بطالة أفكار..؟!بقلم:ناظم عيد

من المريب أن ننشغل جميعاً بالحديث عن معدلات بطالة القوى العاملة في المشهد الجديد للبلاد، على خلفيات ما نحن فيه من محنة، ويصمت بعضنا –جهلاً أو تجاهلاً– عن الحقيقة الأكثر مرارة وهي بطالة وسائل الإنتاج؟!!.
من هذه المفارقة الموجعة يبدو الدخول إلزامياً إلى غُرف الإدارة الحكومية بعد سنوات من الاستنزاف، للتنبيه إلى حتمية الخروج من تجليات ملكة الكلام الاستعراضي أو الذرائعي-التي يبدو أنها استحكمت بعدد غير قليل من “ذوي الحقائب”- والتحرّر من خصلة “امتطاء” وسائل الميديا، لتظهير النيات بهيئة إنجازات أمام من يلزم، وهي حالة بغيضة عصفت بثلاث حكومات سابقة، ويجب ألا تنتقل العدوى إلى حكومتنا الراهنة التي ما زلنا نعوّل عليها كثيراً، إلاً أننا بدأنا نتوجّس من أداء بعض رجالاتها، وكلنا أمل بأن يقلعوا عن افتعال المادة الإعلامية بشكلٍ مقصودٍ لذاته، وتوخي الصمت -على انشغال– ونحن كإعلام بانتظار النتائج.
وبالعودة إلى إشكالية الإصرار على عدم فهم أن بطالتنا هي بطالة وسائل إنتاج قبل أن تكون بطالة قوى عاملة، فإننا ننتظر من حكومتنا الالتفات فعلاً إلى هذه الحقيقة الكئيبة، والتوجّه نحوها ببرنامج عمل تفصيلي، بعد أن كانت فقرة أساسية في البيان الذي تمّ عرضه أمام مجلس الشعب، ولا نترك المسألة إلى المبادرات الفردية –على أهمية المبادرات– لكنها لا تصنع حالة مستدامة على الإطلاق.
بالأمس تحدّث المعنيون في محافظة درعا عن زراعة حوالي 200 ألف دونم بالقمح والشعير، على جانبي اوتوستراد دمشق-درعا، وهو خيار تبدو فكرته أهم من عائداته في حسابات اقتصاد بلد كسورية، ويستحق من بادر الثناء، لكن الحدث مناسبة لإطلاق تساؤل بالغ الأهمية بشأن الأراضي الخارجة عن الرقعة الزراعية في المناطق الآمنة، هل لدى حكومتنا تصوّرات عن المساحة والأسباب؟.
لن نتحدّث هنا عن الموارد التي من الممكن إتاحتها تنموياً، والواقع هي كثيرة وممتدة أفقياً على مساحة مدننا وأريافنا، وسنبقى في المضمار الزراعي بما أنه الأكثر جاهزية لمعاودة الانتعاش، فبعيداً عن حرم الأوتوسترادات ثمّة مساحات هائلة في أريافنا خارج الاستثمار.. وشاهدنا أراضي قرى بأكملها في مناطق استقرار مطري، لم تُستثمر حتى كمراعٍ للثروة الحيوانية بسبب الغياب التام للأخيرة، وإن استثنينا حالات عدم وجود من يعمل أو انتشار فأر الحقل وذرائع أخرى غير مقبولة عملياً، لا بد أن نصل إلى حقيقة انعدام الجدوى، وهذه مشكلة يجب أن نعترف بها أولاً، ثمّ نتفق على وسيلة الحل، بما أن المكابرة لا تنفع الأدبيات التنفيذية.
فمن المعروف أن زراعة القمح غير المروي من أقل الخيارات الزراعية تعقيداً، مع ذلك علينا الاستسلام بحسرة لمشهد الأراضي المهجورة، والغرق في حسابات تكاليف استيراد كيلو القمح، ووسائل الحصول عليه من الخارج، وسرديات طويلة من الأفضل أن تنأى الحكومة عنها، وتنشغل باجتراح سبل تحفيز الإنتاج المحلّي، ومكافحة هذا النوع الخطير من بطالة رؤوس الأموال الثابتة، لأنها السبب القريب لبطالة الأيدي العاملة، بما تحجبه من فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، وعائدات يمكن استرجاعها على شكل وفورات من بدائل استيراد مادة هي الأهم في يومياتنا المعيشية.
ولعل المدخل السليم إلى هذا الملف يمر عبر بوابة الجدوى، فلو منحنا الفلاح ثلثي كلفة كيلو القمح المستورد لوفّرنا الثلث الثالث، واحتفظنا بما نسدده بالعملات الصعبة، وحسّنا من أوضاع شرائح عريضة من فقراء الأرياف، ثم وكتحصيل حاصل ستنحسر رقعة البطالة والفقر.
وأغلب الظن أننا لو فعلنا لن نكون مضطرين لا لزراعة حرم الأوتوستراد ولا لاستيراد معظم ما نستورده في هذه السنوات “العجاف”، وإن انشغل رجالاتنا التنفيذيون فعلاً، فلن يكون لديهم المتّسع الذي أوجدوه في مضمار السباق نحو كاميرات الإعلام المتلفز.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]