهنٌ بين معالجَة مُكوِّناتها وتكْوين مُعَالِجاتها، فمزيدٌ من الحكمة في معالجة المكوِّنات وتكوين المعالِجَات، بمنهجية مدروسة متكاملة، يشكِّل المدخل الأساس لإضعافها، ويؤسِّس لتخفيف الكثير من الإجراءات والنفقات اللازمة لاحقاً، لتكوين متطلَّبات معالجة ما تكوَّن، والذي كان يمكن الإضعاف من تكوُّنه بإجراءات أيسر ونفقات أقل، فإضعاف مكوِّنات البطالة البشرية هو المدخل الأساس لإضعافها، وأخف وطأة بكثير من تكوين معالِجَاتها، وكل ذلك من السهولة بمكان، عندما يتم تنسيق وتكاتف الأداء بين الجهات القائمة، ولا حاجة إطلاقاً لتشكيل جهات جديدة.

منشورة سابقاً للكاتب عبد اللطيف عباس شعبان

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]