قناة السويس تشتعل بلا نار..حيث يكون الحريق بقرار..

مي سليمان – الخبير السوري:

” من دمشق هنا القاهرة، من سورية هنا مصر، لبّيك لبّيك يا مصر” …جملةٌ أطلقها الإعلامي السوري الراحل عبد الهادي بكّار عبر أثير إذاعة دمشق عام 1956 رداً على غارات العدوان الثلاثي التي نجحت في تدمير هوائيات الإرسال الرئيسية للإذاعة المصرية، لتتحول إذاعة دمشق طيلة أيام العدوان إلى منبرٍ يصدحُ بحقِّ شعبٍ في الدفاعِ عن سيادة وطنهِ وحماية مقدّراتهِ من أطماعِ دولٍ اعتادت نهبَ خيراتِ الآخرين لإذكاء نيرانِ جشعها في بناءِ ثرواتها على أنقاضِ الإنسانيّةِ.

موقفٌ من سلسلةِ مواقفَ لا متناهيةٍ سجّلها التاريخُ العربي بين طيّاتِ صفحاتهِ غير الناصعةِ البياضِ للسوريّين الذين طالما احتضنوا بأفعالهم قبلَ مواقفهم قضايا الشعوبِ في تقريرِ مصيرها، فحدثَ أن دفعَ السوريون ضريبةَ هذه المواقفَ على شكل حربٍ قذرةٍ هي الأشرس في العصرِ الحديث استهدفت بالدرجة الأولى والأخيرةِ تفريغَ الجين السوري من صمودهِ في وجهِ قوى استعماريّةٍ وإن تغيّرت أشكالها عبر التاريخِ، إلا أنَّ روحَ الشيطان الأكبرِ ومطامعهِ الإجرامية مازالتْ تتردى فيها وهي تحاولُ جاهدةً كسرَ ممانعةٍ أبداهاَ شعبٌ امتهنَ الصمودَ حتى تماهى بهِ.

اليومَ، ومع اتخاذ الحرب شكلاً جديداً يظهر استكلابَ الدول الراعية للإرهاب لحسم المعركة لصالحها عبر حصارٍ اقتصاديٍّ بعيدٍ كل البعد عن حقوق الإنسان التي تتاجر بها تلك الدول، ومع إعلان قناة السويس منع عبور ناقلات النفطِ إلى سوريةَ التي دمّرَ الإرهاب الصروح الإنتاجية والاقتصادية والحضارية فيها، يستذكر السوريون العلاقة التاريخية العريقة التي تربط الشعبين الشقيقين على كافة الأصعدة متسائلين : أما ملّت بعض الحكومات العربية المتنكرة للجميل من دعمِها لحربٍ خاسرةٍ حسمَتها سورية لصالِحها؟

بعيداً عن العواطف وأمام سياسية التجويع والحصار التي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية على سورية ومع استمرار الجيش العربي السوري باستعادة السيطرة على المزيد من الأراضي، تتزايد شدة هذا الحصار حتى بات ينذر بمرحلة جديدةٍ من الخيانات تتساقط فيها الأقنعةِ التي يلبسها بعض الأشّقاء وتتكشف المؤامرات التي كانت تحاك عبر المحافل العربية والدوليّة ضد القيادة السورية.

وجهٌ جديدٌ للحرب يحاولُ بشتى الوسائل المتاحة تضييق الخناق على مفردات الحياة اليومية للسوريين أملاً في خلقِ فجوةٍ تضعفُ ارتباطهم بدولتهم وتمهّد الطريق للمساومة على استقلالية قرارهم السياسي والاقتصادي، وهو ما يستوجب دعماً مطلقاً لكافة الجهود الحكومية الرامية إلى إعادة تدوير عجلة الإنتاج في مختلف المفاصل الاقتصادية والاستثمار الأمثل لكافة الإمكانات والموارد المتاحة وجذب رؤوس الأموال الصديقة لمواجهة العقوبات  وتخفيف الأعباء عن كاهل الدولة وتأمين المقومات المعيشية اللازمة وصولاً لتطبيق سياسة الاكتفاء الذاتي التي أثبتت فعاليتها وقدرتها على توفير مقومات الصمود في ثمانينيات القرن الماضي.

لن يعجزَ شعبٌ أهدى التاريخَ قصةَ صمودٍ لا تتكرر ليزين بها سطورهُ الباهتة عن حسم هذه المعركة الاقتصادية  الشرسة لصالحِهِ، خاصةُ وأنه اجتاز بجدارةٍ فتراتٍ انعدم فيها مخزون القمح وخرجت أغلب آبار النفط عن الخدمة وتدمرت المحطات الكهربائية وأحرقت المحاصيل الزراعية في المناطق التي تسيطر عليها المجموعات الإرهابية المسلحة ونهبت الآلات والمصانع على أيادي مرتزقة الحكومة التركية حتى كاد شريان الاقتصاد السوري ينعطب لولا حزمة إجراءات متكاملةٍ اتبعتها الحكومة للاستمرار في توفير مقومات صمود جيشنا وشعبنا.

منع قناة السويس عبور ناقلات النفط لن يكون الإجحاف العربي الأخير بحق السوريين، ثمّة معطياتٌ تشيرُ إلى أن الحقد الإرهابي على سورية مازال يتلظى في صدور الأمريكيين وربيبتهم إسرائيل وسيتخذ أشكالاً عدة تزدادُ قسوةً مع كل نصرٍ جديدٍ تخطّه القيادة السورية ضد الإرهاب وداعميه، لكن وكما حدث  وسيحدث سيبقى السوريّون في كل الأزمات الدرع المنيع لسيادة وطنهم مهما تعرض للخيانة من الأقرباء قبل الغرباء  ولعل إعلامينا الراحل ” عبد الهادي بكار” لو كان موجوداً لأهدى الحكومة المصرية أبيات نظمها شاعر سوريٌّ مطلعُها : / وإذا تركت أخاك تأكله الذّئاب.. فاعلم بأنّك يا أخاه ستُستطاب!  ويجيء دورك بعده في لحظة.. إن لم يجئْك الذّئب تنهشك الكلاب!

إن تأكل النّيران غرفة منزل.. فالغرفة الأخرى سيدركها الخراب!/

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]