ملفات حسّاسة.. ممنوع الارتباك؟…بقلم: ناظم عيد

 

 

لعلها ليست تهمة لجهة بعينها، أن نشخّص ونلمس حالة ارتباك مريرة تعترينا ونحن نقارب ملف التصدير، فهو بالفعل ملف بالغ التعقيد وفيه ما فيه من التراكمات والحيثيات المؤجّلة والمرحّلة على أيدي رجالات تنفيذيين بارعين في التسويف وتفادي المواجهة مع المهام الصعبة، وهذه انتقائية بغيضة وتهمة غلّفت أداء حكوماتنا المتعاقبة على الرِّواق التنفيذي منذ عقود غير قليلة.

من هنا يبدو علينا تسجيل تقديرنا للحكومة الحالية، التي كانت جريئة في إعلان التصدي لمهمة “إنعاش قطاع التصدير”، التي أبدى السابقون جرأة لافتة ومدهشة في إرجائها وتجاهلها، لكن ثمة حكمة مطلوبة الآن في ملامسة هذا “الدوسيه” الحسّاس، وتأنٍّ في محاولة التقاط أطراف خيوطه، بعيداً عن التسرّع، أو الانزلاق في دوامة تقاذف التهم وتوزيع المسؤوليات، وكأننا في محكمة تُخضع الجميع لمساءلة تليها عقوبات جزائية أو تعويضات وغرامات، ومن المفيد أن تُعلن الحكومة أن المسألة تنحصر في إطار تشخيص الخلل والاستدلال على سبل استدراكه لإنتاج انطلاقة حقيقية وصحيحة، لمنع محاولات الصيد في الماء العكر، أو الاستعراض حيث لا يتسع المقام لـ “مواهب” لا تخدم الهدف الوطني النبيل.

على العموم ثمة ملاحظات أو فلتكن مقترحات نضعها بين أيدي “مسعفي” قطاع الصادرات السورية، بما أن الجميع يدلي بدلوه الآن في الموضوع، وقد تكون هذه حالة إيجابية وليس العكس، شرط أن يتّسع لها صدر حكومتنا، التي بات من الواضح أنها جادة ومصرّة على الخروج بنتائج ملموسة بالأرقام، تقوم على القناعة بأن الصادرات هي نافذة “خلاص اقتصادي” لا بد أن تحظى بكامل العناية.

أولى الملاحظات أن اتحاد غرف التجارة ليس هو الجهة الأنسب للاضطلاع بمهمة إحداث شركة للصادرات -كما هو مطروح الآن- لأنه عبارة عن نقابة وليس جهة تنفيذية ولا حتى مجموعة اقتصادية استثمارية أهلية، ويكفي أن يقدّم الاتحاد رؤيته الاستشرافية لأفق الصادرات، ولا يبخل بخبرات ووجهات نظر التجار بشأن أسواق مقاصدنا السلعية والمرشحة لتكون هدفاً تصديرياً لمنتجاتنا، فحسبه كاتحاد “نقابة تجار” أن ينجح كجهة استشارية للحكومة –وهذا واجبه- وبيت خبرة في الشأن التصديري دون أن “نورّطه” بمهمة خاصة من مستوى بلورة شركة صادرات وطنية.

أما ثاني الملاحظات فهي أننا نظلم وزارة الاقتصاد عندما نحمّلها وزر مثل هذا الملف الثقيل، كما نظلم الملف ذاته، وقد صاغت الوزارة رؤيتها عبر مذكرة مرفوعة لرئاسة الحكومة، كان من الواضح فيها الارتباك والتناقض، وهذا ليس انتقاصاً من جهود الوزارة وقدرات كوادرها بل إنصاف لها، فإن كانت هي الجهة التنفيذية الأكثر صلة بالموضوع لا يعني أنها الوحيدة، لأن ثمة شركاء لا يجوز تجاهلهم ولهم دور أساس في إنجاح المسعى الحكومي.

النقطة الثالثة في طرحنا هي عبارة عن مقترح برفع مستوى إدارة الصادرات من جهة أو وزارة بعينها، إلى مستوى رئاسة الحكومة نظراً لحساسية الموضوع ومنعاً للدخول في دوامة المصالح المُجتزأة، وليكن لدينا مجلس أعلى جديد للتصدير برئاسة رئيس الحكومة وعضوية وزراء الاقتصاد والزراعة والصناعة والنقل، ورؤساء اتحادات غرف التجارة والصناعة والزراعة والمصدرين الحرفيين، وغير ذلك من الجهات المعنية بالموضوع، ويجتمع المجلس بشكل نصف شهري أو حتى أسبوعي في البدايات.

نعتقد أن موضوع التصدير يستحق أن يكون أولوية حكومية متقدّمة، فإن نجحنا في تجاوز محنة القطاع، سننجح في استدراك مشكلات القاعدة الإنتاجية على مستوى الزراعة والصناعة وحتى المهن اليدوية، وسنحقق على هذه القاعدة تقدّماً ملحوظاً في المعالجات داخل المضمار الاجتماعي لجهة تأمين فرص التشغيل وتعزيز مصادر الدخل، وبالتالي الحد من رقعة الفقر، ونرجو ألا تفتر نيات الحكومة أمام صعوبة المهمة، وتفاصيل الأخذ والرد والتضليل، التي مازالت مؤسساتنا خصبة في إنتاج البارعين في ممارستها!؟.

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]