قوى مهدورة..!..بقلم: حسن النابلسي

تنبئ تجليات الفكر الاقتصادي لدينا، بعدم نضوج ثقافة العمل الحر، وتدني مستوى الاعتماد على الذات من جهة تأمين فرصة العمل، فلا يزال العرف السائد في مجتمعنا بأن الوظيفة العامة هي الملاذ الآمن لأي شاب خاصة إن كان من حملة الشهادة الجامعية!!.

هذا الأمر ولّدَ نظرة خاطئة تجاه دور حكومتنا الأبوي رغم اعتمادنا لاقتصاد السوق الاجتماعي، نظرة تملي على الدولة تقديم الرعاية والدعم المباشرين لجميع الشرائح، بدءاً من تأمين فرص عمل لجميع الخريجين، مروراً بتقديم المعونة الاجتماعية للأسر الفقيرة، وليس انتهاءً برفع قيمة الدعم من مواد وخدمات أساسية.. الخ، ما يُثقل بالمحصلة كاهلها ويشوّه دورها وواجبها لاعتبارات تتعلّق بالفساد والهدر وما ينجم عنهما من تشتيت وضياع للهدف المنشود.

ونعتقد أن من يتحمّل هذه المسؤولية هي الحكومات المتوالية بالدرجة الأولى التي كرّست هذا المفهوم عبر عقود خلت، دون الالتفات إلى تعزيز ثقافة العمل الحر، ويشاطرها قطاع أعمالنا المسؤولية، والذي لم يتخذ بالفعل المكانة المتوجّب عليه اتخاذها في الخارطة الاقتصادية، إذ إن معظمه لا يزال يعمل بعقلية غير مؤسساتية لا تلحظ الجانب الاجتماعي، ولاسيما التهرّب من التأمينات الاجتماعية!!.

ولعلّ ما ساهم أيضاً بغياب ثقافة العمل الحر، وازدياد حدّة اللهاث لحجز كرسي في المنظومة الوظيفية في الدولة هو التخبّط الواضح لمنظومتنا الاقتصادية بشكلها الكلي، التي لم تستطع حتى اللحظة اعتماد صيغة واضحة لتوطين مشروعات تناسب طبيعة اقتصادنا الوطني المتميّز بفسيفسائية قطاعية فريدة من نوعها، زراعياً وسياحياً وتجارياً وصناعياً.

ربما لا نبالغ بالقول: إن الأمر وصل بالنسبة للبعض مرحلةً بات يعتبر فيها أن الحصول على المال لا يتأتى إلا من فرص مثالية تؤمّنها السلطة التنفيذية، وتتكامل فيها معطيات الثراء الاقتصادية، وما عليه سوى اختيار العمل المُفَصّل وفق مقاسات مزاجه، ليدرّ عليه دخلاً يشبع طموحاته!.

وتجدر الإشارة -بشهادة العدو قبل الصديق- إلى غنى بلدنا بالطاقات البشرية المبدعة في شتى المجالات والصعد، نتيجة ما تتمتّع به من مخزون فكري بات محطّ أنظار كثير من دول العالم، الأجنبية منها قبل العربية، وهي لا تدخر جهداً لاستقطابه واستثماره، بغية تحقيق إنجازاتها التنموية والاجتماعية. وهذا يفترض بنا امتلاك زمام المبادرة الذاتية (كلّ حسب موقعه وإمكانياته) لاستنهاض طاقاتنا وأفكارنا على الصعيد الشخصي الأسري أولاً، لنرتقي بها إلى المستوى المجتمعي الوطني ثانياً، لا أن يبقى جلّ همّنا العمل تحت عباءة الحكومة، وكأنها الخيار الوحيد لمصدر الدخل!.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]