جفاف النفط والدم…بقلم:ناظم عيد

 

 

لم يعد الحديث عن ملامح أكيدة لحل الأزمة في سورية مجرد تكهنات مراقبين أو جرعة تفاؤل يصرّ المكتوون بنار الإرهاب على الاحتفاظ بها كأحد مستلزمات “النفس الطويل” في الصمود أمام مخاطر مركّبة من النوع الذي يعصف بنا منذ أكثر من خمس سنوات ونصف.

بل ثمّة مؤشرات دقيقة تبيح إطلاق العنان لقدرٍ عالٍ من التفاؤل بموضوعية لدى تلقف إشارات النهايات “القسرية” للحرب الإرهابية على سورية، تتعدّى اعتبارات القدرات العسكرية والمعنوية للجيش العربي السوري، ودعم الدول الصديقة، وسلسلة مقوّمات الانتصار المُحتواة في حنايا الدولة السورية، إلى ما يتصل بحيثيات تخصّ الطرف الآخر الداعم والمموّل للإرهاب، بما أن الجميع بات مقتنعاً الآن بأن أزمتنا أبعد ما تكون عن كونها أزمة داخلية، بل حرب خارجية من النوع غير التقليدي.

ولعله ليس من الصعب التقاط المؤشر الأهم في مثل هذه القراءة المتفائلة، عبر الغوص في تفاصيل أزمة اقتصادية بدأت تعصف بمملكة آل سعود، “مطبخ الإرهاب” ومصدر الدولار الذي كان غواية كل من حمل السلاح خارجاً على الدولة في سورية، فمن شأن أزمة “طباخي السم” أن تُظهر انحساراً في رقعة الأزمات التي وزعوها في كل الاتجاهات، وهذه معادلة منطقية على أي عاقل التسليم بها.

فإن كنا متفقين على فعالية “البترودولار” في حجم تدفقات قطعان الإرهاب أو إنتاجه محلياً، لا بد أن نتفق على تراجع هذه الفعالية، ليس لصحوة ضمير أو قناعات جديدة، بل لأن حرباً أداروها لاستنزاف سورية، انقلبت عليهم وبدأت باستنزافهم في متوالية صاعدة ستمتد إلى سنوات طويلة في أفق المستقبل غير القريب.

وتؤكد أحدث التقارير أن آل سعود يتحسّبون لعجز في ميزانيتهم، يزيد على 400 مليار ريال مع نهاية العام الجاري، وتذهب التوقّعات إلى 503 مليار في ميزانية العام المقبل 2017، وأن “رواد الإرهاب” سحبوا حوالي 100 مليار ريال من احتياطياتهم في الخارج لترميم مسارات الإنفاق الجاري لديهم، ووجّهوا مؤسساتهم بإعادة الأموال المُرصدة التي لم تُنفق لإعادة تدويرها في موازنتهم بالغة التقشّف للعام القادم الذي بات وشيكاً، ووجّهوا أكبر 20 بنكاً محلياً لديهم بإصدار سندات دين مصرفي، وهذه استدانة من الداخل مترافقة مع تحضيرات للاستدانة من الخارج، وقد أبدى صندوق النقد الدولي استعداده لإقراض آل سعود بعد ظهور ملامح كارثة مالية تحيق بهم، وترافقت هذه المستجدات مع وقائع  تقليصٍ حاد لمساحات الإنفاق الحكومي هناك على جميع المشاريع بما فيها المتعلّقة بالبنى التحتية، وفي هذا الجانب بالتحديد علامات انهيار واضحة في القراءة الاقتصادية لمشهد التحوّل الدراماتيكي من زمن الفورات النفطية إلى العوز المالي، وهذا لا يحدث إلا تحت تأثيرات “شيطانية” تتعلّق بالإدارة التعسفية للموارد.

لقد غامر آل سعود على مسارين اثنين: الأول في الخط الإرهابي الذاهب نحو المضمار السوري، والثاني نحو الاعتقاد بأنه ضغط صامت على الأمريكي لضمان التصاقه بهم، وبالتالي بقاؤهم في العرش، عندما أغرقوا الأسواق وانحدروا بسعر البرميل إلى ما دون كلفة استخراج برميل النفط الصخري، فخسروا في الاتجاهين، وها هي مملكتهم آخذة بالغوص في الرمال، وهذا ليس مجرد تعبير مجازي.

تحوّلات حتّمت ما يقابلها في مواقف مجمل كتلة الدول الداعمة للإرهاب، بما أن المموّل في ورطة وبات “مسحوب الدسم”، لتكون المُخرجات السياسية عبارة عن تنازلات بوتائر بطيئة حفظاً لماء الوجه، وخصوصاً بالنسبة للأمريكي، وقد تكون المرحلة الانتقالية على مستوى رئاسة البيت الأبيض هي الأنسب لخلط الأوراق وتمييع المواقف السابقة لإحداث الانعطافة الحتمية.

هي حسابات جدوى تماماً كما أي مشروع اقتصادي، ومشاريعهم “حربهم” لم تعد مجدية أمام صمود الدولة السورية، فكان الحديث عن تسويات لضمان أقل الخسائر بعد تبعثر الطموح بأكثر الأرباح.. إنه الاستعداد لتلقي هزيمة ستكون ذائعة الصيت على مرّ أجيال، وأجيال قادمة، إن أخلص المؤرّخون في التوثيق.

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]