هل ينجح الدين حيث أخفق القانون؟

الخبير السوري:

العرب متدينون جداً وفاسدون جداً» هذا بعض مما قاله «نوبواكي نوتوهارا» عن العرب، ومن المعتاد أن نسمع عن اليابان من أفواه العرب، لكن هذه المرة ما حدث هو العكس تماماً، فهو قد درس الأدب العربي في جامعة طوكيو ثم عمل مدرساً فيها للأدب العربي المعاصر، عايش العرب حوالي 40 عاماً. وفي عام 2003، كتب كتاباً كاملاً اسمه «العرب من وجهة نظر يابانية»، يتحدث فيه عن انطباعاته عن العرب، لا شك أنه قد عمَمَ في قوله وذلك غير مقبول في أي مجتمع من المجتمعات لكن ما الذي جعله يكتب هذه القناعة؟

ربما لأن الغش في البيع، والتلاعب بالمعايير الإنتاجية، والتعدي في التجارة على حقوق الناس، قد بات شيئاً سلسلاً، علماً أننا في بلد ينظمها ويحكمها القانون، ومن العجب أن أغلب الناس لم يعد يردعهم القانون!!

ها هي الأرصفة المشغولة، والتي تعيق المواطن أثناء سيره وقد امتلكها صاحــــــب «المحــل»، وشغــــلهـا ببضاعتــه، وهــــا هي أغلب مطاعم دمشق التي تمتـــد كراسيها إلى الرصيف وما بعد الرصيف أيضاً! علاوةً على ذلك ففي التشريع الإلهي الإنسان مطالبٌ باجتناب كل ما يلحق الضرر والأذى بالآخرين، ومـــن ذلك مخالفـــة للأنظمة والقوانيــــــن، فالالتـزام بهـــا واجب شرعي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إياكم والجلوس بالطرقات»، فقالوا يا رسول الله، مالنا من مجالسنا بُدّ، نتحدّث فيها، فقال: «إذْ أبيتم إلا المجلسَ، فأعطوا الطريق حقه»، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قـال: «غضُّ البصرِ، وكـــفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر». ويجدر الإشارة هنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». فمكارم الأخلاق تحتل أكبر مساحة من الدين، بل إن الدين كله خلق، فإذا انتفى الخلق ذهب الدين. ومن جانب آخر، كم دخل من الصينيين والهنديين في الإسلام بحسن معاملة التاجر المسلم في بلادهم، الذي عرف حقيقة الإسلام؟ وكم صُد عن الدخول في الإسلام بسوء المعاملة؟

«يسعون للحصول على لقب «الحجي»

الشيخ عبد الله اسماعيل – إمام وخطيب جامع صيدنايا الكبير، وهو منسق الفريق الديني الشبابي في وزارة الأوقاف لريف دمشق، يقول في حديثه مع «الأيام»: بعض الفاسدين في مجتمعنا، مع الأسف، يظهرون بمظهر الرجل المتدين كي يغروا الناس، وبالتالي يلتقطون الزبائن، وبعد الشراء أو البيع والاتفاق على العهود، يتبن أنه إنسان فاسد لا علاقة له بالدين نهائياً، كما أنه يطلق على نفسه لقب «الحجي»، علماً أن صفاته لا تجتمع في إنسان متدين، ومما يزعج أكثر أن هذا النموذج عندما تجالسه يدور حديثه حول الدين! وهذا مما أدى إلى النفور من المتدينين، ولا ننكر وجود العديد من التجار المتدينين حقاً، والملتزمين بالصدق في تجاراتهم وصناعاتهم لكنهم قلة! كما يجب أن نعلم أن العبادة في الإسلام من خلال المعاملة والصدق فيها، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فلا يغترن أحد بهذا النموذج. ومع الأسف الشديد، إنهم يتجلببون بجلباب الدين، وهم بعيدون كل البعد عن الدين، وما هذا إلا لأن الدين عندهم هو جانب روحي ومظاهر فقط وللحصول على لقب «الحجي».

هل «الغشاشون» في وادٍ والخطاب الديني في وادٍ آخر؟!

أصبح المجتمع السوري وأمسى بحاجة ماسة لربط الأخلاق التجارية والصناعية بالخطاب الديني، أملاً في أن يكون هذا الخطاب مؤثراً كان لا بدَّ لكل تاجر أو صناعي في هذا الزمان أن يتعرَّف على الأخلاق التي تتعلَّقُ بعمله؛ وذلك لانتشار الغش والشُّبهات، وكلنا نعلم أنه لا انفكاكَ بين التجارة وقِيم الدين، وكلما اقترب التاجر من أخلاق دينه وقِيَمه كان أقرب إلى الله تعالى، وأقرب إلى قلوب الناس، وأنفع لنفسه ولأبناء أمته ومجتمعه.  وفي سياق متصل هل يعلم التاجر أن النبي خرج إلى المُصلى يوماً فرأى الناس يتبايعون، فقال: ((يا معشر التجار))، فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعوا أعناقهم وأبصارَهم إليه، فقال: «إن التجار يُبعثون يوم القيامة فُجَّارا، إلا مَن اتَّقى الله، وبرَّ، وصدق»؟

 يبيّن الشيخ عبد الله أنه إن بقي حال البعض من خطباء المساجد الذين يعظون الناس بالعظات التي تلامس الجانب الروحي فقط، ولا يتناولون في خطبهم السلوك الأخلاقي في المعاملات والحياة اليومية، وما أراده الرسول صلى الله عليه وسلم في بناء المجتمع السليم عندما خطب خطبة الوداع، فكان في هذه الخطبة رسالة بالغة لكل الناس، أشار فيها نحو استغلال الآخرين وحرمة هتك أعراض الناس، كما حذّر الناس من الغش حيث كانت هذه الخطبة  تمس الواقع مباشرةً، وإذا لم يتجه وعَّاظنا اليوم بخطابهم الديني إلى ما اتجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسيبقى الدين وخطابه في وادٍ والمجتمع في وادٍ آخر، وإن لم يكن الدين عند هؤلاء هو المعاملة والالتزام بالمعايير الإسلامية والإنسانية، والجودة والإتقان الذي سار عليه الصحابة الكرام، ومن تبعهم بإحسان حتى دخل الناس في دين الله أفواجا عندما لمسوا هذه المبادئ، وهذه الأمانة وهذا الصدق، فلن يستقيم حال المجتمع.

وفيما يتعلق بخطة وزارة الأوقاف المنبرية يقول الشيخ عبد الله: هناك خطة ومنهج متبع في وزارة الأوقاف، حيث توجِّه الوزارة السادة الخطباء والوعاظ إلى ضرورة وعظ الناس بالنصح والأمانة والإتقان، وعدم الغش، وذلك من خلال الإصدارات العلمية للوزارة، وكتاب المنهج العام لخطب يوم الجمعة، وهناك أيضاً حملات أطلقتها وزارة الأوقاف منها حملة رسول الله «حي في سلوكنا» أن تعيش رسول الله، هذه الحملة هي أيضاً تحث الناس على أن يكونوا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يلتزم الإسلام بحاله قبل قاله. هذا إلى جانب ما تقوم به الوزارة من تراخيص للسادة الأئمة، في دروسهم التي تكون ربما أسبوعية أو يومية في مساجدهم وغالباً هذه الدروس تمسّ السلوك والأخلاق في التجارة والصناعة، وجميع جوانب الحياة وحاجاتها اليومية.

الأيام

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]