السوريون يوطنون حلولاً شعبية لمشكلة النقل داخل المدن..”تك تك” و وسائل “خدّمة ببلاش”..

 

دمشق – الخبير السوري

 

بعيداً عن الضجة التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع الماضي حين امتلأت صفحاتها بصورة تلك الدراجة الهوائية الكهربائية ذات الثلاث عجلات، والشبيهة بـ”التك تك” الموجود في شوارع الهند ومصر، يستمر أبو وليد، وهو رجل في مطلع الأربعينيات باستخدام دراجته الآلية التي ابتاعها منذ سنة تقريباً، فأنهى بتطبيق استخدامها سنوات طويلة من المعاناة مع وسائل التنقل، كان يقضيها الرجل باحثاً عن سيارة أجرة من منطقة سكنه في ركن الدين إلى المتجر الذي يعمل فيه بشارع الباكستان بالقرب من السبع بحرات وبالعكس، فاليوم ورغم بعض الإشكاليات البسيطة لوسيلة النقل الجديدة، بإمكان أبو وليد المضي إلى عمله في الوقت المناسب، والعودة منه دون أي قلق أو هواجس من انعدام المواصلات وعدم توفرها، أو مزاجية سائقيها حين تكون موجودة ومؤمنة.

 

وسائل بديلة

 

وأياً تكن الأفكار أو الابتكارات التي يجهد السوريون في اعتمادها، وطرحها كبدائل، وحلول لمشاكل المواصلات والتنقل، إن كان باستخدام الدراجات الهوائية التي راج الحديث عنها قبل مدة، ومشروع “يللا عالبسكليت” الذي اختفت مساراته تماماً بعد أقل من سنة على إنشائه، أو الدراجات الآلية التي عادت للنشاط مجدداً في شوارع دمشق، وأخيراً الفكرة الحديثة العهد التي ضجت بها مواقع التواصل، وراجت مؤخراً لـ “التك تك” السوري أو “الباكسي”، تلك الوسيلة ذات الثلاث عجلات التي اصطلح على تسميتها كذلك باعتبارها دراجة آلية تقوم بخدمات التوصيل المأجورة التي تؤديها سيارات التكسي، ويبدو أن الحلول المستمرة تأتي لتؤكد واقعاً صعباً يبحث فيه المواطن باستمرار عن طريقة تنقل عملية ضمن مدينة دمشق وشوارعها المزدحمة، فتريحه من عبء المواصلات، والأجور المرتفعة، والمزاجية التي تعمل بها سيارات الأجرة و”المكاري”، وشركات النقل الخاصة التي باتت تتحكم بمعظم النقل، وتفرض على ركابها واقعاً مريراً، أما التساؤل المستمر، فهو عن مدى إمكانية تعميم مثل تلك التجارب البديلة، واعتمادها بشكل فعلي كحلول فعلية تزيح عن كاهل المواطن عبء التنقل، وإشكالية تأمين وسيلة النقل، خاصة في ظل ظروف الحرب والأوضاع الاقتصادية التي يصعب معها تجهيز بنى تحتية جيدة يمكن من خلالها تعميم هذه الأفكار، واعتمادها بصورة أوسع، فكل ما درج حتى الآن لا يتعدى كونه تجارب فردية، تعرضت لانتقادات كثيرة، وبقي بعضها في إطار الضجة التي تحدثها وسائل التواصل الاجتماعي.

 

إشكاليات ومخاطر

 

ومع ترحيب محدود لتلك الأفكار الجديدة، تبدو عواصف النقد التي واجهتها أكثر بكثير، حيث تحدث معظم الأشخاص الذين تم استطلاع آرائهم عن صعوبة تطبيق فكرة “الباكسي”، خاصة في ظل غياب مسارات واضحة لها، وأجور غير واضحة ومحددة، فمثلاً تحدثت لميس، وهي طالبة جامعية عن إحراج قد يواجهها حين تركب في وسيلة نقل مثل “الباكسي”، وتساءلت عن الأمان الذي قد توفره وسائل نقل كهذه، وقالت: لا نعرف من هم السائقون الذين قد يعملون على هذه الدراجات، ربما يكون معظمهم من الشبان، أو المراهقين الذين يقودون بتهور ورعونة، ثم لا ندري ماذا يمكن أن يحدث على “المطبات” والحفر التي تمتلئ بها شوارعنا، خاصة في ظل كثرتها وازديادها في الأزمة، أما علي، وهو طالب جامعي، فأوضح: نتمنى فعلاً أن تأتي حلول فعلية وجذرية لمشاكل النقل، ولكن ليس بهذه الطريقة، خاصة أن المواطن السوري اعتاد منذ زمن بعيد السير على أقدامه وسط الأسواق القديمة، والتجمعات التي تخلو من السيارات، ومن غير المتوقع بنظره أن يتحول لاستخدام وسيلة نقل كتلك ويتقبّلها إلا في الحالات الضرورية والمستعجلة، ناهيك عن التحفظ الذي قدمه الكثيرون عن كون الأجرة الافتراضية التي تم الحديث عنها لن تختلف بهذا الفارق الشاسع عن سيارات التكسي، فأقل أجرة توصيل لن تتجاوز الـ 300 ليرة، ويرى آخرون أن وجود هذه الدراجات وسط الشوارع المزدحمة بالسيارات قد يزيد نسبة الحوادث، ويعرّض سائقيها للخطر، فالنجاح لأية فكرة يتطلب توفير متطلباتها، وتجهيز شبكة طرقية مناسبة لها، وبالعودة إلى أبي وليد، صاحب الدراجة الآلية التي اعتمدها كبديل للمواصلات، يتحدث الرجل أيضاً عن إشكاليات ومخاطر تواجهه بين الحين والآخر، خاصة حين تفرغ من الكهرباء في بعض الأحيان، أو ينخفض أداؤها أثناء الصعود، وصعوبة استخدامها في ظل الظروف الجوية السيئة شتاء أو صيفاً.

يشار إلى كون الدراجات الآلية تتوفر اليوم بأسعار تتراوح بين الـ 200 والـ 300 ألف ليرة سورية، وتتطلب بطاقة تعريف يحصل عليها من قبل محافظة دمشق، وبالتالي فهي مشروع ليس باليسير على أي مواطن، خاصة في ظل ظروف اقتصادية متردية.

 

للتجربة فقط

 

يؤكد عضو المكتب التنفيذي في دمشق هيثم ميداني أن فكرة تخديم وسط المدينة، أو المدينة القديمة، كانت مشروعاً مطروحاً منذ البدء لدى محافظة دمشق، وكانت هناك دراسة فعلية لاستقدام سيارات كهربائية ذات أحجام صغيرة تعمل داخل مدينة دمشق، حيث كانت حاجة تدعو إليها مجموعة عوامل: أولها أن المنطقة مزدحمة، فلا يمكن استيعاب السيارات العادية، إضافة لضرورة المحافظة على شوارع المدينة القديمة الأثرية، وأيضاً أسباب تتعلق بالبيئة، وفعلاً تمت دراسة وافية لهذا الموضوع، وتم الوصول لمراحل متقدمة فيه، حيث حددت المسارات، ووضعت الخطوط والمواقف والآليات المفترضة، وتم استدراج عروض لتحديد شكل ومواصفات تلك السيارات، إلا أن الأزمة أوقفت كل شيء، ويكمل ميداني: مؤخراً تقدم أحد المخترعين الشباب بنموذج هو عبارة عن دراجة كهربائية آلية يمكن أن تحمل راكباً آخر وفق النموذج الذي شاهده الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا النموذج تمت الموافقة عليه كتجربة داخل المدينة القديمة حصراً لنرى مدى فعالية هذا المشروع، وقدرته على تخديم المواطن، ولكن بكل تأكيد ففكرة كهذه تلزمها مسارات محددة، وتعرفة نظامية تصدر من قبل المحافظة، وأكد ميداني: اليوم هناك أزمة نقل لا يمكن إنكارها، وأسبابها باتت معروفة للجميع، منها مثلاً انخفاض أسطول النقل الذي كان موجوداً في مدينة دمشق إلى الثلث، فمن 1600 باص انخفض الرقم لـ 500 تقريباً، ومن 6000 ميكروباص تقلّص العدد لحدود 1200 فقط، بالإضافة لارتفاع عدد سكان دمشق في ظل الأزمة، وبالتالي تحاول المحافظة مداراة هذه الأزمة بكل الوسائل الممكنة، والطرق البديلة من إجراء صيانة للباصات المعطوبة، أو محاولة توقيع عقود لجلب باصات جديدة، والطلب من مستثمري القطاع الخاص استخدام الطاقات القصوى للآليات التي تعمل على خطوط النقل، وختاماً أكد ميداني تشجيع البدائل النظيفة، والحلول الرائدة التي قد تظهر هنا أو هناك، ودعمها من قبل المحافظة ضمن الإمكانيات المتاحة.

 

محمد محمود

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]