الجامعات الخاصة السورية.. المعرفة بطعم البزنس.. واستثمار في المطارح البغيضة

 

خاص – الخبير السوري:

لم تمنع حساسية الاستثمار في مطابخ إنتاج العقول العلمية العالية الكفاءة والتأهيل، إدارات الجامعات الخاصة الحديثة العهد نسبياً في سورية من تغييب جوانب مهمة لنجاح مشاريع استثمارية عالية الخطورة لجهة تعاملها مع أهم عناصر التنمية وأوسعها تأثيراً، والقفز على الأهداف لتضع في مقدمتها الربح السريع.

فدخول الجامعات الخاصة على الخط الموازي للتعليم العالي العام على أساس المشاركة التعليمية منذ 2001 فتح باب السباق بين أصحاب (الأفكار التعليمية الاستثمارية) من باب المشروعات الاقتصادية لا من باب تحقيق القيم التعليمية المضافة، واعتبار هذه المشروعات مناجم ذهب يمكن أن تتراجع اكتشافاتها بالتقادم والتريث عن تحقيق ربح مرحلي تصل نسبته إلى 35.25 % سيخفض هذه النسبة في القادم من الأيام إلى ما بين 10و15 % وتلك شطارة لكن بمعيار “التجارة” لا بمعيار العلم، وخاصة أن تكلفة تعليم الطالب في معظم هذه الجامعات وفي المرحلة الأولى للتعليم تفوق تكلفة نيل درجة دكتوراه في بعض الجامعات العالمية المعروفة بحسابات النسبة والتناسب.

 

الربح على حساب المعرفة

الجامعات الخاصة في الدخول إلى محيط التعليم العالي العالم لم تسلك باب الالتزام بفلسفة نشوئها على الأقل كما هو منظور ودخلت من الباب الاقتصادي والجانب الربحي والدليل وصول عدد هذه الجامعات إلى 17 جامعة لكن بعدد طلاب إجمالي – في سنوات الاستقرار – لا يتجاوز 29.500 طالب وهي نسبة متدنية جداً أي كل جامعة لا يزيد عدد طلابها وسطياً على 1736 طالباً وهذا له مدلولات كثيرة مع أن السقف المسموح به 10 آلاف طالب والسبب الأول بذلك ارتفاع تكاليف التعليم فيها وفقدان القيمة المضافة التي انتظرناها منها لتزيدها على مفردات التعليم العالي.

وبما أن التنوع والتنافس في التعليم العالي ضرورة ويعطي قيمة كبيرة لأن مجتمعنا شاب ويحتاج إلى عدد أكبر من الجامعات يرى الباحث الاقتصادي الدكتور هاني الخوري أن الجامعات الخاصة في سورية معظم تجاربها تجارية نسبياً والسبب أن معظم إداراتها أخذت في أولوية عملها البعد الاقتصادي ما أدى إلى ارتفاع نسبي بقيمة أجورها مقارنة مع الواقع الاقتصادي في سورية ومقارنة مع جامعات أخرى أكثر عراقة عربياً وعالمياً، ويقول إن تجربة الجامعات الخاصة ولدت أصلاً قبل أن تكتمل بنيتها التحتية وكانت تمول نفسها بنفسها ولم يكن لديها استثمارات كبيرة ومن شخصيات اقتصادية يبغي أغلبها الربح ولم يكترث بالقيمة النوعية وهوية الجامعة.

أي عملياً لم تحقق هذه الجامعات تلك القيمة المضافة الكبيرة إلا في نواحٍ معينة كجسر الفجوة بين الجامعات التقليدية والعالمية الحديثة لجهة المناهج وتقديم شيء من الحداثة أو لغة التعليم لكن في النهاية بقي المنتج التعليمي النهائي ضعيفاً باعتبار أن العملية هدفها تجاري.

 

 

أدمغة على جداول

عكست تجربة الجامعات الخاصة بعد أن أخذت طابعاً تجارياً ردة فعل قوامها الريبة والشك، لأن القائمين عليها يستثمرون بعقول الأبناء وبمستقبلهم، والتاجر لا تعرف أفكاره إلا الربح والخسارة والعرض والطلب بعيداً عن الحساسية في أي نوع يستثمر ولا فرق بين دماغ أو حجر لكن أصحاب الجامعات لا يرون الصورة بتلك القتامة فالجامعات الخاصة مشاريع استثمارية أي إن هناك مستثمرين يرغبون بتحقيق ربح معين من خلال مدة التعليم، وبالمنطق يجب أن يكون المردود جيداً لإغراء المستثمر بوضع أمواله في هذا النوع من الاستثمارات، لكن من أراد الاستثمار هنا مجموعة من المثقفين والواعين لنوعية هذا الاستثمار، ومن جهة أخرى وزارة التعليم العالي وضعت قوائم طويلة من القرارات والاعتمادات ليكون التعليم فيها مقبولاً ومتوازناً وضمن القواعد الأخلاقية والاجتماعية والأكاديمية وفرضت على المستثمر قواعد الاعتمادية وشروطاً لضمان جودة التعليم من كوادر تدريسية متفرغة ومخابر ليكون لديها في النهاية خريجون قادرون على المنافسة في سوق العمل الداخلية والدولية، وفرضت عليها عقد اتفاقيات مع عدد من الجامعات الدولية لتبادل الخبرات والمعارف والأساتذة ما يزيد من مستوى التعليم فيها، لكن من وجهة نظر الدكتور الخوري فإن التجربة ستكون أنضج فيما لو كانت هذه الجامعات لشخصيات لا تبغي الربح، على اعتبار أن معظم الجامعات العالمية مؤسسات وقفية وإن تحقق ربح يتم توزيعه بنسب معينة على الكوادر التدريسية، في حين أن الشكل التجاري للجامعات الخاصة في سورية يوزع الربح الإضافي على المساهمين لا على الأكاديميين ما يوحي بأنها أعمال تجارية بحتة مع عدم إنكار دورها في تأسيس هياكل تعليمية جديدة وكسر عقدة بعض الاختصاصات أمام الكثير من الشباب لجهة تحصيل العلامات وأراحت كثيراً من الأهالي من عقدة سفر أبنائهم للخارج لكن بالمجمل تميل هذه الجامعات إلى الجانب التجاري أكثر من النوعية في إطار القيمة المضافة للتعليم.

   غبن محلي

طلاب الجامعات الخاصة يرون أنهم يقعون في مصيدة هذه الجامعات المادية وهناك تجاوزات عديدة تقوم بها ودائماً يطرحون هذه الهموم في مؤتمراتهم الطلابية التي يعقدها الاتحاد الوطني لطلبة سورية فهم يضطرون لدفع من 70 إلى 100 ألف ليرة سورية كرسوم تسجيل – أيضاً قبل الأزمة – متضمنة نقلاً وخدمات ومكتبات وغيرها، ويتعرضون للغبن والتغرير بهم من خلال الإعانات التي تصدرها هذه الجامعات التي تبتعد عن الواقع الحقيقي من حيث رسوم الخدمات التي تطول حتى طلاب المنح الـ 5% المجانية الملتزمة بها تجاه وزارة التعليم العالي، وتفرض على هؤلاء، أضف إلها تجاوزات تأمين السكن والإخلال بقواعد الاعتماد العلمي المحددة والأساتذة المتفرغين وتأمين الوسائل التعليمية وأسعار الساعات المعتمدة للمواد غير الاختصاصية، انتهاءً بتخفيض علامة الطالب في حال تأخر عن دفع الأقساط، على الرغم من أن شرط التفرغ وارد في بنوده يؤكد وزير التعليم العالمي عبد الرزاق شيخ عيسى أنه بعد مضي خمس سنوات على قانون التفرغ العلمي يتبين أن نسبة 93 % من أساتذة بعض الكليات في الجامعات غير متفرغين، لذلك سيتم إعادة النظر في هذا القانون للوقوف على بعض الثغرات مع تشديده على البعد عن المحسوبيات في اختيار الإدارات العلمية للجامعات أياً كانت وأن تكون وفق أسس علمية مدروسة.

 

نزيف محدود:

يمكن القول إنه رغم التجاوزات الحاصلة في الجامعات الخاصة أوقفت إلى حد ما تصدير الطلاب إلى خارج البلد والحكومة عولت على هذه الجامعات بالمساعدة في إيقاف استجرار نحو 20 مليار ليرة سورية سنوياً خارج البلد كتكلفة لدراسة 40 ألف طالب سنوياً في الخارج، وإذا ما تم حساب التكلفة التي توطنت في هذه الجامعات التي تضم 29.500 طالب نكون قد أوقفنا تصدير نحو 15 مليار ليرة سورية.

غمز ضريبي

في الشهر التاسع من العام الماضي سجلت مديرية الاستعلام الضريبي 7 قضايا تهرب ضريبي أبطالها عدد من الجامعات الخاصة تجاوزت قيمة الضرائب والغرامات الناجمة 58 مليون ليرة وتلك الجامعات لم تصرح عن كتلة الرواتب والأجور الحقيقية لأصحاب المناصب الإدارية والأكاديمية والعاملين فيها، أيضاً ضخمت كتلة التعويضات وخفضت كتلة الراتب المقطوع خلافاً للواقع للتهرب من الشرائح التقاعدية لضريبة الرواتب والأجور، وفي العام نفسه وزارة التعليم العالي كشفت عن مخالفات عديدة في الجامعات الخاصة وفرضت عليها غرامات بملايين الليرات لأسباب تتعلق بقبول طلاب أو نقلهم خلافاً لقواعد وشروط القبول أو النقل والتكليف بالتدريس من غير حملة شهادة الدكتوراه أو ما يعادلها إضافة إلى عدم توافر مرافق الخدمات الصحية أو العامة سواء في الجامعة أو فروعها وفق قواعد الاعتماد وهذه الغرامات شملت 12 جامعة ترتب على إحداها 93 مليون ليرة، وبعض هذه الجامعات اتهم وزارة التعليم بخرق قانون الجامعات الخاصة بحجة قواعد الاعتماد العلمي مع أن هناك اتهاماً أيضاً للوزارة بالتراخي في الرقابة على هذه الجامعات، هنا يقول الدكتور هاني الخوري: إن الجامعات الخاصة فيها تهرب ضريبي هائل، متوقعاً أن يصل إلى مليارات، وبما أن الجامعات قادرة على استعادة رأس مالها أي إذا وصل إلى 400- 500 مليون خلال عدة سنوات فهذا معناه أن معدل الربح 100 مليون، وهذا المعدل عليه ضريبة لا تقل عن 25 -30 مليوناً فالجامعة تتهرب لأن الأرقام كبيرة، ويشير إلى أن التهرب الضريبي موجود في كل القطاعات لأنه مرتبط بالجهاز المالي وليس من السهولة معالجته، لكن طرق المحاسبة العالمية الحديثة تستطيع رصد نواحي التهرب الضريبي، وبالنسبة للغرامات التي تفرض على الجامعات الخاصة في حال تجاوز ضوابط عملها يرى الخوري أن الغرامات توحي بترصد مالي ويجب ألا تكون لغة الغرامات داخلة في المشاريع التنموية وعلى إدارة الجامعة أن تكون مستوعبة للقوانين والالتزام بها أكثر من الغرامة المالية وأن تخجل أن يكون لديها تجاوز علمي وتعليمي لأن الغرامة نقطة سوداء في سجلها، ولكن لكونها مشروعاً تجارياً لا تعتبر العقوبة إذا كانت تأديبية وتعتبر إذا كانت مالية لأن المبتغى هو الربح، ومع أن أمر الغرامات كان مزعجاً للجامعات لكن كان محمولاً لأن أرباحها كبيرة، مع أن هذه الجامعات من الأفضل أن تحرص على عدم التنازل عن أي شرط تعليمي بسبب الربح وتحرص على مستواها التعليمي.

 

نفس تجاري

قد يكون من الصعب تحويل (مشاريع) أخذت الصبغة التجارية إلى صروح تعليمية ذات ثقل وصدى بضوء التجاوزات الموجودة لأن فكرة التأسيس قائمة على الربح والخسارة بالأصل بعيداً عن التميز والتفرد والبحث العلمي، فالأمر متعلق –حسب الخوري- بطريقة الملكية وطريقة تشكيل الجامعة والقوانين المتبعة في تحصيل الضريبة ويكون ذلك بالتركيز على الشكل العلمي للجامعة ورسالتها العلمية للمجتمع وأن تكون ملكيتها عائدة لأشخاص يريدون تقديم شيء للمجتمع أي أن تكون بشكل وقفيات أكثر من مشروعات تجارية وتخصيص جزء من الربحية لمشروعات تنموية تابعة للجامعة عندها ستعفى من الكثير من الضرائب، إضافة إلى تشكيل هيئات علمية موثوقة وزيادة التنافسية بين تلك الجامعات بما يساعد على تخفيض التكاليف دون أن يكون على حساب النوعية، وإيجاد اعتمادية لتصنيف الجامعات وبالتالي يرتبط الأجر مع الأداء والتكلفة والقدرة على افتتاح فرصة عمل بالسوق.

هناك تجارب عديدة يمكن أن يحتذى بها في هذا المجال في مصر مثلاً ولبنان والأردن فوجود بعض الجامعات الخاصة العريقة أعطاها ميزة، كذلك نضوج سوق التعليم وأحياناً الزمن ساعدها في تخطي الكثير من النواقص لكن بالمجمل لم يتم التوصل حتى الآن إلى تجربة بمجال الجامعات الخاصة في الدول العربية وصلت إلى أهدافها المعرفية المناسبة، لكن تبدو الصورة في حالتنا أكثر رمادية وربما مائلة إلى السواد لأننا أمام جامعات خاصة ربحية الأهداف علمية الأدوات ومن الصعب إيجاد تقاطعات كثيرة بين الاعتبارين.

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]