على توقيت التوت

معد عيسى

صمد الاقتصاد السوري بمفردات مرحلة تبني النظام الاشتراكي الذي اعتمد على بناء منشآت اقتصادية ذات طابع إنتاجي واجتماعي، وكشفت الأزمة خطأ تبني الحكومات المتعاقبة منذ العام 2005 وحتى بدايات الأزمة أنظمة اقتصادية متنوعة ذات نهج غربي يعتمد على الاقتصاد الريعي الخاص وذلك على حساب القطاع العام مُقدماً قطاعات السياحة والمصارف وشركات التأمين والخدمات عموماً على المشاريع الاقتصادية الإنتاجية.

وإذا كانت المقاييس الغربية للاقتصاد هي (الدخل الفردي، الاستهلاك، النمو الاقتصادي) فإن هناك العديد من المقاييس الأخرى التي تفرضها خصوصية المجتمعات وخصوصية الظروف التي تواجهها.‏

قديماً في سويسرا كان البحث جارياً عن قطاع يمكن المنافسة والتفوق فيه وتحقيق قيمة مضافة تبعاً لأرض سويسرا البعيدة عن طرق التجارة وفقرها بالمواد الأولية وتم اختيار صناعة الساعات والذي شكل علامة سويسرا الفارقة قبل أن تظهر الساعات اليابانية الرقمية، وفي ماليزيا شكلت الطبيعة الجميلة الأساس الذي بنيت عليه النهضة الماليزية حين تم تبني قطاع السياحة والتي جاءت بالرساميل لباقي القطاعات.‏

منذ أن تآمر قناصل الدول الغربية على صناعة الحرير الشامي وإنتاجه عام 1860 والذي كان يشكل منافساً قوياً في الأسواق العالمية للصناعات النسيجية الغربية لم تعد تظهر الخصوصية السورية في القطاعات بعد أن ضاع سر صناعة السيوف الدمشقية وتراجع الحرير السوري حتى كاد ينقرض.‏

نقاط القوة السورية في عمومها هي مهارةٌ تجاريةٌ دمشقية وإبداعٌ صناعيٍ حلبي والخصوصية هي موقع استراتيجي وتحديات إقليمية وعسكرية تلزم السوريين بوجود حكومةٍ قوية باقتصادٍ يمكن التحكم بمزاياه والإيواء إلى متانته حين تشتد الظروف كما حدث في السنوات العجاف السابقة.‏

وإذا كان الغرض اللحاق بالغرب على طريقته وقوانينه فستجد نفسك حتى إن نجحت في النهاية أمام نفس المشكلات التي تعانيها الاقتصادات المأزومة بالغرب ولا سيما بعد انقضاء عصر النفط الرخيص الذي أشاد الحضارة الغربية على حساب موارد الجنوب وهنا تحديداً كان خطأ السوفيات الذين نافسوا ضمن القواعد الغربية للاقتصاد.‏

في حالة الصين التي احتفظت بالكثير من نقاط القوة للدولة في التخطيط للاقتصاد فقد وصلت وتجاوزت ولا سيما إذا علمنا بأنها استهلكت من الإسمنت في السنوات الثلاث بين 2010 إلى 2013 أكثر مما استهلكته الولايات المتحدة في كامل القرن العشرين ولكنها تجد نفسها أمام حربٍ تجاريةٍ لا هوادة فيها فالسوق الغربية التي أنعشتها هي اليوم التي تدمي اقتصادها.‏

ما نستطيعه في قادم الأيام هو أن نفكر بما يلبي خصوصياتنا وأهدافنا وأن نخطط لاقتصادٍ يلبي نمط حياتنا الذي ننشده ويستجيب للتحديات التي من الممكن أن تفرض علينا، وأن نبني حيزاً خاصاً بالقطاع العام وللفريق الاقتصادي الذي لا يزال يؤمن بقوة الحكومة ولأبناء الطبقة الوسطى الذين بنى آباؤهم تلك البنى والمعامل والقطاعات، هذا الحيز هو الموكل بأن يقود تنافساً حقيقياً مع القطاع الخاص وهو الموكل بالاستجابة حين تشتد الظروف والعمل فيه هو مقياس الأفراد الأخلاقي للإيمان بالأوطان

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]